فرار الأسرى يعرقل خطط إسرائيل والفلسطينيين ويهدد بإشعال الوضع على الأرض
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في الأسابيع الأخيرة كانت الجهود في غزة والضفة الغربية موجهة، في أغلبيتها، نحو محاولات محمومة من أجل تقديم أكبر قدر من التسهيلات للجمهور الفلسطيني، من خلال استغلال زخم أجواء الحوار السياسي في المنطقة. صحيح أن الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها "حماس"، هددت بالتصعيد - لكن كان من الواضح للجميع أن لا مصلحة لأي طرف في القتال. السفير القطري محمد العمادي تنقّل بين غزة ورام الله والقدس، والتقى ممثلين من كل الأطراف، ودفع قدماً بتسهيلات مهمة.
  • كان الرئيس الفلسطيني في خضم التحضير لخطابه السياسي في الأمم المتحدة ملخِّصاً شهراً ناجحاً بالنسبة إليه: الاجتماع بوزير الدفاع بني غانتس، وحوار مباشر مع حكومة إسرائيل، وتسهيلات مدنية واقتصادية، وحوار مفتوح مع الإدارة الأميركية في واشنطن وتوقُّع الاجتماع بالرئيس جو بايدن، وقمة ثلاثية في القاهرة مع الملك عبد الله والرئيس السيسي، وأيضاً توقعات في رام الله بحدوث تطورات عربية تؤدي إلى انعكاسات اقتصادية إيجابية على الفلسطينيين.
  • لكن فرار الأسرى الستة من سجن جلبواع خلط كل الأوراق. لم يكن هذا الاحتمال وارداً في أي حساب، ولا في أي سيناريو، وإطلاق سراح أسرى لم يكن وارداً أبداً في الوعي الفلسطيني. بالنسبة إلى الفلسطينيين، الإمكان الوحيد لإطلاق سراح أسرى نفّذوا  القسم الأكبر من عقوبتهم  هو من خلال صفقة تبادُل أسرى. لهذا السبب، أي تقرير يتحدث عن صفقة من هذا النوع يثير العائلات، وأيضاً الأسرى أنفسهم. لكن فرار الأسرى الستة من أكثر السجون حراسة هو حادث لم يؤخذ في الحسبان.
  • ليس مستغرَباً والحال هذه أن تثير أخبار فرار الأسرى اضطراباً أيضاً داخل المنظومة السياسية، ولدى الرأي العام والجمهور كله. قضية الأسرى حتى قبل عملية الفرار كانت في قلب الإجماع الفلسطيني، ولا تسمع آراء ضد الأسرى، وتحرص السلطة الفلسطينية على عدم المس بهم بأي طريقة. هذا هو سبب التأييد الشامل الذي حظيت به عملية الفرار من كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، من "فتح" حتى "حماس"، ومن الجهاد الإسلامي طبعاً وسائر الفصائل.
  • السردية الإسرائيلية التي تتحدث عن أسرى خطِرين أيديهم ملطخة بالدماء لا أهمية لها في الحديث الفلسطيني العام. على العكس يُعتبر هؤلاء الأسرى في الوعي الفلسطيني أبطالاً نجحوا في التغلب على إحدى أكثر المنظومات الأمنية تطوراً في العالم، واستطاعوا تحرير أنفسهم. ودُعيَ الفلسطينيون فوراً إلى تقديم الحماية والدعم لهم عند الحاجة، وعدم التعاون مع الذين يبحثون عنهم.
  • الرد الإسرائيلي داخل أسوار السجون أثبت مدى اتساع تداعيات الحدث، وأنه لا يقتصر فقط على فرار الستة. قرار توزيع الأسرى الأمنيين على عدة سجون تسرّب إلى الخارج خلال دقائق، وبسرعة أثار ردوداً كثيرة.
  • أعمال الشغب التي اندلعت في السجون والمواجهات والتوقيفات التي جرت في أنحاء الضفة يمكن أن تشكل علامة على الآتي. التنظيمات الفلسطينية دعت إلى "يوم غضب" في أنحاء الضفة، وإلى مسيرات نحو نقاط الاحتكاك بجنود الجيش الإسرائيلي. وتدل الأحداث التي جرت في أيار/مايو الماضي على أن المقصود تطورات ذات احتمال تفجيري كبير وقدرة على استنزاف المؤسسة الأمنية في إسرائيل. أيضاً التوقيت لا يساعد على تهدئة الأجواء: المقصود منتصف أيلول/سبتمبر، قبل وقت قصير من إحياء ذكرى الانتفاضة الثانية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، الأمر الذي يمكن أن يصب الزيت على النار.
  • لا تستطيع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية السماح لنفسها بالظهور كأنها تساعد إسرائيل في القبض على الأسرى الفارين. لكنها لا تستطيع أن تؤمن لهم مخبأً كما حدث في الانتفاضة الثانية.
  • أيضاً إذا لم تطلب إسرائيل مساعدة السلطة الفلسطينية، فإن القبض على الأسرى الفارين في مناطق السلطة يشكل تحدياً مهماً يمكن أن تكون له تداعيات صعبة، وإذا قُتل الأسرى خلال العمليات فإن التداعيات ستكون أخطر بكثير. يشاطر هذه المخاوف مسؤولون كبار في السلطة قالوا لصحيفة "هآرتس" إنهم يفضلون فرار الأسرى إلى دولة مجاورة أو إلى قطاع غزة كي لا يضطروا إلى مواجهة تداعيات القبض عليهم في الضفة.
  • في المقابل، التنظيمات في غزة لن تسمح لنفسها بالوقوف لا مبالية إزاء ما يحدث. فإذا كانت حوادث أيار/مايو أدت إلى إطلاق الصواريخ فإن الخطر موجود الآن عندما يكون المقصود الأسرى. هذا الأسبوع وضع زعماء وناطقون بلسان "حماس" والجهاد في غزة سقفاً عالياً: كل أذى يلحق بالأسرى سيؤدي إلى رد. لهذا السبب، إذا تجدد التصعيد فسيؤدي إلى دفن كل إنجازات السفير القطري في المنطقة. كما سيتبخر الحديث عن تبادُل الأسرى، فمن سيطلق سراح أسرى في هذا التوقيت؟ فرار الأسرى هو سيناريو معقد لم تكن القيادة الفلسطينية مستعدة له، وستحتاج الآن إلى التفكير في خطواتها بما يتلاءم مع التطورات في الأسابيع المقبلة.
  • لكن هذه الورطة ليست مشكلة القيادة الفلسطينية في رام الله وغزة، بل أيضاً هي مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل التي يتعين عليها الآن مواجهة الواقع الجديد. لجنة التحقيق والوصول إلى استخلاصات إزاء سلوك مصلحة السجون هما أمر داخلي، لكن الخطوات التي تُتخذ حيال الأسرى في السجون ستنعكس على الضفة الغربية والقطاع، وربما أيضاً على استقرار الائتلاف الحكومي في إسرائيل. معركة كبيرة في غزة أو تصعيد واسع في الضفة يمكنهما أن يؤثرا أيضاً في الجمهور العربي في إسرائيل. عملية البحث عن زكريا الزبيدي ورفاقه الخمسة في الزنزانة ليست عملية أمنية فقط، بل هي حدث سياسي سيدفع بينت وعباس والسنوار إلى التفكير جيداً في خطواتهم في هذا الإطار.

 

 

المزيد ضمن العدد 3633