غانتس ليس واهماً: يتعين على إسرائيل مساعدة لبنان
تاريخ المقال
المصدر
- قد تبدو الانتقادات الحادة التي وجهتها "جهات سياسية وأمنية" لتصريحات وزير الدفاع في الموضوع اللبناني ووصفته بـ"الواهم" مزعجة لكنها في الحقيقة تعكس المشكلات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ولا سيما تلك التي تُطرح بشأن ما إذا كان يتعين على إسرائيل مساعدة الدولة اللبنانية المنهارة؟ وبشأن مسألة إضافية - طويلة الأمد وأكثر عمقاً - تتعلق بمساعدة الجيش اللبناني الضعيف الذي يلاقي صعوبة في مواجهة حزب الله.
- وكان غانتس قد كشف خلال الخطاب الذي ألقاه في الجلسة الختامية للمؤتمر السنوي الـ15 لمعهد دراسات الأمن القومي في 2 شباط/فبراير، أنه نقل في نهاية كانون الثاني/يناير بواسطة أطراف في اليونيفيل اقتراحاً بتقديم مساعدة إسرائيلية محددة للجيش اللبناني، الذي يعاني نقصاً في المواد الأساسية. وأضاف غانتس أنه خلال العام الماضي اقترح أربع مرات مساعدة لبنان بسبب الخوف من تحوّل لبنان إلى "جزيرة من عدم الاستقرار"، وانطلاقاً من الإدراك أن المواطنين اللبنانيين ليسوا أعداء إسرائيل.
- يمكن الجدل بشأن الكشف العلني عن خطوات إسرائيل حيال لبنان، أمّا بشأن مضمون كلام غانتس، فأنا اتفق معه تماماً، فوزير الدفاع على حق في نظرته التي ترى أنه من المفيد للأمن القومي الإسرائيلي تقديم مساعدة لجارتنا الشمالية التي تعاني في السنوات الأخيرة أزمة قد تؤدي إلى هلاكها. وفي المقابل فإن هذه الأزمة تقوي أعداء إسرائيل الحقيقيين: حزب الله وراعيته إيران اللذان يستغلان الوضع الصعب لتوسيع نطاق نفوذهما في لبنان.
- إن اقتراح تقديم المساعدة إلى سكان لبنان الذين يعانون أوضاعاً حياتية صعبة للغاية أمر مفهوم وليس جديداً، على الرغم من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي في إسرائيل بشأن عدم تعاطف وزير الدفاع مع "فقراء في مدنه أولاً". لا يمكن المقارنة بين الوضع الاقتصادي –الاجتماعي في إسرائيل وبين التداعيات القاسية للأزمة على سكان لبنان الذين يعانون الجوع وأوضاعاً حياتية صعبة، فبحسب أرقام البنك الدولي يعيش أكثر من ثلثي سكان لبنان اليوم تحت خط الفقر. بالإضافة إلى أن المقصود مصادر تمويل مختلفة ولن تكون المساعدة لطرف على حساب الآخر.
- كما ذكرنا، فالهدف لا يكمن في حب مساعدة الآخر فقط، إذ إن مساعدة لبنان لها أهمية على المستوى الاستراتيجي في ضوء المصلحة الإسرائيلية بوجود لبنان مستقر ومزدهر وموالٍ للغرب، ومنع السيطرة الكاملة لحزب الله على الدولة وتحويلها إلى جزء من المحور الشيعي بقيادة إيران.
- في الواقع فإن كثيرين في إسرائيل يدّعون أنه قد فات الأوان، وأن الوضع في لبنان غير قابل للإصلاح وأن البلد فعلاً تحول إلى "دولة حزب الله" وهو واقع تحت "احتلال إيراني"، لكن من وجهة نظري فالأمر ليس كذلك. صحيح أن حزب الله هو العنصر الأقوى والرائد لكنه ليس الوحيد في لبنان، وعلى خلفية الأزمة تزداد الانتقادات الداخلية الموجهة إلى الحزب عمقاً، كما تزداد الأصوات داخل المنظومة اللبنانية المعارضة للحزب وللتدخل الإيراني. وبذلك لا تملك إسرائيل ودول الغرب والدول العربية المعتدلة ترف عدم محاولة كبح سقوط لبنان بين يدي حزب الله وإيران.
- ما أثار الانتقاد الحاد هذا الأسبوع كان تحديداً اقتراح غانتس مساعدة الجيش اللبناني الذي لديه علاقات مع حزب الله ولم ينجح في فرض إرادته على الحزب. وفي المنظومة الإسرائيلية هناك مواقف متعارضة في هذا الشأن، وخصوصاً بشأن الموقف الأميركي الذي يرى ضرورة تعزيز قوة الجيش اللبناني كقوة وطنية لبنانية قادرة على مواجهة الأطراف المتطرفة والمحافظة على الهدوء الداخلي. وتقدم الولايات المتحدة مساعدة كبيرة إلى الجيش اللبناني منذ سنة 2006 وصلت إلى حد 2.5 مليار دولار، بينها عدة مئات من ملايين الدولارات حوّلت في السنة الأخيرة شملت وسائل قتالية وتدريبات.
- من جهتها، أبدت إسرائيل طوال سنوات قلقها الشديد إزاء طبيعة المساعدة المقدمة إلى الجيش اللبناني، وحرصت على التأثير في نوع هذه المساعدات من خلال المطالبة الواضحة بألاّ تشمل وسائل قتالية يمكن أن توّجه ضدها في وقت الحرب.
- إن اقتراح تقديم مساعدة إلى الجيش اللبناني يعكس تبدلاً في الموقف الإسرائيلي، حتى لو كان المقصود في هذه المرحلة مساعدة إنسانية فقط. ومع ذلك يجب ألاّ نعتبره خطراً وسلبياً بل أن نحاول فهم المنطق الذي تقف وراءه - ضرورة إنقاذ لبنان من يدي حزب الله وإيران، لأن تطوراً كهذا سيعمق التهديد على أمن إسرائيل وعلى الاستقرار في المنطقة.
- إن قدرة إسرائيل على التحرك في هذا الموضوع محدودة في الواقع لأن اللبنانيين ليسوا مستعدين لقبول مساعدة مباشرة منها، لكن يمكنها العمل مع أصدقائها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وفرنسا ودول الخليج لتشجيعهم على المساعدة في ذلك.