الانتخابات في غزة تمنح "حماس" أفضلية في مواجهة الانتخابات الفلسطينية العامة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بعد التهاني التي أغدقها رئيس المكتب السياسي في "حماس" إسماعيل هنية على يحيى السنوار الذي انتُخب في الأمس مجدداً رئيساً للحركة في قطاع غزة، تطرق هنية إلى رسالة هذه الانتخابات: "إنها تُظهر موقع "حماس" في الخريطة السياسية الفلسطينية كشريكة في قيادة المشروع الوطني... وتدل على أن هذه الانتخابات التي جرت برقابة جهات قانونية هي انتخابات حقيقية وليست وهمية، وإجراؤها كل 4 سنوات يشير إلى الثقة العميقة بمبدأ تبادل السلطة، ويؤكد جدية الحركة إزاء الانتخابات المقبلة للبرلمان والرئاسة والمجلس الوطني الفلسطيني. قرار الحركة هو العمل مع كل الأمة على نجاح هذه الانتخابات."
  • بكلام آخر، "حماس" مهيأة ومستعدة لانتخابات البرلمان الفلسطيني التي ستجري في أيار/مايو، والانتخابات الرئاسية المخطط لها في تموز/يوليو، مع قيادة منتخبة ومتفق عليها. كلام هنية لا يطمس اللذعة التي أرسلها إلى محمود عباس وإلى حركة "فتح" التي لا تُجري انتخابات. الفترة القانونية لولاية عباس انتهت منذ سنوات، والقرارات السياسية في "فتح" يتخذها شخص واحد هو عباس. في مقابل سلسلة الزعامة والقيادة في "حماس" الملزمة، على الأقل على الورق، بالتشاور مع مجلس الشورى وإجراء انتخابات بين مرشحين واحترام نتائجها.
  • أسلوب الانتخابات وعملية إجرائها في "حماس" يعتمدان على بنية هرمية تختلف تماماً عمّا هو موجود في "فتح". المكتب السياسي المؤلف من 9-13 عضواً، هو الجهة الأكثر أهمية التي تتخذ القرارات الاستراتيجية، ويمثل "حماس" أمام المنظمات والدول التي لديها فيها ممثليات، مثل إيران وقطر والسودان ولبنان واليمن والجزائر وتونس. لكن "حماس" تحصل على الموافقة على قراراتها من مجلس الشورى، المؤلف من نحو 70-90 عضواً، ويعمل في داخله مجلس شورى "مصغر" مؤلف من نحو 25 عضواً، ويشكل نوعاً من مجلس وزاري مصغر.
  • يُنتخب أعضاء مجلس الشورى من بين نشطاء "حماس" في القطاع والضفة الغربية، وفي السجون، وفي الخارج. لكن تقديم "حماس" نفسها كحركة ديمقراطية تحترم الانتخابات ومستعدة لتبدل الصفوف في قيادتها لا يقنع حتى النشطاء فيها. لم يحدث تبدل في السلطة هنا. في الأمس كان من المتوقع حدوث انقلاب، بعد تقارير أولية بشأن نتائج الدورات الثلاث التي أظهرت أن نزار عوض الله، من الجيل المؤسس لـ"حماس"، فاز في المنصب؛ لكن تبين فيما بعد أن أحداً من المرشحين لم يفُز بـ50% من الأصوات ويجب إجراء دورة رابعة حافظت فيها "حماس" على التقاليد ومنحت السنوار ولاية ثانية.
  • بالاستناد إلى مصادر في الحركة، لم تحدث هنا مفاجأة كبيرة، ففي الدورات الأولية للانتخابات التي جرت في الأسابيع الأخيرة، جرى الاتفاق على بقاء مَن يتولون المناصب الحالية، مثل السنوار وصالح العاروري قائد "حماس" في الضفة، في مناصبهم. لكن تأرجُح الأصوات بين عوض الله والسنوار هو رسالة مهمة للسنوار، الذي تعرّض في السنة الأخيرة لانتقادات حادة عامة، ومن القيادة - سواء بسبب طريقة إدارته أزمة الكورونا في القطاع، أو لأنه لم ينجح في التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى مع إسرائيل يؤدي إلى إطلاق سراح مئات الأسرى من "حماس" في مقابل إعادة أسيرين وجثمانيْ الجنديين الإسرائيليين.
  • من جهة أُخرى، يحظى السنوار بتأييد عناصر الذراع العسكرية  في"حماس"، الذين حذروا من أن عدم انتخابه يمكن أن يؤدي إلى مواجهات مع القيادة وانتقادات حادة من طرف الجيل الشاب في "حماس". هذه المرة لم يبق الخلاف وراء الكواليس. فقد انتقد المسؤول الرفيع المستوى في "حماس" يحيى موسى على صفحته في الفايسبوك الانتخابات لأنها "تفتقر إلى الشفافية وطهارة الكف. ولا تعتمد على مبدأ المساواة وإعطاء كل الأعضاء فرصاً متساوية." نادراً ما يُسمع مثل هذا الانتقاد العلني، وخصوصاً لأن الحركة تحرص على المحافظة على السرية الكاملة في كل الإجراءات الانتخابية. على سبيل المثال، انتخابات مجلس الشورى الذي لديه صلاحية بلورة سياسة "حماس"، والتي جرت من دون نشر نتائجها.
  • كانت النية أيضاً أن تجري الانتخابات للمناصب القيادية بسرية حتى نهايتها. نشر النتائج قبل أن يتضح نهائياً مَن فاز يشكل خروجاً عن السائد، ويدل أيضاً على نوع الخلافات داخل الحركة التي تجهد لإظهار وحدة صفوفها، وخصوصاً انضباطها. في المرحلة المقبلة من المتوقع أن يترشح إسماعيل هنية وخالد مشعل على منصب رئاسة المكتب السياسي، لكن تشير التقديرات إلى عدم حدوث تغييرات: هنية سيواصل تولّي منصبه، والمسؤول الرفيع المستوى في الحركة خالد مشعل من المتوقع تعيينه في منصب المسؤول عن "حماس" في الخارج.
  • القيادة الجديدة - القديمة معروفة من إسرائيل ومقبولة من مصر. أجرت إسرائيل وتجري مع السنوار حواراً غير مباشر بوساطة مصرية. وهي التي سمحت لقطر بتحويل ملايين الدولارات شهرياً له، وبدأت بتطبيق بنود التهدئة التي جرى الاتفاق عليها معه ومع مصر على الرغم من أن "حماس" لم تفِ بكل التزاماتها. من المتوقع أن تستضيف مصر في 17 آذار/مارس ممثلين لـ "حماس" و"فتح" وزعماء فصائل أُخرى في منتدى حوار وطني بدأ في شباط/فبراير، وذلك كي تبحث معهم في ترتيبات الانتخابات العامة بصورة تمثل الفلسطينيين في المناطق المحتلة وخارجها، وفي تطبيق اتفاقات المصالحة بين الحركتين.
  • وكبادرة حسنة أعادت مصر العمل في معبر رفح ورفعت القيود الكثيرة التي صعّبت الانتقال من القطاع إلى الأراضي المصرية. للقاهرة علاقات وثيقة مع السنوار ومع هنية، على الرغم من الخلافات التي اندلعت معهما في السنة الأخيرة، من بين أمور أُخرى بسبب توثيق علاقات "حماس" مع إيران وتركيا. تحاول مصر أيضاً إقناع السعودية والإمارات بتغيير موقفهما إزاء "حماس" ومساعدة قطاع غزة مادياً، وإلغاء حصرية المساعدة التي تحتفظ بها قطر حالياً.
  • ستصل "حماس" إلى المباحثات في مصر مع قيادة تحظى بشرعية، ومع خطة عمل منظمة في مقابل حركة "فتح" التي تعاني جرّاء انقسامات وعدم الاتفاق على أسلوب الانتخابات، مع شعور بعدم يقين مثير للقلق فيما يتعلق تأييد الجمهور - وخصوصاً بعد الإخفاقات في إدارة أزمة الكورونا، والفشل الذريع في الحصول على أموال الضرائب، والتراجع عن قرار عدم التنسيق الأمني مع إسرائيل وعن قرار القطيعة مع الولايات المتحدة [في عهد إدارة دونالد ترامب]، والتي اتخذتهما مؤخراً مع دخول بايدن إلى البيت الأبيض.
  • إذا جرت الانتخابات في الموعد المخطط له يتعين على إسرائيل أن تواجه مجدداً واقعاً مشابهاً للذي نشأ في سنة 2006، عندما حققت "حماس" فوزاً جارفاً في الانتخابات. لكن هذه المرة سيكون هناك برلمان فلسطيني وحكومة فلسطينية مؤلفان من "فتح" و"حماس" وفصائل أُخرى، وإدارة أميركية يمكن أن تعترف بحكومة كهذه، إلى جانب تأييد دولي سيحرم إسرائيل قدرتها على تطبيق سياسة الفصل بين غزة والضفة والفصل بين "حماس" و"فتح"، كما فعلت حتى الآن.
 

المزيد ضمن العدد 3518