لماذا تجاهل بينت في خطابه أمام الجمعية العامة نزاعنا مع الفلسطينيين الذي يصمّم ويحسم مصيرنا كدولة وكشعب؟
تاريخ المقال
المصدر
- على جدار مدخل غرفة عملي في مقر صحيفة "يديعوت أحرونوت" عُلّق لأعوام طويلة خطاب مؤطر لرئيس حكومة إسرائيلية ألقيَ في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا ما قاله رئيس حكومتي في خطابه في أيلول/سبتمبر 2005، وأحياناً بصوت مختنق ومنفعل: "أنا الذي قادني مسار حياتي لأن أكون مقاتلاً وقائداً ومفكراً في كل الحروب، أمدّ يدي اليوم إلى جيراننا الفلسطينيين في نداء للمصالحة وللحل الوسط في سبيل وضع حد للنزاع الدموي والصعود معاً إلى المسار المؤدي إلى السلام وإلى التفاهم بين شعبينا. أرى في ذلك رسالتي ومهمتي الأساس في الأعوام المقبلة". وأضاف رئيس الحكومة نفسه، وهو أريئيل شارون، الزعيم العملي والأيديولوجي الصلب لليمين السياسي، مخاطباً زعماء العالم: "إن أرض إسرائيل عزيزة عليّ، وعزيزة علينا نحن اليهود، أكثر من أي شيء آخر. والتنازل عن أي جزء من أرض آبائنا وأجدادنا يمزق القلب وصعب مثل شقّ البحر الأحمر. لكن حق الشعب اليهودي على أرض إسرائيل لا يعني تجاهُل حق الآخرين في البلد. فالفلسطينيون سيكونون جيراننا إلى الأبد. إننا نحترمهم ولا نتطلع إلى أن نحكمهم. هم أيضاً يستحقون الحرية والوجود الوطني السيادي في دولة خاصة بهم". وأنهى خطابه بالقول: "ليت الرب تعالى يحسم في هذه السنة مصيرنا ومصير جيراننا نحو السلام والاحترام المتبادل والجيرة الطيبة".
- لم ينجح أريئيل شارون في تحقيق مهمة حياته كما عرّفها في ذاك الخطاب، وهي السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. فقد تعرّض لنوبة دماغية كبيرة بعد أشهر من ذلك ولم ينهض منها. وأقواله تلك يتذكرها التاريخ وعدد غير قليل من أبناء جيلي، بينما نسي الآخرون ويحاولون أن يجعلوننا ننسى، والدليل على ما أقول هو ما قدمه رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينت في إطار خطابه الذي ألقاه هذا الأسبوع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالكلمة المحظورة "فلسطينيون" لم تخرج من فمه، وتعبير "السلام مع الجيران الفلسطينيين" لم يخرج كذلك، فما بالك بـ"دولة خاصة بهم"؟
- حتى [رئيس الحكومة السابق] بنيامين نتنياهو، الخبير في خطابات الاستفزاز المسرحية، رأى أن من الواجب السياسي الوطني أن يعلن في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2016: "أعرف أن كثيرين منكم رفعوا أيديهم، لكنني أريد أن تعرفوا أنني لم أرفع يدي ولا أزال مؤمناً بحل الدولتين للشعبين". ولاحقاً دعا نتنياهو، الذي كان رئيس الحكومة في ذلك الوقت، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى أن يخطب في الكنيست، ووعد في المقابل بأن يخطب أمام المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله. لكن بينت لم يفعل شيئاً من هذا كله. فقد تجاوز النزاع الدموي الذي يصمم ويحسم مصيرنا كدولة وكشعب كما لو أنه مجرد بقعة ماء ضحلة ومهملة لا تبلّل هوامش عباءته السياسية، بينما بالغ في الثناء على الحياة الإسرائيلية الطبيعية. فأي حياة طبيعية في حكم ما لا يقل عن 2.5 مليون أبناء شعب آخر يرون فينا جيش احتلال؟
- في المقابل استطرد بينت في سياق خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في التبجح بشأن حملة التطعيمات الإسرائيلية كما لو أن التطعيمات ضد فيروس كورونا هي اختراع عبقري للعلم الإسرائيلي، وهي ليست كذلك بتاتاً، فإسرائيل تشتريها بالمال الكامل من شركات إنتاج أميركية. نسي رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يشير في أقواله إلى الثقافة والفن الإسرائيليين اللذين يحظيان بتقدير دولي، وعرض بدلاً منهما وبفخر على جمهور سامعيه العالمي الابتكار الخاص (والنموذجي؟) لحكومته في التعايش العملي مع وباء كورونا عبر اقتصاد مفتوح إلى جانب إصابات واسعة. غير أن هذا الابتكار لا يحقق نجاحات كبيرة. فوكالة المعلومات الاقتصادية "بلومبرغ" تصنف كل شهر 53 دولة بحسب مدى نجاح حكوماتها في صد الوباء في ظل التسبب بالإضرار الأدنى للاقتصاد والمجتمع. وفي سلّم "بلومبرغ" لشهر أيلول/سبتمبر، والذي نُشر الآن، جاءت إسرائيل في المرتبة 41 على حدود الفئة العشرية الأخيرة، بانخفاض خمس مراتب أُخرى من شهر آب/أغسطس الفائت. وفي الإجمال انخفضت 36 مرتبة من حزيران/يونيو هذه السنة حين كنا في المرتبة الخامسة. إن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تُعتبر نموذجاً في العالم للنجاح في مكافحة فيروس كورونا، بل يُنظر إليها كنموذج فشل، ونأمل بأن يكون فشلاً عابراً.
- لن أؤطر خطاب رئيس الحكومة نفتالي بينت في الأمم المتحدة ولن أحتفظ به. فبعد سماعي الخطاب شعرت، كإسرائيلي، بأمواج من الحرج إلى درجة الخجل تضرب بي، وأرغب في نسيانه بأسرع وقت ممكن.
الكلمات المفتاحية