مَن سيرث أبو مازن لن يكتفي بالتهديد بالدولة الواحدة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • المُحاضر في الدروس التمهيدية في مادة إدارة المفاوضات يشرح لماذا يجب عدم التسرع في إطلاق التهديدات حيال الطرف الثاني: لأن التهديد إذا لم يحقق هدفه، فسيكون عليك أنت تحقيقه، وإلّا فإنك ستبدو ضعيفاً وتنهار صدقيتك. خلال 16 عاماً من الحكم، يبدو أن أبو مازن لم يحضر هذه الدروس.
  • استمعت إليه في مناسبات غير قليلة يشرح الخطوة المعقدة التي سيتخذها في مواجهة رفض إسرائيل المضي قدماً في حل الدولتين. واعتاد أن يضع سلّماً تصاعدياً للخطوات التي سيتخذها، خطوة وراء خطوة: التوجه إلى المؤسسات الدولية، وقف التعاون الأمني، سحب الاعتراف بإسرائيل، وتفكيك السلطة الفلسطينية.
  • وكان يصف ذروة الخطوة بحماسة: سيذهب إلى مقر رئيس الحكومة في القدس ويعطيه مفاتيح السلطة، ويعلن أن "السلطة لم تعد موجودة. كان يجب أن تكون إجراءً موقتاً على طريق حل الدولتين، لكن إسرائيل أثبتت أنها لا تريد السلام، بل تنوي الاستمرار في نهب المزيد من الأراضي لمصلحة المستوطنين. من الآن فصاعداً، سيد نتنياهو، المسؤولية تقع على عاتق سلطة الاحتلال وعلى إسرائيل. هذا ما ينص عليه القانون الدولي، اهتموا أنتم بالمجرمين، وبالصرف الصحي".
  • وماذا سيحدث بعد ذلك؟ يتحدث أبو مازن عن عدة سيناريوهات، وفي خطابه الأخير في الأمم المتحدة طرح إمكانيتين: الأولى - مطالبة المجتمع الدولي بفرض تسوية، بالاستناد إلى قرار التقسيم 1947. والثانية - المطالبة بالحقوق السياسية الكاملة والمتساوية للفلسطينيين، ضمن إطار دولة واحدة تمتد من البحر إلى النهر. وبينما الإمكانية الأولى تُعتبر وهماً آخر في سجل تهديدات أبو مازن، فإن الإمكانية الثانية واقعية وتشكل خطراً على وجود إسرائيل كدولة يهودية.
  • اعتادت إسرائيل تجاهُل تهديدات أبو مازن المستمرة... لكن التهديد بالحقوق المتساوية للفلسطينيين في دولة واحدة هو تهديد حقيقي، لأن جدية التهديد ليست مرتبطة هذه المرة بإصرار أبو مازن على تحقيقه. فالتأييد الشعبي لفكرة الدولة الواحدة ينمو ويزداد وسط الجمهور الفلسطيني الذي بدأ يقتنع، بالتدريج، بأن ليس لديه مخرج عملي آخر.
  • يُظهر استطلاع جرى مؤخراً، برعاية صندوق فريدريش إيبرت، (في تشرين الأول/أكتوبر 2021) أن تأييد حل الدولة الواحدة يرتفع وسط الجمهور الفلسطيني. وبلغت نسبة مؤيدي هذا الحل بين سكان الضفة الغربية 30.2%، وهي أكبر من نسبة مؤيدي حل الدولتين 23.6%. وهذه الأرقام تتطابق مع الاتجاهات التي تبرز منذ وقت طويل في الاستطلاعات التي يجريها د. خليل الشقاقي، والتي تدل على أن تأييد حل الدولة الواحدة يلاقي شعبية بصورة خاصة وسط أبناء الجيل الشاب.
  • من الممكن أن نفهم ما يشعر به أبو مازن. فالرجل ربط مصيره بالسلام وحل الدولتين. وهو يعارض العنف والنضال المسلح، وأعلن، بشجاعة، أن معنى التسوية، بالنسبة إليه شخصياً، هو عدم العودة إلى مسقط رأسه حيفا [في الواقع صفد].
  • بعد أعوام طويلة من مشاركتي في العملية السياسية ومعرفة اللاعبين الأساسيين الذين كان لهم دور في جزء منها، أنا مقتنع بأن إسرائيل ضيعت فرصة التعامل مع أبو مازن كشريك فلسطيني يمكن التوصل معه إلى اتفاق تاريخي. والكلام الذي قاله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لباراك رابيد مذهل في مباشرته. فقد قال إنه اتضح له أن نتنياهو ليس مهتماً بالسلام، وهو يعتقد أنه مع أبو مازن، تحديداً، كان يمكن التوصل إلى تسوية تاريخية. من الصعب عليَّ قليلاً القول إن ترامب كان "على حق"، لكن هذه المرة هذه هي الحقيقة.
  • الواقع المرير الذي لم يجد أبو مازن في إطاره شريكاً إسرائيلياً حقيقياً في صيغة حل الدولتين، لم يتغير فعلاً بعد انتهاء ولاية نتنياهو. في سياستنا العبثية، شرط وجود حكومة بينت - لبيد هو رفض اليد الفلسطينية الممدودة.
  • مرحلة حكم أبو مازن توشك على الانتهاء. وهو سيترك منصبه كشخص يشعر بالمرارة، راهن عبثاً على التزام إسرائيل بتسوية تاريخية. شعوره بالإحباط الشديد جعله يوزع التهديدات جزافاً، لكن جملة واحدة برزت في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لم تكن تهديداً عبثياً، ومن شأنها أن تثير قلقنا جميعاً: "في حال مواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي تكريس واقع الدولة العنصرية الواحدة، كما يجري اليوم، فإن شعبنا الفلسطيني والعالم بأسره لن يقبل ذلك. وستفرض المعطيات والوقائع على الأرض الحقوق السياسية الكاملة والمتساوية للجميع على أرض فلسطين التاريخية في دولة واحدة".
  • لا تقترح حكومة إسرائيل أي بديل لمنع سيناريو الدولة الثنائية القومية. لقد أصبحت إمكانية تقسيم البلد بين شعبين مستحيلة، وفي المقابل، يزداد الخطر على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل. ومع مرور الوقت، أيضاً أصدقاء إسرائيل وأشد المؤمنين بها لن يقبلوا واقعاً، يكون فيه ثمن المحافظة على "إسرائيل اليهودية" دماراً لـ"إسرائيل الديمقراطية".
  • وكما انهار نظام الأبرتهايد في أفريقيا الجنوبية تحت الضغط الدولي، أيضاً ستضطر إسرائيل إلى منح الحقوق السياسية الكاملة لكل مَن يعيش تحت سلطتها. من دون مبادرة سلام تسعى لتقسيم البلد إلى دولتين، نحن نترك مستقبل إسرائيل رهن القرار الفلسطيني. التغيُّر في مطالبهم، من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة، هو في يدهم. أبو مازن اكتفى بالتهديد ويمكن الافتراض أن الذين سيأتون بعده سيتوجهون نحو الأفعال.