القمة في شرم الشيخ تثبت أن مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط لا تتعلق بهوية قائدها
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد خمسة أعوام على وفاة شمعون بيرس، تلقت رؤيته البالية، "شرق أوسط جديد"، حقنة طاقة جدية. فالقمة السرية التي عُقدت أمس في شرم الشيخ هي تعبير إضافي ملموس عـن التغيير الجـذري الـذي حدث في جدول الأعمال الإقليمي، وفي مكانة إسرائيل، منذ توقيع "اتفاقيات أبراهام". ففي "نادي الأبيض المتوسط" الحصري، يجلس اليوم إلى جانب إسرائيل مَن كانوا، سابقاً، أعداءها الأساسيين: مصر، والأردن، والإمارات، والصديقة القديمة - الجديدة تركيا. وبدعم أميركي، تدفع الدول قدماً بمصالحها الأمنية والاقتصادية المشتركة، وعلى رأسها التصدي لإيران، كما تحاول إيجاد حلول لأزمات راهنة في موضوعيْ الطاقة والاقتصاد.
- في الأشهر الماضية، تبين أن مكانة إسرائيل الدولية غير مرتبطة بهوية القائد الذي يترأسها. فرئيس الحكومة نفتالي بينت، الذي يفتقر إلى الخبرة السياسية، دخل إلى عباءة مَن سبقه، واستُقبل بحفاوة في مكاتب قيادات المنطقة والعالم، والتي ترى في إسرائيل حليفة استراتيجية وبوابة مهمة للإدارة الأميركية والنظام الروسي. جرى التخطيط للقمة في شرم الشيخ منذ وقت طويل. بينت، الذي استلم منصبه منذ ثمانية أشهر، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى في أيلول/سبتمبر الماضي. أمّا ولي العهد الإماراتي، فالتقاه للمرة الأولى في كانون الأول/ديسمبر.
- وبحسب مصادر إسرائيلية، تطورت بين الزعماء الثلاثة علاقات من الثقة والقرب، الأمر الذي سمح بترتيب اللقاء أمس. منذ وقت طويل جداً، هذه أول مرة يبيت رئيس حكومة إسرائيلي ليلته في الأراضي المصرية. الرئيس المصري لم يبخل على ضيفه بعلامات الود، حتى أنه رافقه إلى الطائرة بعد انتهاء اللقاء. لم يكن من المفترض لهذه القمة المهمة أن تخرج إلى العلن، إذ تم إخفاؤها عن وسائل الإعلام إلى أن تسربت الأخبار. ورسمياً، قرر المشاركون الثلاثة فيها الحفاظ على سرية القرارات التي اتُّخذت.
- توقيت اللقاء لا يقلّ أهمية عن عقده: عشية توقيع الاتفاق النووي المجدَّد مع إيران، تعبّر الدول التي تعارض التوقيع عن تحفُّظها عنه. لكن، ليس فقط إيران وجهود الرئيس السوري بشار الأسد للحصول على احتضان عربي من جديد هو ما تم طرحه في اللقاء. فقد تأثر جدول أعمال القمة كثيراً بالحرب الأوكرانية - الروسية وإسقاطاتها على المنطقة. بدوره، بينت شارك نظراءه في تقدُّم جهود الوساطة التي يقوم بها بين الطرفين، كما بحث الثلاثة "أزمة القمح" في مصر، بالإضافة إلى إمكانات زيادة إنتاج النفط في الشرق الأوسط لتقليل الاعتماد على روسيا وإيران.
- توطيد العلاقات ما بين إسرائيل ودول المنطقة يؤشر إلى تغيير إضافي. فالقضية الفلسطينية، التي كانت أساس النزاع الدائم، هُمِّشت بالتدريج. قيادات دول المنطقة لم تعد ترتدع عن التعاون مع رئيس حكومة إسرائيل الذي يعبّر، علناً، عن معارضته لأي عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية. الموضوع الفلسطيني طُرح أمس خلال القمة، إلاّ إن بينت تمسّك بسردية حكومته: الدفع قدماً بمشاريع اقتصادية تحسّن ظروف السكان في مناطق السلطة، إلى جانب تفادي مبادرات سياسية.
- خلال الأشهر الأخيرة، أوضح بينت أنه تبنّى نهجاً سياسياً، مفاده أن "إسرائيل تركض في الملعب كله"، وتتعاون مع كل دولة تريد ذلك. حقيقة أن الإدارة الأميركية تسحب يديها من معالجة مشكلات المنطقة لمصلحة المنافسة مع روسيا والصين، تدفع دول المنطقة التي لديها مصالح مشتركة إلى التعاون، على الرغم من أزمات الماضي التاريخية والنزاعات. كما يشكل التقارب في العلاقات، الممزوج بالامتعاض، بين تركيا وإسرائيل، خلال اللقاء قبل أسبوعين بين الرئيسين، الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ والتركي رجب طيب أردوغان، جزءاً لا يتجزأ من هذا النادي.