من غير المنطقي عقد صفقات واتفاقيات مع القيادة الحالية في إيران
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • في بداية سنة 2006، وحيال المعطيات الخطرة التي كشفها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتجسدت، من بين ما تجسدت فيه، في التقارير الفصلية التي قدموها، قررت إيران استئناف تخصيب اليورانيوم في نتانز، وإن يكن بنسبة تقل عن 5 بالمئة، الملائمة فقط لإنتاج الوقود الذري المستخدَم في أفران إنتاج الكهرباء. خلال السنوات 2005- 2021، تصاعدت حدة التوتر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وخصوصاً في إثر الكشف عن منشأة تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في فوردو، والتي كانت قد أُعدّت في الأصل لتخصيب اليورانيوم لإنتاج السلاح الذري. وفي سنة 2009، اعترفت إيران بوجود هذه المنشأة، ثم بدأت في أواخر سنة 2011 بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 بالمئة، بادعاء أن اليورانيوم بدرجة التخصيب هذه ضروري لإنتاج وقود ذري لتشغيل مفاعل الأبحاث في طهران.
  • أجرت إسرائيل، بالتعاون مع دول الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، عمليات تجسس واسعة ومتشعبة للكشف عن الأنشطة النووية السرية التي تقوم بها إيران، ونقلت هذه المعلومات إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كان الهدف من ذلك ضمان المراقبة الدائمة من جانب مفتشي الوكالة في المنشآت النووية الإيرانية المخصصة، في الظاهر فقط، لأغراض مدنية وإطلاع الوكالة على المعلومات الدقيقة عن المنشآت الإيرانية التي جرى تشغيلها في نطاق المشروع النووي الإيراني العسكري، والتي لم يستطع مفتشو الوكالة الكشف عنها بأنفسهم. وقد ساهم في ذلك مساهمة كبيرة ومهمة في حصول أجهزة الاستخبارات الأميركية على حاسوب إيراني نقال مسروق احتوى على تفاصيل وافرة عن "مشروع آماد"، ومنها نُقلت إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أمّا المساهمة الاستخباراتية الأكثر أهمية فتمثلت في تهريب "أرشيف الذرة الإيراني" إلى إسرائيل في سنة 2018 بواسطة جهاز الموساد الإسرائيلي، إذ أشارت محتويات هذا الأرشيف إلى تحقيق إيران تقدماً كبيراً في الطريق نحو إنتاج سلاح نووي.
  • من سوء حظ النظام الإيراني، تكشفت رويداً رويداً جميع مركّبات مشروعه النووي، وهو ما اضطره إلى تقديم الإيضاحات للوكالة الدولية للطاقة الذرية. غير أن أجوبته كانت تقف، في الغالب، عند حدود المعقولية، بينما كان بعضها الآخر يفتقر تماماً إلى الحد الأدنى من المعقولية. هكذا، على سبيل المثال: خلال زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى نتانز في سنة 2003، ادعى الإيرانيون أن أجهزة الطرد المركزي التي كانت موجودة في المكان هي ثمرة تخطيط وتطوير ذاتيين، لكن تبين لاحقاً أن الإيرانيين امتلكوا المعرفة وجزءاً من المركّبات من باكستان. كما ادّعوا أن مفاعل المياه الثقيلة الذي أنشأوه كان مبنياً على تخطيط ذاتي، لكن اتضح فيما بعد أن معهد أبحاث روسياً هو الذي نفّذ التخطيط. وقد تخصصت السلطات الإيرانية بـ"حلْق" المنشآت التي كشفت عنها أجهزة الاستخبارات الغربية وعن كونها جزءاً من المشروع النووي العسكري الإيراني، قبل السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إليها. لكن، لسوء حظ الإيرانيين، حين زار مفتشو الوكالة الدولية ما تبقى من تلك المنشآت، نزعوا عينات من التربة التي بينت نتائج فحوصاتها في مختبرات الوكالة الدولية في النمسا أنها تحتوي على كميات صغيرة من جزيئات اليورانيوم، وهو ما دل على أن تلك المنشآت كانت مواقع لأنشطة نووية.
  • خلال السنوات 2005-2010، بدأت الاتصالات بين الاتحاد الأوروبي والدول العظمى الست (P5+1 - الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا)، من جهة، وبين إيران من جهة أُخرى، بغية التوصل إلى اتفاق يحول دون تمكّن إيران من تطوير السلاح النووي. وفي 14 تموز/يوليو 2015، جرى توقيع اتفاقية "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) بين الطرفين، والتي هدفت إلى تقييد ولجم المشروع النووي الإيراني بكل مركّباته المختلفة، طبقاً لجدول زمني محدد. وقد لعبت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما دوراً مركزياً في التوصل إلى هذا الاتفاق، بينما نُفّذت في المقابل، وفي موازاة ذلك، عمليات عديدة ضد المشروع النووي الإيراني بغية كبحه: في سنة 2010، عُطلت دودة الحاسوب المسماة Stuxnet أجهزة طرد مركزي عديدة في نتانز؛ اغتيال عدد كبير من علماء الذرة الإيرانيين، كان آخرهم محسن فخري زاده - "رأس البرنامج النووي الإيراني" - الذي قُتل في نهاية سنة 2020؛ ومؤخراً، نُفّذت عمليات تخريب في المنشآت الذرية العسكرية في نتانز وكرج. وقد نُسبت هذه العمليات جميعها إلى إسرائيل والولايات المتحدة، سوياً أو كل منهما على انفراد، لكن الدولتين تعتمدان سياسة الغموض في هذا الشأن.
  • عقب انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وبعد عملية "أرشيف الذرّة الإيراني"، قرر دونالد ترامب فرض عقوبات على إيران شهدت تشديداً وتصعيداً مستمرّين على امتداد فترته الرئاسية كلها. من جانبها، بدأت إيران تخرق اتفاقية JCPOA مرحلة تلو أُخرى، في إطار تحدّيها لترامب وإدارته، حتى أعلنت في بداية سنة 2020 أنها لم تعد ملتزمة بالاتفاقية، وأن قيود هذه الاتفاقية وتقييداتها غير ملزمة لها بعد اليوم. وفي سنة 2021 بدأت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة وبإنتاج اليورانيوم المعدني - وهذه تشكل مؤشرات واضحة تدل على جاهزية إيران لإنتاج سلاح نووي.
  • على الرغم من تطلُّع الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تشاركه هذا التطلّع، إلى التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن مشروعها النووي في أقرب وقت ممكن، إلاّ إن صورة الوضع الراهن يلفها الغموض الكثيف وتحمل بوادر أزمة جدية. فالخطوات الخطرة التي اتخذتها إيران مؤخراً هي بمثابة تفتيت تام تقريباً للاتفاق النووي وهي تدفعها أكثر فأكثر نحو مكانة دولة على عتبة امتلاك السلاح النووي، وخصوصاً في أعقاب انتخاب إبراهيم رئيسي، المحافظ المتشدد، رئيساً للجمهورية الإيرانية وعلى خلفية الفلتان الوحشي الذي تمارسه قوات الحرس الثوري الإيراني في الخليج الفارسي فتجعله منطقة خطرة جداً للملاحة البحرية.
  • أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن عجز إدارة بايدن حيال سيطرة حركة طالبان على أفغانستان يضع علامة سؤال كبيرة على أدائها في مقابل إيران الآن. وطبقاً للتقارير التي تُنشر في وسائل الإعلام، تستعد إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت ستعتمد هذا المسار فعلياً، ولا سيما إزاء حقيقة وجود حكومة إسرائيلية جديدة تطمح إلى تعزيز التنسيق مع إدارة بايدن.
  • في كل الأحوال، من المستهجَن جداً أن يتطلع بايدن ودول الاتحاد الأوروبي إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران. ذلك أن سلوك النظام الحاكم في إيران هو سلوك يسعى إلى إحكام سيطرته وقبضته على البيئة المحيطة به بالعنف ومن غير الممكن الوثوق بهذا النظام وبكلام قادته، وهو كلام كذب وخداع، تماماً. فهل من المنطقي عقد صفقات واتفاقيات مع نظام كهذا؟