بايدن يزيد الضغط، لكن لنتنياهو أسباباً تدفعه إلى محاولة كسب الوقت
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تطوران دراماتيكيان حدثا أمس في اليوم العاشر للعملية الإسرائيلية على قطاع غزة. إطلاق 4 صواريخ من لبنان في اتجاه عكا ومنطقة الكرايوت. وإصدار البيت الأبيض بياناً رسمياً عن مضمون المحادثة الهاتفية الرابعة منذ بدء العملية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. هذه المرة صعّد بايدن لهجته وبلّغ محاوره أنه يتوقع تهدئة كبيرة للوضع على الأرض بدءاً من يوم أمس (الأربعاء). هذه الأحداث تقرّبنا من نهاية العملية، لكن القدرة على التدمير لم تُستنفَد بعد.
- إطلاق الصواريخ في الشمال تقف وراءه تنظيمات فلسطينية. فمنذ سنة 2014 تحدثت تقارير عن رغبة "حماس" في إقامة شبكة لها في مخيمات اللاجئين في الجنوب اللبناني يمكن أن تستخدمها لإطلاق الصواريخ وفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل في حال حدوث مواجهة في القطاع. منذ بدء العملية سُجّلت ثلاث عمليات إطلاق صواريخ من لبنان وواحدة من سورية. من المحتمل أن مثل هذا الإطلاق لم يكن ليحدث من دون موافقة صامتة على الأقل من جانب حزب الله. الآن إسرائيل أمام معضلة - بأي قوة ستردّ من دون الانجرار إلى مواجهة أيضاً مع حزب الله. بحسب الرد الرسمي لإسرائيل من خلال إطلاق قذائف مدفعية، يبدو أن إسرائيل لا تريد تصعيد التوتر في الشمال.
- الآن لدى نتنياهو موضوع أكثر إلحاحاً يجب الإجابة عنه - الطلب غير المسبوق من بايدن لوقف إطلاق النار. لم يسمع رئيس الحكومة مثل هذه اللغة من الرئيس السابق دونالد ترامب. فعلياً يبدو هذا الطلب الأكثر حدة الذي سبق أن وجهته إدارة أميركية إلى إسرائيل منذ طلب وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في حرب لبنان الثانية 2006 بعد اتهام إسرائيل بقتل مدنيين في قرية قانا. يومها استجابت إسرائيل لطلب رايس بوقف إطلاق نار إنساني مدة يومين، بعده استمر القتال بين إسرائيل وحزب الله عدة أسابيع. هذه المرة يريد بايدن وقفاً كاملاً لإطلاق النار.
- هناك عدة أسباب لعدم استجابة نتنياهو لبايدن فوراً. حتى الآن أثمرت العملية العسكرية ضد "حماس" إنجازات محدودة من دون حسم واضح لمصلحة إسرائيل؛ كما أنه من الصعب عليه الظهور كمن يخضع للضغط الأميركي لأنه سيُهاجَم من اليمين لظهوره في مظهر ضعف؛ ولأن ذلك يترك فرصة صغيرة لخصمه يائير لبيد لتشكيل ائتلاف مع انتهاء فترة التكليف في 2 حزيران/يونيو. مع ذلك، فإن الخطوة المطلوبة هي الاستجابة لبايدن ومحاولة تحسين الثقة بينهما.
- إلى أن يتضح الرد الإسرائيلي، ستحاول "حماس" تجميع إنجازات إضافية على صعيد الوعي. ازدياد إطلاق الصواريخ من الشمال يدل على قدرتها على مضايقة إسرائيل في ساحات أُخرى، يُضاف إلى ذلك أعمال العنف الواسعة التي نشبت داخل الخط الأخضر، والمواجهات في القدس، وازدياد محاولات الهجوم في الضفة الغربية. إذا جرى التوصل إلى وقف إطلاق نار فقد تحاول "حماس"، كما في الماضي، إنهاء المعركة بقصف عنيف كخطوة أخيرة تتوج فيها انتصارها. أيضاً إسرائيل من جهتها يمكن أن تزيد حدة القصف ضد أهداف تابعة لـ"حماس" والجهاد الإسلامي.
- يعمل على محاولات وقف إطلاق النار في الأساس رجال وزير الاستخبارات المصري الجنرال عباس كامل. الأمم المتحدة تشارك أيضاً، لكن مساهمة قطر على ما يبدو ثانوية. الاتفاقات السابقة بعد عملية عمود سحاب (2012) والجرف الصامد (2014) لم تكن مفصلة بصورة خاصة ولم تطبَّق بكاملها. الهدف الأساسي لإسرائيل سيكون إعادة الهدوء. بعدها سترى ما إذا كان في إمكانها ترجمة الثمن العملاني الذي دفعته لـ"حماس" بمطالبة أكثر صرامة بتقييد صناعة السلاح المحلية في القطاع. وستطلب إسرائيل مراقبة دخول مواد ثنائية الاستخدام، يمكن أن تُستخدَم في إنتاج وسائل قتالية، إلى غزة.
- الجو الظاهر كأننا في الأيام الأخيرة للعملية يزيد من تمارين التضليل التي يقوم بها اللاعبون إزاء بعضهم البعض. يجري هذا أيضاً في الساحة الداخلية، حيث يحافظ المستوى السياسي والعسكري على الغموض ويحاول كلّ منهما إبعاد نفسه عن مسؤولية إنهاء العملية.
- مساء الثلاثاء بثت القنوات التلفزيونية خبراً غريباً مفاده أن الجيش يريد مواصلة العملية لأن في تقديره هناك فرصاً لاغتيال رئيس الذراع العسكرية في "حماس" محمد ضيف. أولاً، من الواضح للجميع (وأيضاً لـ"حماس") أن ضيف والسنوار مستهدفان من جانب إسرائيل، فإذا كان هناك فرصة فعلية للمسّ بضيف، لماذا يعلن الجيش ذلك في وسائل الإعلام؟
- نتنياهو نفسه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما التقى 70 دبلوماسياً أجنبياً وقال إن إسرائيل لا تستبعد إمكان عملية برية في غزة. على الأرض لم تظهر أي استعدادات حقيقية لعملية برية للجيش الإسرائيلي في أراضي القطاع. عملية "حارس الأسوار" تتركز على استخدام النار من الجو ومن الأرض عن بعد خارج القطاع، ولقد استُقدم إلى الجنوب لواءان قتاليان.
- في حال حدوث تدهور شديد لا يمكن استبعاد مثل هذا السيناريو، لكن من الواضح أن أطراف القوة في إسرائيل تريد الامتناع من ذلك. أكثر من ذلك، بخلاف العمليات السابقة في غزة، هذه المرة لم تُسمع في الساحة السياسية أي مطالبة باحتلال القطاع.
- لذلك، كلام نتنياهو ليس جزءاً من لعبة الحرب النفسية إزاء "حماس"، بل مناورة إزاء قيادة الأركان العامة. فرئيس الحكومة يلمّح من جهته إلى أن الخيار البري مطروح على الطاولة. وإذا لم يتحقق (ومن المحتمل ألّا يتحقق) فإنه كالعادة سيحمّل طرفاً آخر المسؤولية. مَن لديه ذاكرة قوية سيتذكر بالتأكيد قضية التسريبات السرية التي قدمها الجيش في نهاية عملية الجرف الصامد قبل وقت قصير من دخول وقف إطلاق النار في حيز التنفيذ. يومها جرى الحديث عن عرض توقّع عسكري بأن احتلال غزة سيؤدي إلى سقوط مئات القتلى- ولم يُعرف قط مَن سرّب ذلك.
- على خلفية الإحساس بالاستنفاد في الجيش وعلى المستوى السياسي، هناك أمل لدى الجمهور بألّا ننجر إلى عملية جرف صامد 2 طويلة ودموية في قطاع غزة. لكن يجب أن نأخذ في الحسبان خطراً جديداً. وفي ضوء المواجهات المتزايدة في الضفة الغربية وضعف السلطة الفلسطينية، أليس من الممكن أن نتدهور إلى انتفاضة ثالثة في المناطق الفلسطينية؟