يبدو أن بايدن ليس أحمقاً: مهمة إثبات النوايا تقع على طهران
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بكاء ونحيب الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية على موت الردع الإسرائيلي ضد إيران، على يد خلايا الاغتيال في الإدارة الأميركية كان سابقاً لأوانه. فعلى عكس التقديرات الإسرائيلية وردات الفعل الحكومية المذعورة، يبدو أن الرئيس جو بايدن لا ينوي إزالة العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، حتى لو كان ثمن ذلك عدم توقيع الاتفاق النووي. وهذا ما أشار إليه يوم السبت المحلل والخبير دافيد إيغناتيوس من صحيفة "واشنطن بوست"، والذي تربطه علاقات بأجهزة الاستخبارات الأميركية، إذ توصل، استناداً إلى مصادر سياسية إسرائيلية، إلى الخلاصة نفسها. وكان القائد العام لهيئة الأركان الأميركية الجنرال مارك ميلي، أعلن منذ البداية أنه يعارض رفع العقوبات ضد فيلق القدس – الذراع الخارجية للهجمات "الإرهابية" في الشرق الأوسط.
- في المقابل فإن الموقف الرسمي للحكومة الإيرانية برئاسة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي، والبرلمان الإيراني، والحرس الثوري هو أن شرط العودة إلى الاتفاق رفع العقوبات عن الحرس الثوري. ويبدو أن موقف بايدن يضع إيران أمام معضلة صعبة في وقت حرج.
- تريد إيران العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب بمساعدة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين وبتشجيع منهما. فمنذ الانسحاب من الاتفاق، قبل ثلاث سنوات، تعاني إيران جرّاء عقوبات قاسية جداً يحاول النظام الإيراني الالتفاف عليها من طريق إقامة شركات وهمية في عدة مناطق في العالم، ولا سيما في الإمارات، وبمساعدة الصين والهند، حتى أنه وصل إلى روسيا خلال الحرب في أوكرانيا، في محاولة لدفع واشنطن والدول الغربية إلى استيراد سلع وخدمات من إيران وتصديرها إليها. وبالاحتيال، ينجح هذا النظام في بيع النفط - المستهلك الأساسي هو الصين - إذ ساهم ارتفاع سعر النفط خلال أواسط العام الماضي، في إدخال نحو 5 مليارات دولار إضافية إلى الخزنة الإيرانية.
- لكن لا تغير كل هذه التطورات جذرياً من حقيقة أن السوق الإيرانية متعثرة، وأن الجمهور في إيران يعاني في أغلبيته جراء أزمة اقتصادية مستمرة، وحتى لو حاول النظام بث الثقة في النفس والصمود بقوة، فإن قياداته تعرف الحقيقة. التحدي الأميركي يضع إيران في موقف لا تُحسد عليه، إذ إن كل الخيارات التي أمامها هي خيارات سيئة. إن رفع العقوبات حتى لو صار من دون أن يتضمن الحرس الثوري، فإنه سيسمح لإيران بترميم اقتصادها ومساعدة المواطنين، وعلى الرغم من أن النظام الإيراني هو نظام دكتاتوري في جوهره، فإنه أثبت، مرة تلو أُخرى، أنه يخاف الغضب الشعبي ويأخذه في الحسبان.
- من ناحية أُخرى، فإن الإبقاء على العقوبات الموجهة ضد الحرس الثوري سيضر في صورة النظام، وسيفسَّر على أنه ضعف وخضوع لواشنطن، والأهم أن الحرس الثوري الإيراني هو أكبر من مجرد ذراع عسكرية يستند إليها نظام الملالي الديني، بل هو إمبراطورية اقتصادية تسيطر على نصف السوق الإيرانية. إذ ثمة قيادات في الحرس متوسطة وعليا تعمل على تفعيل نظام فاسد يعمل على قاعدة الباب الدوار، وتتنقل هذه القيادات في أروقة النظام وتحافظ على قوتها الاقتصادية وتأثيرها السياسي حتى بعد تقاعدها.
- لقد رمى كل من بايدن ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، من خلال عدم خضوعهما، الكرة في ملعب الإيرانيين، وبالتالي فإن مهمة إثبات النوايا باتت على عاتق طهران. وبهذه الطريقة، أثبتا أنهما مختلفان عن إدارة أوباما، وغير معنيَّين بالعودة إلى الاتفاق النووي، وبالاستجابة إلى مطالب طهران بأي ثمن. وبلغة أقل دبلوماسية: ليسوا حمقى، ذلك بأنهم مستعدون لتحمّل مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق في حال عدم الذهاب حتى النهاية في الاستجابة للمطالب الإيرانية، وهو اتفاق يريدونه حتى الآن.
- مضى 15 شهراً على ولاية بايدن، وعلى الرغم من السيناريوهات المرعبة الصادرة خصوصاً عن اليمين الإسرائيلي، والتي تصور أن بايدن سيبيع إسرائيل، حتى الآن لا يوجد اتفاق.
- وتنبع هذه التطورات، أساساً، من فهم الإدارة لمصالحها القومية، تساندها فيها الأطراف المعارضة للدور المركزي الذي يقوم به روبرت مالي، المسؤول عن الملف الإيراني، والذي يدفع في اتجاه اتفاق بأي ثمن، والتي تتمثل في أعضاء كونغرس جمهوريين، والأهم ديمقراطيين، بالإضافة إلى دول أوروبية في مقدمها بريطانيا، ودول عربية بقيادة السعودية والإمارات، وتركيا أيضاً. عملياً، ثمة ائتلاف داخلي أميركي - دولي، يستغل ضعف روسيا في أعقاب اجتياح أوكرانيا لوضع إيران أمام صفقة: Take it or leave it.
- إن لم يجر التوصل إلى اتفاق، فإن إسرائيل ستكون سعيدة كأن المشكلة حُلَّت، لكن من دون اتفاق ستواصل إيران جهودها للوصول إلى عتبة دولة نووية من دون تركيب سلاح نووي، وسيكون على الموساد أن يعمل بجدية أكبر بهدف تأخير وتعطيل وإحباط البرنامج النووي الإيراني.
- إن الخلاصة المهمة والمؤسفة من هذه التطورات في الساحة الإيرانية هي أن حكومات إسرائيل، وعلى الرغم من العلاقات الاستراتيجية الوطيدة مع أميركا، لا تزال تجد صعوبة في فهم الولايات المتحدة، وتفشل مرة تلو أُخرى في قراءة الخريطة. وهذا كله ينبع في الأساس من أن قيادات إسرائيل ورؤساء الأجهزة الأمنية فيها يعتقدون أن إسرائيل هي مركز الكون.