حظر "بن أند جيري" بيع منتوجاتها في المستوطنات في الضفة الغربية لن يغيّر الواقع
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- صفارة التهدئة أُطلقت: البوظة ليست سلعة حيوية لاستمرار وجود المشروع الاستيطاني. المقاطعة التي تنوي شركة "بن أند جيري" فرضها على بيع البوظة ما وراء الخط الأخضر لن تدفع قدماً بإخلاء مستوطنات أو تسوية سلمية. الأهم من ذلك، وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي يثيره إلّا إن هذا القرار ليس له أهمية اقتصادية بالنسبة إلى إسرائيل، فعلياً هو فقط يذكّرنا بأن حركة BDS فشلت حتى الآن في تحقيق هدفها.
- صحيح أنه كثيراً ما تحقق حركات المقاطعة نجاحات صغيرة، مثل إقدام شخصيات مشهورة على إلغاء ظهورها في إسرائيل، لكن إذا فحصنا تطورات اقتصاد إسرائيل في العقدين الأخيرين فإننا نرى صعوداً كبيراً في حجم الاستثمارات الأجنبية، وإقامة المئات من مراكز التطوير لشركات دولية، ومساهمة كبيرة لشركات صينية في بناء بنى تحتية في إسرائيل (الموانىء والقطار الخفيف)، كما يجري استيراد وبيع ماركات دولية أكثر من أي وقت مضى، الأجواء المفتوحة (قبل الكورونا) وسّعت عروضات الطيران، والتجارة الخارجية في حالة ازدياد وتوسع مستمرين، وحركة الأموال حرة بالكامل، كما وقّعت اتفاقات سلام وتطبيع جديدة مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
- السبب بسيط ألا وهو أن لدى إسرائيل ما تبيعه وما تشتريه. الاقتصاد ينتصر على السياسة، فكم بالأحرى إذا جرى ذلك بهدوء. هكذا وافقت الحكومة الإسرائيلية في سنة 2017 على استقدام 20 ألف عامل بناء من الصين للعمل في إسرائيل. الحكومة الصينية أرادت أن يأتي عمالها إلى هنا ليبنوا منازل لكن ليس في المستوطنات، لذا جرى الاتفاق على ألّا يعمل العمال الصينيون ما وراء الخط الأخضر. المستوطنات يبنيها عمال فلسطينيون. مرة أُخرى الاقتصاد ينتصر على السياسة.
- حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو لم تفتعل مشكلة مع الموقف الصيني. فهي مثل كل حكومات إسرائيل قادرة على التعايش بسلام مع المقاطعة ما دامت صامتة. لم يكن مهماً لأي حكومة هنا أن يبني عمال صينيون بيت إيل أو كرني شومرون، أو أن تبيع "بن أند جيري" البوظة في شيلو أو أوفرات. التخوف ناجم في الأساس عن المسّ بصورة إسرائيل، لذا سارع رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينت إلى الحديث مع مدير عام شركة "يونيليفر" العالمية التي تملك شركة "بن أند جيري" وبعث برسالة مفادها أن إسرائيل تتعامل مع القرار بمنتهى الجدية.
- السياسيون لا يعترفون بذلك، لكن المقاطعة عمل سياسي واقتصادي مشروع حتى لو كان مثيراً للغضب. هم طبعاً يفضلون المقاطعة الاقتصادية، التي يتطلب النضال من أجلها خطابات وأسفاراً في العالم، على النضال المسلح. لكن غالباً ما تكون المقاطعة فعالة عندما يقاطع المستهلكون شركات تجارية وتكون أقل فعالية عندما توجَّه ضد دول مستعدة لتوظيف موارد كبيرة في الدفاع عن كرامتها وسيادتها. إسرائيل نفسها تحاول محاربة المشروع النووي الإيراني بواسطة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة - لكن هذا الأمر لم يكبح الطموحات الإيرانية.
- اقتصادياً، لـ"بن أند جيري" ما تخسره من هذه الخطوة أكثر مما تخسره إسرائيل. مبيعاتها هنا ستتضاءل ومن المحتمل أن يطرأ انخفاض أيضاً على منتوجات أُخرى لشركة "يونيليفر" . على صعيد صورتها، لدى إسرائيل الكثير لتخسره. ما جرى هو تذكير صغير بمسألة الاحتلال التي لم تُحَل. لكن هذا ليس هو ما سيدفع حكومة إسرائيل إلى فحص سياستها في المناطق. على العكس سيكون هو السبب الذي سيدفع بوزرائها ورئيسها إلى تجنيد طاقة وموارد لمحاربة قرار "بن أند جيري" والشركات التي قد تحذو حذوها.
- تأخذ إسرائيل في حسابها اعتبارات اقتصادية في إدارة الساحات الأمنية لها علاقة بجوهر اقتصادها غير الموجود في الضفة. حظر "بن أند جيري" بيع البوظة في المستوطنات لن يغيّر الواقع، لأن الجمهور الإسرائيلي يدرك ما هو ثمن الاحتلال وثمن عدم وجود تسوية سلمية مع الفلسطينيين مع البوظة ومن دونها.