استئناف المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي - فرص النجاح ضئيلة
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- من المفترض أن تُستأنف المحادثات للعودة إلى الاتفاق النووي في ڤيينا في 29 تشرين الثاني/نوفمبر بعد توقُّف استمر خمسة أشهر، وبعد مرور أربعة أشهر على تولّي إبراهيم رئيسي منصب رئيس الجمهورية في إيران. تشدد مصادر أوروبية على أنه، حتى بعد جولة محادثات مع الرئيس الجديد لطاقم المفاوضين الإيرانيين علي باقري، ليس واضحاً بالنسبة إليهم موقف القيادة الإيرانية الجديدة، سواء فيما يتعلق بسير المحادثات؛ هل ستُستأنف من النقطة التي توقفت عندها، أم ستطالب إيران بإعادة طرح قضايا نوقشت واتُّفق عليها؛ أو فيما يتعلق برغبتها في العودة إلى الاتفاق. الإيرانيون، من جهتهم، يصرّحون بأنهم مهتمون بالعودة إلى الاتفاق، لكن بحسب التسريبات إلى وسائل الإعلام، يبدو أن إيران ستركز في الجولة المقبلة على مسألة الرفع الكامل للعقوبات عنها - بما فيها تلك التي فرضتها في الماضي إدارتا أوباما وترامب، والتي لا علاقة لها بالمسألة النووية مباشرة، من دون التطرق بتاتاً إلى موضوع البرنامج النووي. بالإضافة إلى ذلك، تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن مطالبة إيران التأكد من رفع العقوبات عنها قبل الطلب منها القيام بخطوات تعيد تقدُّمها في برنامجها النووي إلى الوراء، كما ستطالب بتعهدات من الإدارة الأميركية بأن الولايات المتحدة لن تنسحب مجدداً من الاتفاق.
- في المقابل، عشية المحادثات وقبل اجتماع مجلس المحافظين (24-26 تشرين الثاني/نوفمبر)، نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرين؛ تقرير حالي يفصّل انتهاكات إيران للاتفاق النووي، ويشدد على الاستمرار في تكديس مواد مخصّبة على درجة عالية، واستمرار منع الرقابة والتدقيق بالصور التي جُمعت؛ وتقرير يفصّل القضايا الخلافية مع إيران بشأن ما يُعتبر انتهاكاً لقانون منع انتشار الأسلحة النووية NPT، ويشمل ذلك عدم تقديم توضيحات تتعلق بمواد وأنشطة كُشف عنها في أربع منشآت لم تعلم الوكالة بها.
- على هذه الخلفية، دُعي الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي إلى محادثات مع القيادة الإيرانية في محاولة للتوصل مجدداً إلى اتفاقات للتعاون الذي توقّف أغلبه منذ شباط/فبراير الماضي. حتى اليوم، معظم الاتفاقات التي توصل إليها غروسي مع الإيرانيين لم تُنفّذ، وساعدت، مرة تلو الأُخرى، في تأجيل صدور قرار إدانة عن مجلس المحافظين في الوكالة، والذي يمكن أن يشكل أساساً لتحويل الموضوع إلى مجلس الأمن ونسف إمكان استئناف المحادثات.
- تبذل الإدارة الأميركية جهداً دبلوماسياً مكثفاً قبيل استئناف المحادثات، وتسعى بقدر الممكن لإظهار موقف موحد بينها وبين شركائها في المفاوضات وبين أطراف في الشرق الأوسط. ضمن هذا الإطار، التقى الرئيس بايدن زعماء فرنسا وبريطانيا وألمانيا على هامش قمة الدول العشرين، هذه اللقاءات خُصصت بصورة استثنائية لمناقشة المسائل المتعلقة بإيران. كما طُرحت المسألة الإيرانية في المحادثات بين الرئيس بايدن والرئيس الصيني، وكذلك في المحادثات بين المدير الأميركي للمفاوضات روبرت مالي وبين جهات روسية. هذا النشاط الدبلوماسي المكثف دفع بشركاء واشنطن في الاتفاق النووي، وبينهم روسيا، إلى دعوة إيران إلى العودة إلى الاتفاق النووي، كما دفع بوزير الخارجية الألماني إلى دعوة إيران إلى مواصلة المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها. في هذا السياق، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إيران من الذهاب إلى المفاوضات مع "موقف مخيب للأمل". في المقابل، زار روبرت مالي إسرائيل والسعودية والإمارات. وفي السعودية عُقد اجتماع غير مسبوق في 18 تشرين الثاني/نوفمبر بين ممثلين للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وممثلين لدول الخليج ومصر والأردن. تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية تحرص على التعامل بحذر مع إيران، وفي أواسط تشرين الأول/ أكتوبر امتنعت من الرد العسكري على هجوم نفّذته الأخيرة ضد قاعدة أميركية في منطقة التنف في سورية.
- أيضاً، توظف إيران جهوداً دبلوماسية عشية البدء بالمحادثات: نائب وزير الخارجية الإيراني ورئيس وفد المحادثات في ڤيينا أجرى جولة محادثات في دول أوروبية؛ كما تبذل إيران جهداً خاصاً للتأكد من أن روسيا والصين ستؤيدان مواقفها. ومنذ أشهر يجري حوار بين إيران ودول الخليج، وفي الأيام المقبلة سيقوم شقيق ولي عهد الإمارات ومستشار الأمن القومي بزيارة إلى طهران هي الأولى من نوعها.
- لا تزال المصلحة الأميركية تكمن في التوصل إلى حل دبلوماسي يكبح تقدُّم إيران في برنامجها النووي. يأتي هذا بعد أن أدّت جهود طهران في مجال تخصيب اليورانيوم على درجة عالية إلى تقصير الجدول الزمني الذي وضعه الاتفاق النووي بصورة كبيرة - إبقاء إيران على مسافة عام من قرار إنتاج كميات كافية من المواد في منشأة نووية. وبحسب مجمل المواقف الصادرة عن الإيرانيين، لا يمكن التقدير ما إذا كان النظام قرر العودة إلى محادثات ڤيينا مع نية حقيقية لإجراء محادثات والتوصل في نهايتها إلى اتفاق يعيد الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، بحسب الاتفاق النووي العائد إلى سنة 2015، أم أن طهران قررت عدم العودة إلى الاتفاق الأصلي، وذهابها إلى ڤيينا هو استجابة للضغوط التي مورست عليها، وهدفها أن تثبت في نهايتها أن الولايات المتحدة هي المتهمة بفشل المحادثات (المتوقع سلفاً). في كل الأحوال، تذهب إيران إلى المحادثات مع شعور قوي بأنها نجحت في تحريك أدوات الضغط، وأن الزمن يعمل لمصلحتها. وبعكس الماضي، تذهب الولايات المتحدة إلى المحادثات بعد نجاحها في التوصل إلى تفاهم في الساحة الدولية ووسط دول الخليج على أن العودة إلى الاتفاق هي الحل الأفضل، وهي تُظهر نفاذ صبر واضح وتريد بشدة إزالة الموضوع الإيراني من جدول الأعمال كي تتفرغ لمعالجة مشكلات أكثر إلحاحاً بالنسبة إليها.
- في مثل هذه الظروف، السيناريو الأكثر معقولية في الأشهر القادمة هو عدم الحسم، مع المحافظة على الغطاء الدبلوماسي لمحادثات ڤيينا. فبعد جولة المحادثات المقبلة، وعندما يعرض الوفد الإيراني مطالبه القصوى ويقوض جزءاً من الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في جولات المحادثات السابقة، سيعود الأطراف إلى دولهم للتشاور، ومواصلة الاتصالات ستكون في سنة 2022. والتقدير أنه سيمر نصف سنة قبل أن يُقرَّر ما إذا كان هناك جدوى من استمرار المحادثات.
- يطغى على الإدارة الأميركية، وعلى شركاء آخرين في الحوار مع إيران، الفهم بأن فرص فشل المحادثات في الظروف الحالية أكبر بكثير من إمكان التوصل إلى تفاهمات للعودة الكاملة إلى الاتفاق النووي، كما تُطرح أفكار مختلفة ليس واضحاً احتمال تحقيقها للحؤول دون الحاجة إلى انتهاج خطوات يمكن أن تؤدي إلى تصعيد، ثمة شك في فائدتها. وذُكر، من بين أمور أُخرى، أن واشنطن تبحث مع إسرائيل فكرة اتفاق موقت (less for less) توقِف إيران، في إطاره، كل انتهاكاتها للاتفاق النووي (تخصيب اليورانيوم على درجة عالية، معالجة اليورانيوم المعدني، تخصيب في أجهزة طرد مركزية متطورة)، مقابل أن تسمح الولايات المتحدة بتصدير النفط الإيراني، وتحرير جزء من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج. في هذه المرحلة، إيران تعارض الفكرة علناً.
- يتعين على إسرائيل، في أثناء بلورة سياستها إزاء استئناف المحادثات النووية، أن تأخذ في حسابها المصلحة الأميركية في التوصل إلى حل، أو ملاءمة خط دول الخليج وفق موقف واشنطن، التي تدفع هي نفسها بحوار مع إيران. إصرار إسرائيل على الرفض المطلق للحلول الدبلوماسية سيضر بدورها في التحركات الدولية، وسيجعل من الصعب عليها إحباط اتخاذ خطوات تتعارض مع مصالحها. امتناع إسرائيل من الدخول في جدل علني مع الإدارة الأميركية يسمح لها بإجراء حوار استراتيجي تستطيع، في إطاره، تسوية حججها والتأثير في السياسة الأميركية. في الوقت عينه، تلويح إسرائيل بخيار عسكري في الظروف الحالية يؤكد هامشيتها في العملية الحالية، أي استئناف محادثات ڤيينا، ويُلحق الضرر بأهمية هذا الخيار وفعاليته، في ضوء الفهم أن هذا الخيار ليس هو الخيار العملي في الظروف الحالية، وهو بالتأكيد لا يحظى بدعم أميركي.