الأرشيف لا يتم إخفاؤه عن الفلسطينيين، بل عن الإسرائيليين أيضاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • عدة مقالات وردود نُشرت بعد مقالي الذي نُشر في ملحق "هآرتس"، والمتعلق بمقاطع من جلسات الحكومة تعود إلى سنة 1948، والتي جرى الكشف عنها مؤخراً. ووصل النقاش بسرعة إلى الكلام المألوف والحجج المعتادة: "العرب" لم يقبلوا خطة التقسيم (لذلك، لا مشكلة في طرد السكان الذين لم يشاركوا في القتال)؛ لو انتصروا لكانوا "ذبحوا" اليهود (لذلك، لا مشكلة إذا ارتكب اليهود جرائم حرب)؛ أيضاً هناك بلدات يهودية أُخليت خلال الحرب (لذلك، يمكن أن نفهم لماذا طرد الجيش قرى كاملة وفجّر منازلها). من ضمن الردود الكثيرة، يبدو لي أن هناك مشكلة واحدة بقيت غامضة: الأهمية في كشف وثائق تاريخية أخفتها الدولة عن حرب 1948.
  • لقد خصصتُ مقالي لسلسلة جلسات الحكومة التي عُقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر – كانون الأول/ديسمبر 1948، والتي بحثت المذابح التي جرت في أيام عمليتيْ يوآف وحيرام. أجزاء كثيرة من محاضر الجلسات كانت محجوبة قبل فتحها أمام الجمهور قبل 26 عاماً. وأظهر فحص الأجزاء التي كُشف عنها مؤخراً، بعد طلب معهد "عكفوت" (الذي أحقق فيه)، وجود خلاف بين رئيس الحكومة ديفيد بن – غوريون وبين أغلبية الوزراء بشأن الطريقة الأنسب للتعامل مع جرائم الحرب التي ارتكبها مقاتلون ومدنيون يهود. في سنة 1995، قرر أرشيف الدولة أنه لا يحق للجمهور الإسرائيلي الوصول إلى هذه المواد. ويبدو أن كثيرين لم يزعجهم إخفاء هذه الأمور عنهم أعواماً طويلة.
  • المؤرخ الذي يريد الوصول إلى جذور الحقيقة في قضية تاريخية بحاجة إلى وثائق متنوعة وعالية الجودة. لكن يبدو أن الجمهور لا يهتم كثيراً في أن عدداً قليلاً من الموظفين يسيطر على القدرة على إجراء حوار يعتمد على حقائق تتعلق بتاريخ دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي، وهم يستخدمون القوة المعطاة لهم كي يقرروا ما هي المواد الأرشيفية التي يمكن الكشف عنها، أو التي لا يمكن الكشف عنها.
  • لقد طورت الدولة كل أنواع الأساليب لعرقلة عمل كلّ مَن يريد التعرف إلى عملها بواسطة وثائق الأرشيف. الأسلوب المتداول هو منع الكشف عن وثائق، بمبادرة من المسؤولين عن الأرشيف أنفسهم. عملياً، المسؤولون عن أرشيف الدولة وأرشيف الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية يخرقون، بصورة فجة، قانون الأرشيف وقوانين البحث، ولا يكشفون أمام الجمهور المواد التي مر عليها الزمن، ويمكن الكشف عنها. الأرقام تتحدث عن نفسها: في أرشيف الجيش الإسرائيلي، هناك قرابة 12 مليون ملف، فقط 50 ألف ملف منها مفتوحة للمراجعة، بصورة جزئية أو كاملة. أمّا أرشيف الدولة - وهو أصغر بكثير من أرشيف الجيش - فالوضع أفضل قليلاً: نحو 16% من الملفات يمكن مراجعته، ومع ذلك، هناك في الأرشيفين معاً أقل من 6% من الملفات مفتوحة أمام المراجعة، بينما أرشيفات مهمة أُخرى، مثل أرشيف الشاباك، مغلقة بالكامل.
  • هل هناك مَن يعتقد أنه من الممكن كتابة تاريخ شامل لإسرائيل من دون أرشيف الأجهزة الأمنية والتجسُّسية؟ هل من الممكن كتابة تاريخ الجيش الإسرائيلي كما يجب عندما يكون جزء بسيط من الأرشيف مفتوحاً فقط؟ هل من الممكن توثيق عمل الحكومات عندما تكون محاضر الجلسات غير مفتوحة، على الرغم من أن القانون ينص على ذلك؟
  • لقد كشف معهد "عكفوت" ووثّق في الأعوام الأخيرة عدة أساليب للإخفاء – الامتناع من كشف الأرشيف هو أحدها. إلى ذلك، يمكن أن نضيف أعمال "المسؤول عن الأمن في المؤسسة الأمنية" في الأعوام العشرين الأخيرة. يحتفظ مسؤولو المؤسسة الأمنية بأرشيفات خاصة من وراء ظهر الجمهور، ويأمرون الطواقم بإغلاق مواد يجب أن تكون مفتوحة. من المهم التشديد على أن هذا الأمر يجري من دون صلاحيات. في مقالي في ملحق "هآرتس" اقتبست من وثيقة أمرَ المسؤول عن الأمن في المؤسسة الأمنية بحجبها. بعض هذه المواد له علاقة بالأحداث التي حدثت في حرب 1948، وفي أيام الحكم العسكري (1948-1966)، ولا تشمل أي أسرار أمنية. هل نريد أن نعيش في مجتمع تتدخل المؤسسة الأمنية في كتابة تاريخه؟
  • نقطة أُخرى في سياسة الإخفاء، هي المعايير الفضفاضة التي، بالاستناد إليها، يُكشَف عن وثائق تاريخية عندما يقررون القيام بذلك. هذه المعايير غير واضحة بما فيه الكفاية، وتتغير بمرور الأعوام – بينها وثيقة تتحدث عن موضوعات تُعتبر "ذات حساسية أمنية وسياسية وشخصية". تتحدث الوثيقة عن أنواع الوثائق التاريخية التي لا يمكن الكشف عنها، بدءاً من "السلوك العنيف ضد السكان العرب"، وصولاً إلى "طرد العرب"، أو "وضع سياسة ضد منع العرب من العودة إلى البلد". إذا كان الأرشيف يمنع الاطّلاع على هذه الوثائق، فماذا نقول عن كتب التاريخ لدينا؟
  • لا تنحصر سياسة الإخفاء في علاقة الدولة بمواطنيها الفلسطينيين، وعلى جرائم الحرب التي حدثت. في هذه الوثائق التي اعتُبرت "حساسة"، والكشف عنها "يمكن أن يثير جدلاً سياسياً عاماً"، هناك مثلاً "مواد لم تُنشر عن تنظيمي إتسل وليحي"، وعن "مطاردة منشقّين وشيوعيين في وحدات حساسة"، وحتى "موضوعات دينية ". وثائق كثيرة تتعلق بمسائل، مثل العلاقة بالمهاجرين والتمييز المنهجي حيال بعض المجموعات في المجتمع، لا تزال مغلقة في الأرشيف...
  • حصيلة سياسة الإخفاء هي الحد، عملياً، من القدرة على إجراء بحث تاريخي، وتقليص الحديث العام والسياسي والأكاديمي، ووضع سردية واحدة وجزئية على حساب التعرّف إلى الماضي. عملياً، الأرشيفات المركزية في الدولة مغلقة بحكم الواقع أو القانون - ويحرص حراسها على عدم القيام بأي عمل توثيقي نوعي يقدم رواية أُخرى غير "التأريخ الرسمي" الذي نشأنا عليه...
  • سياسة الإخفاء ليست مسألة يمين أو يسار، يهود أو عرب، ليبراليين أو محافظين، أشكيناز أو شرقيين - بل قضية مطروحة في قلب الديمقراطية الإسرائيلية. يجب مناقشة الماضي، لكن من أجل ذلك، نحن بحاجة إلى توثيق من نوعية جيدة. في هذه الأثناء، الدولة مثل الأب الصالح الذي يروي لأولاده قصة تساعدهم على النوم ولا تثير لديهم أسئلة كثيرة.