تغيير في السياسة التركية: لماذا الآن؟
المصدر
باحثو مركز القدس للشؤون العامة والسياسة
  • اتصل رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتمنى له الصحة والشفاء بعد إصابته بفيروس كورونا، وناقش الاثنان إمكان لقاء قريب من دون تفاصيل إضافية. لكن الرئيس أردوغان ذكر أمام وسائل إعلامية تركية، الأسبوع الماضي، أن الرئيس هرتسوغ سيزور تركيا في آذار/مارس المقبل، وأن تركيا وإسرائيل ستبحثان قريباً في نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا.
  • بعد إطلاق سراح الزوجين موردي ونتالي أوكنين من السجن في تركيا، واللذين كانا اعتُقلا بتهمة العمالة للموساد، بدا واضحاً أن الرئيس التركي ينتظر مقابلاً من إسرائيل لقاء إطلاق الزوجين في الوقت الملائم، إذ أعلن أردوغان أنه سيبدأ سياسة خارجية جديدة، وبدأ بإصلاح علاقاته الإقليمية مع مصر والإمارات، والآن مع إسرائيل.
  • لقد كانت علاقة إسرائيل بتركيا في العقد الأخير عاصفة، وشهدت عدة أزمات سياسية. ففي سنة 2010 أحبطت إسرائيل محاولة تركية لكسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة وأرسلت مقاتلي فرقة شييطت 13 للسيطرة على السفينة التركية "مرمرة" في وسط البحر. وفي سنة 2016 جرى الاتفاق على تطبيع العلاقات بين الدولتين، لكن في سنة 2018 طردت تركيا السفير الإسرائيلي من أنقرة واستدعت سفيرها في تل أبيب بعد مقتل 61 فلسطينياً تظاهروا بالقرب من الحدود مع القطاع احتجاجاً على اعتراف إدارة دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
  • الآن قرر الرئيس أردوغان أن الوقت ملائم بالنسبة إليه لإصلاح العلاقات مع إسرائيل والحصول على مقابل منها لقاء إطلاق سراح الزوجين أوكنين. كذلك اتصل وزير الخارجية التركي بنظيره الإسرائيلي يائير لبيد مطمئناً عليه بعد إصابة هذا الأخير بكورونا. وقد أعلن الرئيس التركي بنفسه أن الرئيس يتسحاق هرتسوغ سيزور تركيا، وأنه اتصل به معزياً بوفاة والدته.
  • اتخذ الرئيس أردوغان قراراً استراتيجياً يقضي بإصلاح العلاقات مع إسرائيل. ففي رأيه التوقيت ملائم الآن لأن بنيامين نتنياهو لم يعد في السلطة، كما تبدلت الإدارة الأميركية، ولم تعد "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس دونالد ترامب قائمة. ويخطط أردوغان هذا الشهر للقيام بنشاط سياسي كبير، إذ من المتوقع أن يزور السعودية والإمارات وأوكرانيا، ويجتمع مع الرئيس بوتين في أنقرة. كما يبذل جهداً كبيراً لإنهاء الخلاف الإقليمي الذي تسبب به، وتطبيع العلاقات مع مصر والإمارات وإسرائيل.... يريد أردوغان تسريع تطبيع العلاقات مع إسرائيل من أجل إجراء المحادثات بشأن مشروع نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا.
  • لا يعتبر أردوغان ممثلاً رفيع المستوى في حركة "الإخوان المسلمين" العالمية، وهو يدرك أن الحركة و"حماس" لن تحبذا التقرب التركي مجدداً من إسرائيل، لكنه يضع بقاءه السياسي ومصلحة تركيا في رأس سلم الأولويات، وسبق أن طرد سراً من تركيا خلال الشهرين الأخيرين زعماء من "الإخوان المسلمين" فروا من مصر بعد وصول السيسي إلى السلطة، وأوقف حملات التحريض ضد الرئيس المصري في محطات التلفزيون التركي في محاولة للتصالح مع مصر. وفي الواقع يلتزم الإخوان و"حماس" الصمت ولا تصدر عنهما كلمة انتقاد واحدة ضد محاولات تركيا التقرب من مصر، والآن من إسرائيل أيضاً.
  • يريد أردوغان البقاء في الحكم، فالوضع الاقتصادي في تركيا في حالة تدهور، وخسرت الليرة التركية أكثر من 40٪ من قيمتها خلال عام، وارتفع التضخم إلى أكثر من 30٪، وخسر أردوغان قوته السياسية في الشارع التركي. بالنسبة إلى إسرائيل هذا هو الوقت الملائم للضغط على الرئيس أردوغان لوقف مساعدة الذراع العسكرية لـ"حماس" التي تعمل من إستانبول.
  • وتملك الذراع العسكرية لـ"حماس" مكتباً في إستانبول يضم المبعدين من المناطق إلى الخارج كجزء من "صفقة شاليط" سنة 2011، وكان جزء من نشاط هؤلاء هو الإعداد لهجمات في مناطق الضفة الغربية، ومحاولة تجنيد طلاب عرب في صفوف "حماس" وحزب الله وإيران من مواطني إسرائيل الذين يدرسون في تركيا، أو يزورونها.
  • قبل عام ونصف العام تحدثت صحيفة "التايم" اللندنية نقلاً عن مصادر استخباراتية دولية عن وجود وحدة سرية تابعة لـ"حماس" تعمل في إستانبول بصورة مستقلة عن مكتب الحركة، وهي تابعه للذراع العسكرية للحركة وترسل تقاريرها مباشرة إلى المسؤول الرفيع المستوى في "حماس" سماح سراج الذي يتلقى التعليمات من يحيى السنوار زعيم "حماس" في القطاع. وبحسب هذه المصادر سعت هذه الوحدة إلى شراء مواد مزدوجة الاستخدام ممنوع دخولها إلى القطاع خوفاً من استخدامها في تطوير وسائل قتالية على يد وحدة التطوير التكنولوجية في "حماس". كما تعمل هذه الوحدة على التجسس على تنظيمات أُخرى تشك في أنها غير موالية لـ"حماس".
  • احتمال أن تقطع تركيا علاقتها بـ"حماس" التي تسببت أكثر من مرة بتعقيد علاقات تركيا مع المجتمع الدولي ليس كبيراً، فتركيا من خلال أردوغان تقود محور "الإخوان المسلمين" في الشرق الأوسط، ويعتبر الإخوان الحركة الأم لـ"حماس". قبل عام ونصف العام ورطت "حماس" تركيا في قضية تبييض وتهريب أموال إلى الذراع العسكرية في قطاع غزة بواسطة مكتبين كبيرين لتحويل الأموال في إستانبول. ونتيجة ذلك دانت محكمة في السعودية 60 ناشطاً من "حماس" بتهمة الانتماء إلى شبكة تبييض وتهريب أموال، وجرى اعتقالهم بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان بعد المعلومات الدقيقة التي نقلتها إسرائيل والولايات المتحدة إلى الاستخبارات السعودية عن نشاط هؤلاء في تركيا والسعودية. ولقد حكم عليهم بالسجن مدة 15 عاماً.
  • المسؤول عن مكتب "حماس" في إستانبول هو صالح العاروري، المسؤول رقم 2 والمسؤول عن الذراع العسكرية لـ"حماس" في الضفة الغربية ورجل الاتصال بحزب الله وإيران، لكن يبدو، واستناداً إلى مصادر في القطاع أن الذراع العسكرية في إستنابول هي مشروع شخصي تابع ليحيى السنوار، وهو يستخدمها في الأساس لخدمة أهداف الذراع العسكرية في قطاع غزة.
  • حتى الآن فشلت مساعي إسرائيل لدى السلطات التركية في التوصل إلى إغلاق فرع الذراع العسكرية لـ"حماس" في إستانبول بعد عشر سنوات تقريباً. وبحسب مصادر في "حماس" تستخدم الحركة غرفة تنصت في إستانبول تشمل وسائل إعلام واتصال بإسرائيل، وتزود حزب الله وإيران بالمعلومات الاستخباراتية.
  • ومدير هذا المكتب هو عبد الحكيم حنيني من الموالين لصالح العاروري، والذي اضطر إلى مغادرة تركيا جراء ضغط أميركي وإسرائيلي، وهو اليوم يسكن في أحد أحياء الضاحية الجنوبية ويشغّل من هناك المكتب في إستانبول...
  • لم يؤكد مكتب رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ كلام أردوغان بشأن الزيارة المرتقبة لرئيس الدولة الإسرائيلي إلى تركيا، ولم ينفِه أيضاً، ويبدو أن الرئيس التركي يمارس ضغطاً إعلامياً كي تتم الزيارة هذا الشهر. يجب أن نكون حذرين جداً وألاّ نعطي أردوغان هدايا مجانية، وخصوصاً ألاّ نفتح له الباب إلى البيت الأبيض، ذلك بأنه رئيس متقلب يمكن أن ينقلب على إسرائيل في أي لحظة، وأن يغير جلده مثل الحرباء، وسبق أن رأينا هذا من قبل. كما يجب أن نأخذ في الحسبان أن تقرّب إسرائيل مجدداً من تركيا سيؤثر في علاقاتها الاستراتيجية مع قبرص واليونان ومصر.
  • يتعين على إسرائيل زيادة الضغط السياسي على تركيا كي تغلق مكتب "حماس" في إستانبول، والذي يشكل انتهاكاً للقانونين التركي والدولي. وحقيقة أن الرئيس أردوغان يسمح لهذا المكتب بالاستمرار في العمل على الرغم من مطالبة إسرائيل بإغلاقه، وعلى الرغم من المعلومات التي قدمتها إسرائيل إلى الاستخبارات التركية، والتي تدين نشاط هذا المكتب، يجعل من تركيا دولة تحمي التنظيمات "الإرهابية".