كارثة جبل ميرون بمثابة تذكير بأن السيادة الإسرائيلية وهم
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- وُلد مفهوم "الحكم الذاتي" من داخل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. من الصعب أن نتذكر أننا تحدثنا هنا عن حكم فلسطيني ذاتي، وعن إدارة ذاتية، وعن "تسوية إقليمية" بدلاً من "تسوية وظيفية". كل هذا استُخدم تغطيةً لهدف واحد: عدم السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة. وفعلاً لم تنشأ دولة فلسطينية حتى الآن، لكن مشروع الحكم الذاتي لا يزال حياً، وحتى أنه مطبّق بالكامل، ليس عند الفلسطينيين، بل عندنا. لا يوجد هنا حكم ذاتي واحد، هناك مجموعات حكم ذاتي تربطها خيوط هشة تشكل ما يُسمى "دولة إسرائيل".
- بعد الكارثة في جبل ميرون تحول مفهوم "الحكم الذاتي" إلى مصطلح لغوي يصف المنطقة في جبل تسيطر عليه طوائف حريدية ليس للدولة أي وجود فيه. جيوب مستقلة ينقصها فقط علَم ونشيد وطني. لكن كما ذكرنا، جبل ميرون ليس الوحيد، بل هو جزء من منظومة جيوب ذاتية تشبه أكثر فأكثر الجيوب الفلسطينية التي أنشأتها إسرائيل في الضفة لكبح قيام دولة فلسطينية موحدة. يمكن رؤية هذه الجيوب بكل عظمتها في الأحياء الحريدية في القدس، وفي جنوب البلد في مناطق تسيطر عليها العصابات البدوية، وفي القرى العربية التي تخلت الحكومة عن سيطرتها عليها ونقلتها إلى متعهد فرعي من المسلحين، وطبعاً يمكن رؤيتها في المستوطنات، التي تحولت منذ وقت إلى دولة مستقلة وأدت إلى نشوء جيوب فرعية لدرجة أن المستوطنين لا يجرؤون على الدخول إليها.
- مشهد الحكومة التي تسيطر فعلاً على كل أراضيها السيادية، وعلى المناطق الخاضعة بالكامل لسيطرتها، يدفعنا إلى الاعتقاد أن هذه المجموعات من الحكم الذاتي هي عبارة عن جماعات من مثيري الشغب، مثل صاحب كشك فتحه على شاطىء البحر من دون ترخيص. الحقيقة مرعبة أكثر. إسرائيل بدأت تشبه لبنان وسورية والعراق، حيث المنظمات الدينية، والأقليات الإثنية، ورجال العصابات الذين تحولوا إلى حكام فعليين. المنطقة المادية والقانونية الخاضعة لسيطرة الدولة تغطي فقط أجزاء مختارة منها.
- يقال إن نظام بشار الأسد نجح في استعادة سيطرته على 80% من الدولة. الباقي تسيطر عليه ميليشيات المتمردين، والأكراد، وعصابات محلية. ثمة شك في أن الحكومة في إسرائيل تستطيع الادعاء أنها تسيطر على هذه النسبة من أراضيها. كل حكم ذاتي من مجموعات الحكم الذاتي لديه آلية حكم مستقلة، يسحب أموالاً من صندوق الدولة ومن حقه أن يفعل ما يشاء، حتى أن يضع قوانين وأحكاماً خاصة به. إسرائيل ليست دولة فيدرالية، على الرغم من أنه يوجد في حكومتها وفي الكنيست ممثلون عن معظم مجموعات الحكم الذاتي، كما في الولايات المتحدة مثلاً. في النظام الفيدرالي السلطة الفيدرالية هي التي تقرر السياسة الخارجية وميزانية الدولة ودستورها. في إسرائيل القوانين الأساس تخضع لأهواء حكام مناطق الحكم الذاتي.
- السياسة الخارجية التي في أساسها النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني مرتبطة بموافقة المستوطنين، ميزانية الدولة تحتاج إلى موافقة كبار الحاخامين وقادة الحريديم والميليشيات المسلحة، اليهودية والعربية على حد سواء، هي التي ترسم حدود الأمن الذاتي للمواطنين. مواطنو إسرائيل من العرب لا يستطيعون الاعتماد على الشرطة لتحميهم من العصابات في مدنهم. بدو النقب يعلمون بأن ليس لديهم مَن يتوجهون إليه عندما يسيطر الزعران على الطرقات ويطلقون النار في كل اتجاه. مزارعون فلسطينيون يتشبثون بهلع بمتطوعين يهود للدفاع عنهم في وجه عصابات المستوطنين، لأن جيش الدولة المستقلة في أحسن الأحوال يتجاهل ما يحدث وعادة ينضم إلى المستوطنين.
- إسرائيل مثل الضفة الغربية مقسمة إلى مناطق أ وب وج. مناطق واقعة تحت السيطرة الكاملة للدولة، مناطق تسيطر فيها فقط على الأمن وليس على الإدارة المدنية، ومناطق الدولة غائبة عنها. المواطن الإسرائيلي الذي يبحث عن شقة لا يكتفي بفحص مدى ملاءمتها لعائلته بل أيضاً يفحص مَن يسيطر على الحكم الذاتي الذي توجد فيه. ما هو جيد لفلسطين وسورية، جيد أيضاً لإسرائيل.
الكلمات المفتاحية