في هذه المقابلة الخاصة التي أجريتها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت عشية يوم الغفران، أكد أنه ليس نادماً على إقامة الحكومة الحالية، وأنه مصرّ على تحقيق وقف نار الصواريخ والبالونات الحارقة من قطاع غزة، وأنه يعارض الدولة الفلسطينية ويعتقد أن إقامة دولة فلسطينية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] كارثة، وهو أمر سيجلب الصواريخ والأنفاق إلى كفار سابا وتل أبيب [وسط إسرائيل].
(*) هناك الكثير من الغضب والنقد حيال الحكومة الحالية، فهل تشعر بواجب الاعتذار وطلب المغفرة عشية "يوم الغفران".
بينت: لا شك في أن عدداً غير قليل من الناس، ولا سيما من الجانب الأكثر يمينية في الخريطة، خاب أملهم بشكل إقامة الحكومة وبتشكيلة الحكومة. آمل وأتوقع وأطلب أن يأتوا مع رأس مفتوح وأن يحاكموني وحكومتي وفقاً لأعمالنا فعلاً. لقد قطعنا شوطاً طويلاً. في هذا الوقت بالذات السنة الماضية كان هناك إغلاق. إننا نكافح كي لا يكون هناك إغلاق، وفعلاً لا يوجد إغلاق. مرّرنا الميزانية العامة بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من دون ميزانية. أقمنا حكومة مستقرة. وبالأمس عدت من مصر بينما كان علم إسرائيل منصوباً بصورة رسمية هناك. إننا نصلح الكثير من الأمور وثمة اتجاه جيد لدولة إسرائيل. كان البديل من هذه الحكومة الذهاب إلى انتخابات خامسة، ولو حدث ذلك لكنّا الآن على مسافة أسبوعين من الانتخابات، وفي غمرة فوضى رهيبة وإغلاق وكراهية. أشعر بأننا أنقذنا الدولة. قلت لعائلتي إن الكثير من الناس سيغضبون عليّ وهم غاضبون فعلاً، لكنني راضٍ عن القرار.
(*) وضع ناخبوك بطاقاتهم في صندوق الاقتراع لشخص تعهد ألا يجلس مع راعم [القائمة العربية الموحدة]. هل تشعر بالندم؟
بينت: ثمة أناس نزيهون مستعدون يوماً بعد يوم لإعطاء فرصة، ويرون أن شيئاً ما هنا أفضل مما اعتقدوا. بهدوء تام، نحقق إنجازاً تلو آخر: ميزانية استثنائية، وإعادة بناء العلاقات مع الأردن ومصر. وبمرور الزمن، يفهم الكثير من الناس أنه ليس صحيحاً الجلوس جانباً للانتقاد، بل من الأفضل التقدم نحو مثل هذه الخطوة.
(*) إذا ما نظرنا إلى الأيام المئة الأخيرة، هناك إصابات كورونا مرتفعة، وتأجيل لإخلاء الخان الأحمر، وإطلاق نار مستمر على سديروت [جنوب إسرائيل]. فبمَ تختلفون عن الحكومة السابقة؟
بينت: إن سياسة الإغلاقات كانت تخيم على الاستراتيجيا السابقة، أما استراتيجيتنا فهي دولة مفتوحة إلى جانب كورونا، مع كثير من الأعمال لقمع الوباء. استراتيجيتنا أصعب بكثير. أنا أختار أن أدير هذا بصورة شخصية، وفي كل صباح أعقد جلسة لفحص الوضع ونتخذ القرارات وننفّذها. لا نعرف ما يحمله المستقبل، لكننا سنواصل العمل.
(*) ما هي البشرى التي تحملها فيما يتعلق بقطاع غزة؟ ماذا تقول لسكان [بلدة] سديروت التي سبق أن أعلنت أن "حكمها كحكم تل أبيب"؟
بينت: هذا الحكم ساري المفعول بالفعل. وقد خرجت إسرائيل إلى عملية "حارس الأسوار" قبل أربعة أشهر. أطلقت "حماس" في ذلك الوقت الصواريخ على القدس وتل أبيب، ووصلنا إلى الوضع ذاته تماماً. لم يتغير شيء. بالعكس، السنوار يرى نفسه درع القدس. "حماس" منظمة نقشت على رايتها جهاداً لا يتوقف ضد إسرائيل. عليّ النظر إلى مصلحتنا والتوصل إلى ما يلي: وقف تام لنار الصواريخ وإطلاق البالونات كما حدث في منطقة الحدود مع لبنان في الأعوام الأخيرة، وتخفيف التعزيزات العسكرية. وقد أخذ وزير الدفاع على عاتقه مهمة تحقيق التسوية والتهدئة. وإذا نجح فهذا سيكون ممتازاً. أنا غير متسرع للمواجهة. لكن لا بد من القول إننا في الماضي لم نرد على الصواريخ، أما الآن فنهاجم غزة ونؤلمها ولو بسبب بالون واحد. لا نحتوي أي شيء ومسؤوليتي الرئيسية هي عن السكان ونحن مدينون وملزمون بجلب الأمن.
(*) لأول مرة تقام حكومة في إسرائيل تستند إلى تأييد حزب يبدو أنه لن يؤيد أي حملة عسكرية [راعم] وتشكيلتها تقيد قدرة الرد لدى الحكومة، فكيف ترى ذلك؟
بينت: ليس صحيحاً قطعاً. إن أي قرار أمني لن يُتخذ إلاّ على أساس اعتبارات أمنية. لن ندخل السياسة عندما يكون الاعتبار أمنياً. سنفعل ما ينبغي، ونرى بعد ذلك ما يتعلق بالجوانب السياسية.
(*) هل تحدثت مع [عضو الكنيست] منصور عباس [راعم] عن التعقيدات التي قد تكون في العلاقات الأمنية؟
بينت: إن كل ما يركز عليه منصور عباس مدني – اقتصادي، وأعتقد أنه اتخذ خطوة مؤثرة جداً جديدة وشجاعة في أن يقود خطاً آخر ليس قومياً متطرفاً. بيننا قاسم مشترك جدّ كبير. أنظر إلى ما يعانيه النقب جرّاء الإهمال. الكل يتضرر، السكان البدو وعموم الجمهور الإسرائيلي أيضاً. لكن الفكرة مختلفة في حكومتي، إذ إننا لن نخفي المشكلات تحت البساط بل سنعالجها، سواء ما تعلق بأسعار السكن أو تجاه غزة أو إيران.
(*) سبق لك أن وصفت عباس وراعم بأنهما من "مؤيدي الإرهاب". ما الذي تغير؟
بينت: إن سلفي في المنصب [رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو] هو من شق هذا الطريق، وأقام علاقات مع منصور عباس من تحت الطاولة. عندما أفعل شيئاً لا أخجل منه. التقيته ورأيت أنه بحق يريد مساعدة المواطنين وكان البديل حينذاك انتخابات خامسة. بالإجمال، لدينا حكومة متنوعة، والمفاجأة أنها نجحت. والجديد وجود جيل جديد من القيادة الجماعية وليس القيادة الفردية، قيادة مشتركة مع نية طيبة ليس فقط داخل الدولة، بل في مقابل الولايات المتحدة أيضاً، وكذلك في مقابل الأردن ومصر. لا أقول إنه لا توجد خلافات، لكننا نتجادل مثل البشر.
(*) عندما تدخل إلى الغرفة لأول مرة مع رئيس الولايات المتحدة في البيت الأبيض ومع الرئيس المصري في شرم الشيخ وكلاهما يقولان لك إنهما يؤيدان حل الدولتين، وأنت لستَ مؤيداً لهذا الحل، كيف تجسر الهوة؟
بينت: في هذا الشأن أجتهد أيضاً للتصرّف على نحو سليم مع شركائي في الحكومة، بني غانتس ويائير لبيد، وبالتأكيد مع رجال اليسار. أنا أعارض الدولة الفلسطينية وأعتقد أن إقامة دولة فلسطينية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] كارثة، وهو أمر سيجلب الصواريخ والأنفاق إلى كفار سابا وتل أبيب [وسط إسرائيل]. ثمة خلاف، وهذا حسن. أقول الأمور كما هي، بما في ذلك للرئيس الأميركي، ويُستقبل هذا بشكل جيد عندما يكون صادقاً. مثلاً إسرائيل تكاد تكون في قطيعة مطلقة مع الأردن في الأعوام الأخيرة لأسباب سياسية تافهة ودفعت إسرائيل ثمناً باهظاً تمثّل في فقدانها نهرايم وتسوفر [الغمر والباقورة] بسبب إفساد العلاقات. أنا قررت أن أجلس مع الملك الأردني وأن أصلح العلاقات، فهذه مصلحة إسرائيلية. وتم نصب علم إسرائيل [في اللقاء مع الرئيس المصري السيسي] وهذا ناجم عن إصرار على المصلحة الإسرائيلية.
(*) تقول إنه لن يكون هناك عملية سياسية ولا ضم. ومن جهة أُخرى، يلتقي وزير الدفاع [بني غانتس] رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لأول مرة، ويطلق وزير الخارجية [يائير لبيد] خطة سياسية. هل ثمة عملية سياسية؟
بينت: ما يحدث هو تقدّم في المجالين التجاري والاقتصادي. الكل يعي أنه لا توجد عملية سياسية نحو دولة فلسطينية. هذا غير ذي صلة على الإطلاق. ولا يعني هذا أنه لا يجب عمل شيء، بل على العكس، فثمة مجال يمكن التقدم فيه وتقليص حجم النزاع والاحتكاك. مفهومي هو تجاري واقتصادي. لماذا يضطر عامل من نابلس إلى النهوض في الثالثة أو الرابعة فجراً كي يصل إلى عمله في تل أبيب في السابعة؟ ماذا أكسب من هذا؟ إذا وسعنا المعابر يمكن لهؤلاء العمال أن ينهضوا في السادسة صباحاً، وبذا نكون غيّرنا حياة مئة ألف فلسطيني. وهذا يغيّر الوضع أكثر من حفلات كوكتيل في شتى الدول.
(*) هل تدحض الادعاء القائل إن هذه الحكومة لن يطول عمرها؟
بينت: الحكومة قابلة للعيش مع شركاء طيبين. وسنصادق على الميزانية العامة قريباً، وقريباً سيعم الهدوء. إنني متفائل جداً حيال مستقبل الدولة. وأعتزم تنفيذ تعهُّد التناوب بالكامل. وبالنسبة إلى يائير لبيد، يجب القول إنه صديق عزيز وإنسان نزيه، ويقوم بعمل استثنائي كوزير خارجية.