الحلف الإيراني - الصيني : سبب للقلق
تاريخ المقال
المصدر
- بينما يتمرغ الانتباه العام في وحل بركة السياسة الداخلية، ينمو تهديد استراتيجي لإسرائيل يمكن أن يأخذ أبعاداً وجودية. إذا جرى تطوير الإمكانية الكاملة التي ينطوي عليها التحالف الإيراني - الصيني، يمكن أن يجد الشرق الأوسط نفسه مجدداً في مواجهة حرب باردة بين الدول العظمى بصورة تهدد إسرائيل. لقد شكّل عبد الناصر مثل هذا التهديد عندما ساعده الدعم السوفياتي لسياسته الراديكالية على فرض هيمنة إقليمية وتهديد إسرائيل لأكثر من عقد من الزمن؛ المحاولة الأميركية للتصالح مع الرئيس المصري فاقمت الوضع الذي انفجر في صيف 1967. حالياً، المساعدة الصينية للنظام الراديكالي في طهران يمكن أن تدعم إيران في محاولتها لفرض هيمنتها على المنطقة، ضمن إطار تطور حرب باردة من نوع آخر بين الولايات المتحدة والصين. هذا الدعم الصيني مع تساهل إدارة بايدن على طريقة أوباما، يمكن أن يدفع قدماً بمثل هذه الهيمنة التي ستشكل تحدياً استراتيجياً لإسرائيل بأحجام لم نعرفها منذ حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973].
- في السنوات الأخيرة تخوض إسرائيل حرباً تزداد تصاعداً مع إيران، في محاولة لمنعها بالقوة من بناء بنية عسكرية كثيفة حول حدودها. هذا هو مغزى عمليات القصف الواسعة التي تُنسب إلى إسرائيل في سورية وغرب العراق. تدرك إيران أن إسرائيل فقط قادرة على لجم تطلعاتها إلى الهيمنة، وتُعد هذه البنية التحتية لردع إسرائيل، بواسطة تهديد كبير لتجمعاتها السكانية. أيضاً أغلبية الأنظمة العربية تدرك أن إسرائيل قوية وحازمة بما فيه الكفاية لكبح نظام آيات الله. الولايات المتحدة أكثر أهمية، لكنها أقل حزماً وصدقية. وقد فزعت هذه الأنظمة من تساهل الإدارة الأميركية في أيام أوباما، وتشجعت موقتاً في أيام ترامب، وتتخوف من عودة التساهل في أيام بايدن. هذا هو مغزى "اتفاقات أبراهام"، الذي استبدل إلى حد بعيد "النزاع الإسرائيلي - العربي" في صيغته المعروفة بائتلاف إسرائيلي - عربي ضد إيران وأردوغان، الأمر الذي يعبّر عن شكوك حيال الإدارة الجديدة في واشنطن.
- واجهت السياسة الحازمة في أيام ترامب التحدي الإيراني بصورة شاملة: لم تركز على التهديد النووي بل على خطر الهيمنة الإقليمية التي سترفع إيران الراديكالية إلى مصاف دولة تتجاوز حدود الشرق الأوسط، وتضمن حماية نووية لاستفزازتها التقليدية واستفزازات وكلائها. رد محدود من نوع الاتفاق النووي سنة 2015 عزز فعلاً مكانة إيران، لم يواجه مثل هذا التحدي المعقد. من أجل مواجهة هذا التهديد يجب العمل على ضرب إيران، في الأساس على الصعيد الاقتصادي، وردعها عن المواجهة من خلال ضمان تأييد أميركي للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران. في أيام إدارة ترامب تجنبت إيران الرد بشدة على آلاف العمليات السرية والعلنية لإسرائيل. وعندما نفّذ الإيرانيون هجومهم الاستفزازي الكبير ضد صناعة النفط في السعودية، انتقم ترامب باغتيال سليماني، ولم تجرؤ إيران على الرد بالحجم الملائم على العملية المؤلمة والمهينة. لقد كان الأساس التسبب بضرر اقتصادي هائل ثمة شك في أن إيران قادرة على احتوائه 4 سنوات أُخرى.
- في هذه الأيام يبرز من جديد المزيج المعروف منذ أيام أيزنهاور: تدخّل اقتصادي وعسكري عميق من القوة العظمى المنافِسة للولايات المتحدة ورد متساهل من واشنطن. وزير الخارجية الصيني وقّع في طهران اتفاقاً استراتيجياً لمدة 25 عاماً وفق الصيغة التي تبلورت خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ في سنة 2016، والتي كان هدفها مضاعفة التجارة بين الدولتين بنحو عشر مرات، بحيث تصل إلى 600 مليار دولار خلال عشر سنوات. يعطي الاتفاق الأفضلية للصين للاستثمار في إيران - في البنى التحتية والمصارف ووسائل الاتصال. كما جرى ذكر تدريبات عسكرية مشتركة وتعاون في الصناعة العسكرية. ومن المتوقع أن تزود إيران الصين بكميات كبيرة من النفط والغاز لوقت طويل بأسعار منخفضة نسبياً.
- مثل هذا الاتفاق يحيّد إلى حد كبير رافعة الضغط الاقتصادي الأميركي، ويعزز الموقف التفاوضي الإيراني، وينذر بتجدد مساعي الهيمنة الإيرانية على المنطقة. وتيرة تحقيق هذه الهيمنة وخصائصها مرتبطة إلى حد حاسم بالعلاقات الأميركية - الصينية. ما جرى هو ورقة مقايضة صينية مهمة في الساحة العالمية كانت معلقة في أيام ترامب وما لبثت أن ظهرت في مواجهة بايدن. التداعيات على إسرائيل ستكون دراماتيكية.