على إسرائيل إبراز التحسن الذي طرأ على وضع المواطنين العرب كي تدفع قدماً بسرديتها أمام العالم
تاريخ المقال
المصدر
- تزداد في العديد من جامعات الولايات المتحدة الأصوات التي تشهّر بإسرائيل باعتبارها دولة أبارتهايد. ويؤدي هذا التشهير إلى القيام بتحرشات ضد المزيد من الطلبة اليهود. ومع أنه بإمكان مديري الكليات اتخاذ إجراءات كفيلة بتقليص الاعتداءات، إلاّ إنه لا بد من القول إن تغيير السردية المتعلقة بمعاملة إسرائيل حيال مواطنيها العرب فقط يمكنه أن يُضعف هذا العداء.
- واضح أن وضع العرب مواطني إسرائيل تحسّن بصورة دراماتيكية في العقد الأخير، لكن المشكلة تظل ناجمة عن غياب التمثيل المستمر لهذا التحسن في وسائل الإعلام. إن وسائل إعلام مركزية - ولا سيما "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" - لا تنشر تقارير عن التغييرات الإيجابية، وعندما يتحدث عضو الكنيست أيمن عودة [رئيس القائمة المشتركة] في العالم لا يذكر إلا النواقص. كما أن الخطاب المناهض للعرب الذي ميز حملة انتخابات [رئيس الحكومة السابق] بنيامين نتنياهو أدى إلى تأجيج تبنّي وجهة النظر بشأن القمع الممارَس في القطاع العربي.
- تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو، وبخلاف رسائله، اتّبع عملياً سياسة صارمة من التمييز التصحيحي. ويمكن التقدير أن هذه السياسة نجمت لعدة أسباب: الأول، أن هناك صهيونيين تنقيحيين تقليديين، بينهم نفتالي بينت [رئيس الحكومة الحالية]، تطرقوا بجدية إلى الموقف الذي يعتقد أن على الصهيونية توفير فرصة مساوية للمواطنين العرب. الثاني، أنه كي تحقق إسرائيل غايتها كدولة هاي تك رائدة، عليها البحث عن المؤهلات في أوساط السكان العرب أيضاً. والثالث، أنه لدى مراعاة أن المواطنين العرب يمثلون نحو ربع سكان الدولة، فإن تكلفة الفقر لهذا القطاع من شأنها أن تُلقي عبئاً غير معقول على منظومة الرفاه الإسرائيلية عموماً.
- إن تحسُّن وضع السكان العرب واضح في كل مجالات الحياة: في فرص التشغيل، والبنى التحتية، وفي ارتفاع مستوى التعليم، ولا سيما في مجاليْ الهاي تك والطب. وهذا الميل الإيجابي بدا كما لو أنه "إشكالي" بالنسبة إلى القائمة العربية الموحدة (راعم). فمن جهة ساعد أعضاؤها على تحقيق العديد من هذه الإصلاحات في الكنيست، ومن جهة أُخرى لا يزال الحزب يضم عناصر آمنت بالتضامن مع الفلسطينيين. وأدى الأمر إلى خلافات داخلية، انسحبت راعم في إثرها من القائمة المشتركة. وأوضحت راعم أنها تركز على تحسين وضع عرب إسرائيل، بل إنها ستنضم إلى حكومة برئاسة الليكود كي تحقق هدفها. وعلى الرغم من التشهيرات الواضحة، فإن راعم حصلت على 75% من عدد الأصوات التي تلقتها القائمة المشتركة ودخلت إلى الكنيست وأصبحت جزءاً من الائتلاف. وعلى حد قول المدير العام للصندوق الجديد لإسرائيل دانييل سوكاتش "لأول مرة سيجلس حزب فلسطيني - إسرائيلي مستقل في الحكومة. ولن يكون المندوبون الفلسطينيون شركاء رمزيين فقط وإنما وسطاء ذوي قوة".
- حظيت راعم فوراً بالتزامات لتنفيذ سياستها، ولا يعدّ هذا تنازلاً لحزب عربي بل جزء من سياسة استراتيجية ترمي إلى "تقليص الصراع"، والتي أعلنها لأول مرة في برنامج حزب "أمل جديد" [برئاسة جدعون ساعر]، والذي ورد فيه أنه "يمكن تنفيذ خطوات سياسية لـ’تقليص’ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وذلك من دون المساومة على الأمن. وهذه هي الخطوات التي تخدم المصلحة الإسرائيلية، سواء في المستوى الأمني أم في المستوى الجماهيري: تحسين شروط معابر الحدود للعمال بوسائل تكنولوجية جديدة، وتحسين منظومة التشغيل الفلسطينية في إسرائيل، وترتيب اقتصاد الكهرباء والطاقة، وتنجيع الاستيراد والتصدير الفلسطيني وغير ذلك".
- ولم تجد الحكومة الجديدة أي صعوبة في تبنّي هذه المبادئ، إذ إن رئيس الحكومة بينت وقف منذ زمن بعيد في جبهة الصراع من أجل تحسين وضع التعليم والتشغيل في القطاع العربي. وثمة بعض القوميين الفلسطينيين الذين يؤمنون الآن بأن الحكومة الجديدة مصممة وملتزمة بتنفيذ سياسة ترمي إلى تحسين حياة الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية. غير أن محاولة حلّ النزاع في حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية تُعتبر مثالاً حياً لوجود حالات تبيّن إصرار الفلسطينيين على الرفض. فقد وافقت عائلات فلسطينية على التسوية، لكنها سرعان ما تراجعت في إثر ضغط شديد من حركة "حماس" ومنظمات متطرفة أُخرى، وفي هذه الحالة على الأقل فشل مفهوم "تقليص الصراع".
- إجمالاً، يمكن القول إنه على الرغم من استمرار عدم المساواة فإن علينا إبراز التحسن الذي طرأ على وضع المواطنين العرب في إسرائيل، باعتباره جزءاً جوهرياً من ردات فعلنا.