الاستراتيجيا الإسرائيلية في مواجهة التهديد الإيراني الآخذ بالتعاظم باءت بالفشل
تاريخ المقال
المصدر
- عرض وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس في خطابه أمام مؤتمر "معهد السياسة ضد الإرهاب (ICT)" في جامعة رايخمان، صورة محدثة ومقلقة بشأن بُعد آخر للتهديد الاستراتيجي الإيراني ضدإسرائيل والدول العربية في الشرق الأوسط. ولا شك في أن هذا يثير من جهة تقديراً لقدرة الاستخبارات الإسرائيلية على عرض صورة بهذه الدقة، لكن في المقابل ينكشف مرة أُخرى أن الاستراتيجيا الإسرائيلية في مواجهة التهديد الإيراني الآخذ بالتعاظم باءت بالفشل.
- إن التهديد النووي الإيراني وارتباطه بأيديولوجيا متطرفة للنظام في طهران قد يشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل. فاستراتيجيا الولايات المتحدة بالانسحاب الأحادي من الاتفاق انطلاقاً من توقعات كسر النظام الإيراني من الداخل عن طريق العقوبات الحادة لم تنجح. أمّا اليوم، وبغياب إحساس التهديد العسكري أو الوجودي للنظام، يقود الزعيم الروحي خامنئي والرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي إيران نحو تحولها إلى دولة عتبة نووية. بمعنى أن إيران تخصب اليورانيوم بمستويات عسكرية، وهو عنصر حرج في السلاح النووي، وقد تستخدمه لأهداف، مثل استعراض القوة، أو تلقّي بطاقة دخول إلى نادي الدول النووية.
- تركز الولايات المتحدة، بحسب ما صرّح الرئيس جو بايدن، جهودها على منع تطوير سلاح نووي. قد تستنتج إيران من ذلك بأنها كدولة عتبة نووية لا ينتظرها أي رد عسكري. وإذا ما فُرضت عليها عقوبات يمكنها أن تعول على قوى عظمى، مثل الصين وروسيا. وإذا ما وصلت إيران إلى الاستنتاج بأن لا معنى لتطوير سلاح نووي حقيقي لأن الأمر سيؤدي إلى صدام مباشر مع الولايات المتحدة والغرب واكتفت بأن تصبح دولة عتبة نووية، فسيكون التحدي أمام إسرائيل خطِراً على نحو خاص، إذ إن دولاً عربية مختلفة، مثل السعودية التي أعلنت ذلك على الملأ غير مرة، من شأنها أن تنضم إلى السباق النووي. تعتمد إسرائيل على صورة وواقع كونها قوة عظمى استثنائية، وشرق أوسط نووي سوف يقزّم صورة قوتها ويُدخل عدم الاستقرار إلى المنطقة.
- إلى جانب ذلك، تصعّد إيران من خلال فروعها في لبنان وسورية واليمن، وكذا غزة، التهديد البالستي، وخصوصاً للبنية التحتية المدنية والاستراتيجية لإسرائيل. التهديد متنوع ويتضمن عشرات آلاف الصواريخ، وثمة سعي لإنتاج صواريخ ذات قدرة إصابة دقيقة، وطائرات من دون طيار مسلحة (مثلما كشف وزير الدفاع في المؤتمر) وغيرها. إضافة إلى ذلك، تمارس إيران سياسة عنيفة أساساً تجاه السعودية مركز ثقل الإسلام السني في الشرق الأوسط. ويمكن أن نجمل بأسف أن إسرائيل وإيران أمستا على مسار الصدام، عاجلاً أم آجلاً.
- ما الذي يمكن عمله؟ بالطبع يجب مواصلة المساعي الاستخباراتية النوعية المستخدمة تجاه إيران، لكن علىإسرائيل إعادة احتساب المسار من جديد، وأن تُعاظم قوتها بسرعة حيال التهديد الآخذ بالتشكل. لهذا الغرض، المطلوب تنسيق استراتيجي وثيق مع الولايات المتحدة. ومن تحليل أقوال الرئيس ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركيين، نفهم أن الطريق طويل لكي تشمر الولايات المتحدة عن ساعدها بصورة نشطة ضد إيران لكون سلّم أولوياتها الاستراتيجي مختلفاً (فيروس كورونا، الوضع الاقتصادي، الصين).
- وإلى جانب ما قيل أعلاه مطلوب بالطبع تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الدول العربية، مثل لقاء رئيس الحكومة نفتالي بينت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مصر، وهو لقاء علني ونادر واستثنائي وذو مغازٍ استراتيجية. صحيح أنه لا يمكن الاعتماد على مصر للتعاون العسكري، لكن العلاقات المتطورة تُعد رصيداً كبيراً جداً لإسرائيل، مثلما هو أيضاً للدول العربية التي تواصل الحفاظ على استقرارها، حتى وإن كان بثمن الامتناع عن الديمقراطية.
ختاماً، إيران تتعاظم كتهديد مركزي للأمن القومي لإسرائيل. وإنّ الرد المطلوب من حكومة إسرائيل الجديدة هو خليط من الأمور: بناء قوة سريعة إلى جانب إيجاد جبهة سياسية استراتيجية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية السنية. والآن تحديداً قبل يوم الغفران، المطلوب منّا القيام بحساب عسير للنفس وطرح السؤال: هل نحن جاهزون على نحو سليم لمواجهة التهديد الإيراني المتعاظم؟
الكلمات المفتاحية