لماذا اختار بينت موقع الوسيط
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- على الرغم من انعدام خبرته السياسية، فإنه يمكن التقدير أن رئيس الحكومة نفتالي بينت نفسه لم يؤمن حقاً بأن سفره إلى روسيا سيحلّ الأزمة ويُنزل فلاديمير بوتين عن الشجرة. فمن غير المعقول أن يقوم بوتين بمنح بينت إنجازاً كهذا، وعموماً، الرئيس الروسي ليس من نوع القادة الذين يوزعون جوائز سياسية وإنجازات للآخرين. إن كان بينت يعلم هذا، والغرب أيضاً، يبقى السؤال: ما الذي دفعه إلى الطيران في زيارة خاطفة إلى موسكو، وفي يوم السبت، والمخاطرة بانتقادات لرحلة فاقدة للمعنى، مبالَغ فيها، وانتهكت قدسية السبت وجميع هذه الأمور.
- الهدف الواضح للعيان هو المحافظة على منظومة العلاقات مع بوتين. لدى إسرائيل مصلحة في الحفاظ على حرية الحركة في سورية، وعلى حياة اليهود والإسرائيليين في روسيا وأوكرانيا. صحيح أن الزيارات ومحاولات الوساطة لم تؤدّ إلى وقف العدوان الروسي على أوكرانيا، لكنها سمحت لإسرائيل بالبقاء بعض الوقت الإضافي على الحياد. وعندما تبدو، كوسيط يتمتع بعلاقات جيدة مع الطرفين، تستطيع أن تُدين روسيا بلهجة متهاونة، وتكون قد قامت بواجبها. لكنها، في جميع الأحوال، لا تستطيع أن تكون في واجهة الصراع معها.
- لدى إسرائيل مخاوف وجودية أكثر إزاء إيران، لكن السفر إلى روسيا، والأحاديث الهاتفية مع بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هي الطريق الأقل تكلفة في هذه المرحلة لتفادي صراع مع بوتين يمكن أن يؤثر في الجبهة الأقرب، سورية، والأبعد، إيران. لذلك، فإن الظهور بمظهر مَن يريد إحلال السلام في العالم (مع ستة مقاعد في الكنيست!) من جهة، وتلقّي انتقادات للموقف المتهاون جداً من عدوان بوتين، يبقى موضوعاً ثانوياً.
- المشكلة أن وتيرة الحرب في أوكرانيا تتصاعد، وتحصد المزيد من الضحايا في الأرواح واللجوء، وتزعزع استقرار أوروبا، ومن شأنها أن تتدهور إلى ظروف لن تسمح لبينت بالاستفادة من مكانة الوسيط وقتاً طويلاً. فإذا أراد بوتين الاستمرار في جرائم الحرب في أوكرانيا، فسيقوم الغرب بفرض المزيد من العقوبات، والمزيد من الضغوط على إسرائيل للانضمام إليه. كما أن الحرب على أوكرانيا بدأت أيضاً تؤدي إلى أضرار اقتصادية، وانهيارات في أسواق البورصة العالمية، وارتفاع في أسعار النفط. ويبدو أن هذا الحدث يتطور بطريقة ستؤدي إلى خسارة الجميع. لكن، هل من المعقول أن يكون بينت الرابح الأكبر من عدم الاستقرار السياسي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، والرابح الأكبر أيضاً من الحرب في أوكرانيا؟ إن كان الجواب نعم، فأريد أن أرسل إليه استمارة رهان.
- أمام إسرائيل في هذه المرحلة خياران: إمّا الوقوف إلى جانب أميركا والاتحاد الأوروبي كلياً، وهذا يشمل التصريحات والإدانات المطلوبة، بالإضافة إلى العقوبات على روسيا؛ وإمّا السير بين النقاط والظهور بمظهر الوسيط المحايد. الخيار الأول ينطوي على مخاطرة تغيير قواعد اللعبة في سورية بصورة تضر بمصالح إسرائيل. هذا ثمن يمكن تحمُّله إذا قدّم الغرب لإسرائيل ضمانات لردع برنامج إيران النووي. إلّا إن هذا لم يحدث حتى اللحظة، ولذلك، فإن مكانة الوسيط تسمح لها بأن تكسب بعض الوقت قبل أن تكون مرغمة على تغيير قواعد اللعبة في مقابل بوتين. وتأمل إسرائيل بأن السير بين النقاط سيسمح لها بتعزيز موقفها في المحادثات النووية في فيينا.
- يقوم الغرب بفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة جداً ضد روسيا، يدفع ثمنها الباهظ الغرب أيضاً بسبب ارتفاع أسعار النفط، والضرر برجال الأعمال والشركات التي تربطها علاقات تجارية بروسيا، بالإضافة إلى انعدام الاستقرار في الأسواق المالية. ويبدو أن الغرب لا ينشر قوات عسكرية، أو يقوم بخطوات عسكرية للدفاع عن أوكرانيا ومواطنيها، خوفاً من تصعيد خطِر يصل إلى استعمال روسيا سلاحها النووي. أمّا الخلاصة المطلوبة، من وجهة نظر إسرائيلية، لكن ليس وحدها فقط، فهي أن يدي الغرب مكبّلة أمام دولة تملك سلاحاً نووياً وتعتدي على جارتها من دون أي سبب. أمّا الإنجاز السياسي الحقيقي لبينت فسيكون إذا نجح في إقناع الغرب بمنع تكرار روسيا أُخرى في إيران.