إيران والولايات المتحدة تلمّحان إلى نفاذ صبرهما، لكنهما لا تريدان الإقدام على خطوة لا عودة عنها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "أنصح وزير الخارجية الأميركي ببذل كل ما في وسعه لإقرار الخطة "أ"، لأن الخطة "ب" لا تعجب أي طرف من الأطراف"، هذا ما قاله الناطق بلسان الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة يوم الإثنين. وأضاف زادة أن الوزير بلينكن "يعرف أكثر من أي شخص آخر أن لدى كل دولة خطة "ب"، وخطتنا قد لا تعجبهم".
  • تحذير خطيب زادة جاء في مؤتمر صحافي عُقد بمناسبة بدء الجولة الجديدة من المحادثات النووية بين إيران والدول الكبرى في فيينا. وتطرق في كلامه إلى الإلحاح الذي أظهرته الإدارة الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وتحديداً في الأيام الأخيرة، وتلميحها إلى أنه بقيت أسابيع قليلة كي تقرر عدم جدوى الاستمرار في المحادثات، وإذا تبين لها أنها ستبقى تراوح مكانها من دون فائدة، فإنها ستنظر في خيارات أُخرى.
  • لكن لا إيران ولا الولايات المتحدة حددتا بدقة عدد الأسابيع المقصودة - وفي الأساس ما هي الخيارات الأُخرى، أو "الخطة ب" التي تحوم فوق المحادثات. فرضية العمل هي أن واشنطن لن تتبنى خياراً عسكرياً في مواجهة طهران، ما دامت هذه الأخيرة لا تخصّب يورانيوم على درجة 60%، ولا تطور أو تشتري وسائل لإطلاق سلاح نووي. من جهتها، إيران أعلنت أنها ستتوقف عن تخصيب اليورانيوم فوق هذه الدرجة، سواء أُبرم الاتفاق أو لم يُبرم.
  • والظاهر أيضاً أن فكرة تشديد العقوبات استنفدت نفسها، بعد أن أظهرت إيران قدرة على الصمود الاقتصادي والسياسي، حتى في زمن "الضغوط القصوى" التي مارسها ضدها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. هناك فرضية عمل أُخرى، هي أن الطرفين بحاجة إلى الاتفاق ويريدانه، وأن الوضع القائم الناشىء منذ 2018-2019 يهدد استقرار النظام في إيران لأسباب اقتصادية.
  • هذا التهديد هو الذي يكبح تطلُّع إيران إلى أن تصبح قوة إقليمية كبرى، وهو عامل توتر إقليمي دائم يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى التدخل - الأمر الذي يحطم استراتيجيا انفصالها عن الشرق الأوسط. يبدو أن هذا الحافز المتبادل، وليس أدوات الضغط، هو الذي سيؤدي إلى حدوث انعطافة.
  • الطواقم القانونية للولايات المتحدة وإيران تفحص، كل على حدة، كل عقوبة فرضتها الإدارة الأميركية، لتوزيعها على مجموعتين أساسيتين: تلك التي لها علاقة مباشرة بالبرنامج النووي الإيراني، وتلك التي فُرضت لاعتبارات أُخرى، مثل انتهاك حقوق الإنسان وتأييد الإرهاب، أو تطوير برنامج الصواريخ الباليستية. المشكلة أن ترامب في أثناء تولّيه الرئاسة، وبعد انسحابه من الاتفاق النووي، فرض على إيران عقوبات كثيرة لم تحدَّد كعقوبات لها علاقة بالبرنامج النووي - بل هدفها منع الإدارة المقبلة من رفعها، في حال عودتها إلى الاتفاق.
  • وهذا ما حدث مع دخول بايدن إلى البيت الأبيض قبل نحو عام. إلغاء العقوبات "غير النووية"، والتي فُرضت في إطار قوانين سنّها الكونغرس وليس بأمر رئاسي، تتطلب تشريعاً جديداً. وإذا نالت التأييد فهي ستستغرق وقتاً، وستعرّض بايدن لضغوط كبيرة، ويمكن أن تعرقل تطبيق الاتفاق الجديد إذا أُبرم.
  • لكن حتى لو وافق الطرفان على لائحة معينة للعقوبات، لا يستطيع بايدن أن يتعهد بأن أي إدارة تأتي من بعده ستلتزم بالاتفاق ولن تنسحب منه مستقبلاً. تيد برايس الناطق بلسان الخارجية الأميركية أوضح أنه "لا وجود لشيء اسمه ضمانات في العلاقات الدولية"، وتابع: "يمكننا التحدث باسم هذه الإدارة التي أوضحت بصورة قاطعة أنها مستعدة للعودة الى التطبيق الكامل للاتفاق النووي، والتمسك به ما دامت إيران تلتزم بشروطه".
  • يبدو أن إيران تتفهم هذه الصعوبة لأنها تطالب الدول الأوروبية بضمانات بأنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق بصورة أحادية الجانب ستواصل الدول الأوروبية الالتزام به بالكامل - بعكس ما فعلته بعد انسحاب الولايات المتحدة. صحيح أن هذه الدول لم تنضم إلى واشنطن بعد انسحابها في سنة 2018، لكنها أيضاً لم تنجح في إقامة آلية للالتفاف على العقوبات، في ظل تهديد الولايات المتحدة بالمسّ بنشاط الشركات الدولية التي ستخرق العقوبات.
  • ... يبدو أن مسألة الرقابة على رفع العقوبات هي مشكلة من السهل حلّها، لأن الإدارة الأميركية صرّحت بأنه سيكون من الممكن رؤية إلغاء هذه العقوبات على الأرض فور إبرام الاتفاق. لكن إيران تتخوف من إمكان استخدام واشنطن عقوبات غير مباشرة وتهديدات غير علنية ضد شركات أو دول تعود إلى العمل معها. لذلك، هي تطالب بإنشاء آلية محايدة متفَّق عليها تفحص رفع العقوبات.
  • إن مستقبل المفاوضات في فيينا مرتبط بحجم التقدم الذي سيتحقق في الأيام المقبلة - وفي الواقع، من الأصح القول إنه مرتبط بتفسير مصطلح "التقدم". لا يريد أي طرف أن يُتهم بإفشال المفاوضات وإحباط فرص التوصل إلى اتفاق. لذلك، من المهم اتفاق إيران والولايات المتحدة على مسألة تحديد هذا التقدم بطريقة تكبح نية الانسحاب من المفاوضات - حتى لو كان معنى ذلك ضرورة تمديد الوقت المخصص للمحادثات.