ليس فقط الأفغان تُركوا وحدهم بل إسرائيل أيضاً
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كتب جورج بوش في كتاب مذكراته "قرارات مصيرية" الصادر في سنة 2010: "في أفغانستان المهمة الأكثر إلحاحاً كانت بناء أمة. حررنا البلد من ديكتاتورية بدائية، ولدينا واجب أخلاقي لأن نترك وراءنا شيئاً أفضل. لقد كان لدينا مصلحة استراتيجية في مساعدة الشعب الأفغاني على بناء مجتمع حر. أفغانستان ديمقراطية ستكون البديل الناجع عن رؤيا المتطرفين."
- فكرة بناء أمة التي عرضها بوش وتطلُّعه إلى تصدير الديمقراطية كاستراتيجيا أمنية اعتمدت على مبدأ تحدث عنه ناتان شارانسكي في كتابه مع رون درامر"ميزة الديمقراطية". بحسب الكتاب الذي حظي بمديح من بوش، يكون حل النزاعات في الشرق الأوسط من خلال نشر الديمقراطية في الدول المنخرطة فيها. في الشهر الماضي وقبل سيطرة طالبان ناقض جو بايدن رواية بوش ووجهة نظره عندما قال: "مهمتنا لم تكن قط بناء أمة." وبحسب كلامه، المهمة كانت القضاء على بن لادن وتقليص تهديد الإرهاب ضد الولايات المتحدة. وفي خطابه هذا الأسبوع إلى الأمة أوضح أن "هذين الهدفين تحققا بنجاح".
- وفعلاً اغتيل بن لادن في سنة 2011، لكن تقليص تهديد إرهاب طالبان بحاجة إلى دليل. ما لا يحتاج إلى دليل هو أن الولايات المتحدة لم تعد قوة احتلال في أفغانستان، وعلى ما يبدو ستنسحب قريباً من العراق، وبذلك يمكن أن ينتهي فصل الاحتلالات الحديثة في تاريخها. وستصبح إسرائيل من الآن فصاعداً الدولة الغربية الأخيرة التي لا تزال تتمسك بالاحتلال وتعطيه أهمية استراتيجية وأمنية – في محاولة لإخفاء خطتها الأيديولوجية التاريخية والدينية - المسيانية، من دون نجاح كبير.
- فجأة وبضربة واحدة قرر بايدن أنه من الممكن أن يكون للاحتلال أهداف ملموسة أمنية وعندما تتحقق يجب إنهاؤه. بناء أمة، أو نشر الديمقراطية، أو تحقيق رؤيا ساذجة، أو استغلال اقتصادي، كل هذا لا يدخل في تعريفه للاحتلال. وبذلك سحب بايدن البساط من تحت المبررات التي بنتها إسرائيل طوال أعوام عديدة من أجل استمرار الاحتلال.
- تبرز الآن أصداء الخطاب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو في الكونغرس في سنة 2011، والذي شرح فيه لمضيفيه أنه في "دولة إسرائيل لا حاجة إلى بناء أمة، فهي موجودة. ولا حاجة إلى تصدير الديمقراطية إلى إسرائيل، لأنها دولة ديمقراطية." أراد نتنياهو أن يقدم إلى سامعيه دولة مثالية لا تتطلب استثماراً واحتلالاً أميركياً مثل أفغانستان والعراق؛ منتج جاهز على الرف، حاضر من أجل خدمة الاستراتيجيا الأميركية. لكنه قال الحقيقة جزئياً. بعد مرور عشرة أعوام كانت كلها تحت حكمه، لا تزال إسرائيل منشغلة في بناء نفسها كأمة، وديمقراطيتها بحاجة إلى إعادة بناء. ومقارنة بالاحتلال الأميركي الموجه نحو هدف، بالنسبة إلى إسرائيل، الاحتلال هو أساس مركزي في بلورة المجتمع والثقافة - هو مكون ضروري لبناء الأمة اليهودية، ولتعميق الوعي في حق السيطرة على شعب آخر وتحقيق وعود إلهية. وهو الذي يُملي سياسة كولونيالية ويخلق ديمقراطية مشوهة.
- مع عقيدة كهذه لا تستطيع إسرائيل الانسحاب من المناطق. ليس لديها الرفاهية التي لدى الأميركيين. من هنا الخوف من الانسحاب الأميركي، وخصوصاً من كلام بايدن الذي يقول فيه أنه "من حق ومسؤولية الشعب الأفغاني وحده أن يقرر كيف يريد إدارة بلاده." إسرائيل ترى في هذا الكلام بدعة في الأساس، وزعزعة أسس الأمة اليهودية وحرمانها من حق الاحتلال الأيديولوجي الذي يُكمل في نظرها رؤيا وجودها كدولة. اليوم يتحدث بايدن عن الأفغان، وغداً سيقول الكلام عينه عن الفلسطينيين.