الاستراتيجيا الإيرانية الجديدة وردّة فعل بايدن المضادة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • في اليوم الخامس لعملية "حارس الأسوار" كشفت الرادارات في الجيش الإسرائيلي مسيّرة تحاول التسلل من الأردن إلى المجال الجوي في وادي بيت شان. أُسقِطت المسيّرة وأعلن رئيس الحكومة حينذاك بنيامين نتنياهو أن المقصود مسيّرة مفخخة يبدو أنها من إنتاح إيراني أُطلقت من العراق أو من سورية، وكانت مُعدة للانفجار في أراضي إسرائيل. لم يكن من مصلحة الجيش الإسرائيلي، الذي كان مشغولاً حينها بقطاع غزة، توسيع نطاق القتال، لذا ضبط نفسه إزاء محاولة الهجوم كما فعل إزاء الصواريخ التي أطلقها الفلسطينيون من لبنان.
  • قبل نحو شهر من عملية "حارس الأسوار" شهدت القوات الأميركية القليلة التي بقيت في العراق حادثة مشابهة؛ إذ أطلقت ميليشيات شيعية عراقية تعمل بتمويل ورعاية وتوجيه إيراني مسيّرة مزودة بالذخيرة من الأراضي السورية، وأصابت بدقة هنغاراً سرياً كانت توجد فيه طائرات ومسيّرات استخباراتية أميركية تراقب عناصر داعش والميليشيات الشيعية العاملة في العراق وسورية.
  • الضرر المادي والاستخباراتي اللذان تكبدهما الأميركيون كان كبيراً جداً وأثار غضباً كبيراً في واشنطن. كانت إدارة بايدن في ذلك الوقت في بداية المفاوضات في ڤيينا مع إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، واعتبرت هجوم الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران استفزازاً. وذكرت "الواشنطن بوست" في تقرير لها، بالاستناد إلى مصادر في واشنطن، أن إدارة بايدن فكرت في الرد على هذا الهجوم، لكنها قررت في النهاية ضبط النفس.
  • الحادثتان المذكورتان أعلاه بعيدتان عن بعضهما البعض مكانياً وزمنياً، لكن يوجد بينهما صلة وثيقة ومباشرة. بحسب تقديرات جهات استخباراتية غربية موثوق بها، الهجوم في نيسان/أبريل هذه السنة في أربيل، وكذلك الهجوم بالمسيّرة الذي أحبطه الجيش الإسرائيلي خلال عملية "حارس الأسوار"، نفذتهما ميليشيات عراقية تعمل بالوكالة عن إيران يشغّلها فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. هذه الميليشيات كانت في الليلة الماضية هدفاً لهجوم جوي أميركي في الأراضي العراقية والسورية.
  • هذه المرة الثانية التي ترد إدارة بايدن على الاستراتيجيا الجديدة التي يستخدمها الإيرانيون - وللمزيد من الدقة - الاستراتيجيا الجديدة التي يشغّل فيلق القدس بواسطتها الميليشيات التي تعمل في خدمته في الشرق الأوسط. هذه الاستراتيجيا وضعها القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قآاني من أجل زيادة نجاعة الاستخدام العملاني للميليشيات العراقية التي تدفع طهران رواتب جزء كبير من عناصرها. هذه الميليشيات كانت تطيع أوامر القائد الأسطوري لفيلق القدس قاسم سليماني. لكن بعد اغتياله واغتيال قائد الميليشيات العراقية أبو مهدي المهندس في مطار بغداد وجد قاآني، الذي يفتقر إلى الكاريزما، صعوبة في السيطرة على الميليشيات العراقية وفي تشغيلها، والتي بدأت تتشاجر وتتقاتل فيما بينها.
  • كما واجهت هذه الميليشيات معارضة شعبية متزايدة وسط مواطني العراق من الشيعة والسّنة على حد سواء. أيضاً حكومة العراق تجندت لكبحها لأنها رأت فيها أداة عنيفة تحاول إيران بواسطتها السيطرة على العراق وتحويله إلى دولة تابعة لها، اقتصادياً وعسكرياً. للتغلب على هذه المعارضة نقل الإيرانيون جزءاً من قواعد هذه الميليشيات الموالية لهم إلى سورية، وإلى منطقة الحدود في القائم شرق سورية في منطقة واقعة خارج الحدود. أنشأ الإيرانيون في هذه المنطقة قاعدة كبيرة هي معسكر الإمام علي كقاعدة لوجستية للتمركز في سورية، ومستقبلاً لدعم جبهة ضد إسرائيل تُفتح في الأراضي السورية. بالاستناد إلى مصادر أجنبية، هاجمت إسرائيل في الماضي هذه القواعد الموجودة في الأراضي العراقية والسورية عدة مرات.
  • لكن الهدف الأساسي لهذه الميليشيات العراقية - الشيعية التي تعمل بأوامر من إيران ليس إسرائيل، بل الهدف هو الأميركيون وقوات التحالف الغربية التي تقاتل داعش. هذه الميليشيات هاجمت في أوقات متقاربة القواعد التي يتواجد فيها جنود أميركيون في العراق بواسطة قذائف وصواريخ بالستية. وكان الهدف مضايقة الأميركيين وإلحاق خسائر بهم لتسريع انسحابهم من العراق، والذي أعلنه ترامب. بذلك خدمت هذه الميليشيات المصالح الإيرانية، وأيضاً ما تعتبره مصلحة عراقية.

الاستراتيجيا الجديدة

  • القوات الأميركية في العراق وقوات التحالف العاملة فيه لم يكن لديها قبل عام وسائل فعالة للدفاع عن نفسها في وجه هذه الصواريخ التي تسببت بوقوع قتلى وجرحى. لكن مؤخراً نظّم الأميركيون أنفسهم، وجرى تحديث الرادارات، واستُقدمت بطاريات باتريوت من طراز متطور لاعتراض القذائف والصواريخ بنجاح؛ كما طور الأميركيون وسائلهم الاستخباراتية والتعاون مع العراقيين لإحباط الهجمات على قواعدهم في العراق. هذه الوسائل أعطت نتائج ليست سيئة وشكلت النقطة التي قرر فيها قآاني التحرك بصورة مختلفة واستخدام استراتيجيا جديدة.
  • تستند هذه الاستراتيجيا الجديدة إلى استخدام مسيّرات مزودة بالذخيرة، أو "انتحارية" دقيقة يجري توجيهها بواسطة الـGPS، ولدى إيران خبرة 30 عاماً في إنتاجها ونشرها بواسطة وكلائها. المتمردون الحوثيون في اليمن يستخدمون منذ وقت مسيّرات بسيطة الاستعمال ودقيقة من إنتاج إيران ضد أهداف في السعودية، في الأساس ضد منشآت النفط والمطارات العسكرية. ويستخدم الحوثيون هذه المسيّرات عبر إطلاقها أيضاً في حربهم ضد القوات الحكومية اليمنية وهم يقومون بذلك بمهارة كبيرة، بمساعدة عناصر من حزب الله اللبناني ومن فيلق القدس الإيراني. مؤخراً أصبح الحوثيون يصنعون بأنفسهم هذه المسيّرات في اليمن من قطع يجري تهريبها من إيران.
  • لكن قآاني لم يكتفِ بتغيير وسائل القتال، بل غيّر الجهة التي تستخدمها. فبدلاً من محاولة السيطرة على الميليشيات العراقية التي تضم آلاف العناصر الذين يجب دفع رواتب لهم للمحافظة على ولائهم لإيران، قرر أن يختار من بينهم مجموعات من عشرات المقاتلين الشيعة من النخبة، والذين لا شك في ولائهم لإيران وسبق أن أثبتوا قدراتهم القتالية والتكنولوجية.
  • وحدات النخبة هذه شُكلت بسرية واستُخدمت سراً من خلال إقصاء الميليشيات الأصلية، وزودها قآاني بمسيّرات من إنتاج إيران، جزء منها يُستخدم لجمع معلومات استخباراتية وجزء آخر مزود بذخيرة. وذلك بالاستناد إلى دروس قتال الحوثيين في اليمن، وفي الأساس بعد الهجوم الناجح على منشآت النفط في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019. هذا الهجوم الذي نفّذه الإيرانيون مباشرة أثبت لهم بصورة قاطعة ونهائية أن المسيّرات المسلحة هي سلاح أكثر نجاعة من القذائف والصواريخ الباليستية غير الدقيقة. فمن الصعب كشف هذه المسيّرات، وهي قادرة على تغيير مسارها والقدوم من اتجاهات غير متوقعة، ومن الصعب إسقاطها حتى بعد العثور عليها بسبب أحجامها الصغيرة.
  • لدى الجيش الإسرائيلي وسائل ناجعة للكشف عن مسيّرات بعيدة أو قريبة، واعتراضها بواسطة "القبة الحديدية" وصواريخ أُخرى وطائرات حربية، وفي المستقبل أيضاً بواسطة الليزر. في المقابل وسائل كشف واعتراض المسيّرات التي لدى الأميركيين هي اليوم في مراحل تطوير ولم تدخل حيز الاستخدام...
  • اعتراض المسيّرة المزودة بالذخيرة خلال عملية "حارس الأسوار" أثبت للأميركيين مرة أُخرى أن لدى إسرائيل قدرة متقدمة، ليس فقط في اعتراض القذائف والصواريخ البالستية، بل أيضاً في مجال اعتراض المسيّرات. ويمكن التقدير اليوم بصورة مؤكدة أن المسيّرة التي أُسقطت في وادي الينابيع كانت من طراز جرى إعداده في إيران وصُنعت قطعها هناك، وأطلقتها قوات من النخبة في الميليشيات الشيعية - عراقية أو سورية - يشغلها الإيرانيون.
  • يوجد في العراق حالياً نحو 3000 جندي من التحالف الغربي، بينهم نحو 2500 جندي أميركي. أغلبيتهم موجودة في قواعد في شمال العراق بالقرب من أربيل، وفي عين الأسد، وشمال شرقي بغداد. ينوي الرئيس بايدن فعل ما فعله الرئيس السابق وإخراج هذه القوات من هناك وإبقاء نحو 300 مقاتل أميركي لحماية القنصليات الدبلوماسية. إخراج هذه القوات يجب أن ينتهي هذا العام، لكن في واشنطن قرروا هذه الليلة أن يفعلوا ما لم يفعلوه قبل شهر ونصف الشهر وهاجموا قواعد الميليشيات العراقية في الأراضي العراقية والسورية في منطقة الحدود مع العراق؛ ليس فقط لردع هجمات المسيّرات، بل لأن المحادثات في ڤيينا وصلت إلى حائط مسدود بسبب تعنّت الإيرانيين. على ما يبدو، تريد إدارة بايدن أن توضح للإيرانيين أنها تعرف أيضاً كيف تقاتل عند الحاجة وليس فقط إجراء مفاوضات عقيمة من دون هدف.
  • فيما يتعلق بنا في القدس، وفي الأساس في الكرياه [مقر وزارة الدفاع] في تل أبيب، يدركون أن في الحرب المقبلة مع إيران أو مع وكلائها، سواء جرت في الشمال أو إذا انضم الغزيون والحوثيون إليها، سيجري استخدام كبير جداً لمئات المسيّرات المزودة بذخيرة لمحاولة ضرب أهداف نوعية استراتيجية في الأراضي الإسرائيلية. وهذا الأمر يتطلب استعداداً جديداً وتمويلاً كبيراً لمشروع الليزر. تقديم مساعدة أميركية مالية لتمويل هذا الاستعداد في إسرائيل يساعد مباشرة أيضاً القوات الأميركية المنتشرة التي تقاتل في الشرق الأوسط وخارجه.