حل الدولتين؟ من الصعب فهم ماذا تقصد الولايات المتحدة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد بضعة أيام من الاهتمام بأمور تافهة لا أهمية لها، مثل وباء كوفيد 19، والانهيار الاقتصادي وخطة إنقاذ بـ1.9 تريليون دولار، وقضية تنحية الرئيس السابق، وانهيار شبكة الكهرباء في تكساس، واستئناف المفاوضات بشأن مخطط العودة إلى الاتفاق النووي، عادت الولايات المتحدة إلى الحديث عن موضوع مهم وراهن فعلاً: "حل الدولتين".
- في حديث هاتفي مع وزير الخارجية غابي أشكنازي، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن "إن إدارة بايدن تؤمن بأن حل الدولتين هو السبيل الأفضل لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، إلى جانبها دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة." هذه عبارة نجدها منذ مطلع التسعينيات تقريباً في كل المرات التي تطرقت فيها الإدارات الأميركية إلى الموضوع (باستثناء ترامب الذي قال "دولتان، دولة واحدة، أي شيء تشاؤونه").
- هذه العبارة لا تتطرق إلى دور الولايات المتحدة في عملية كهذه، وليس هناك تلميح إلى أن الأميركيين بصدد بلورة خطة أميركية، ولا يوجد توجه نحو سياسة فاعلة تسبق هذه الصيغة، وليس هناك دعوة لإسرائيل والفلسطينيين إلى البدء بمفاوضات، ولا تعهد شخصي من وزير الخارجية نفسه بمعالجة الموضوع.
- في الحقيقة كانت هذه محادثة هاتفية فقط بين وزير عُيّن قبل شهر فقط في منصبه وبين وزير خارجية ينهي تولّي منصبه؛ الإدارة لا تزال جديدة، ولا ننتظر منها أكثر من تصريحات عامة؛ ستجري انتخابات في إسرائيل بعد 28 يوماً والإدارة الأميركية لا تعرف مَن سيكون رئيس الحكومة في منتصف أيار/مايو؛ بلورة سياسة تستغرق وقتاً، وهي لا تُعرَض دفعة واحدة ولا حاجة إلى المبالغة في تفكيك العبارة وتحليل مضمونها. لكن يجب الانتباه إلى الصيغة البعيدة المدى لبلينكن: الإدارة "تؤمن"، ماذا يعني هذا؟ الإيمان لا يصنع سياسة خارجية عموماً، ولا خطة سياسية خصوصاً.
- "ضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية" - هذه مسؤولية إسرائيل وليست مسؤولية بايدن - بلينكن. "دولة فلسطينية ديمقراطية وقابلة للحياة" - هذا شأن مفاوضات بين الطرفين، ونتائج المفاوضات ومسؤولية الفلسطينيين وليس بايدن -بلينكن.
- هناك ثلاث زوايا مختلفة لفحص التصريح. زاوية اللامبالاة الساخرة، زاوية واقعية، وزاوية خيبة الأمل. التوجه اللامبالي - الساخر هو خيار تقصير المنظومة الإسرائيلية. هذا ما قاله؟ هذه سياسة أميركية معلَنة عمرها 30 عاماً، مبدأ الدولتين موجود أيضاً في "اتفاقات أبراهام"، المعروفة أيضاً بـ"صفقة القرن" لإدارة ترامب.
- لم يقل بلينكن شيئاً عملياً، لم يرسم سياسة صلبة، ولم يعرض خطة وجدولاً زمنياً يمكنهما أن يزعجا إسرائيل أو يثيرا آمالاً لدى السلطة الفلسطينية. ليس هناك عملية سياسية منذ 12 عاماً، والجهد الأميركي الأساسي الأخير، مهمة وزير الخارجية السابق جون كيري في سنة 2014 فشلت، وخطة القرن لترامب لفظت أنفاسها فور ولادتها ونشرها. لذلك هذا كلام اعتباطي من دون مضمون. يجب فقط أن نهز رؤوسنا ونعرب عن تفهمنا، وإذا كرر بلينكن كلامه هذا، يجب إلقاء المسؤولية فوراً على الفلسطينيين. وبالنسبة إلى الفلسطينيين يجب أن يعربوا فوراً عن خيبة أملهم لعدم وجود تدخّل أميركي فعال، وإلقاء المسؤولية فوراً على إسرائيل.
- في النهاية، إذا كان هناك شيء يتفق عليه الفلسطينيون وإسرائيل على الدوام فهو حقيقة أن الولايات المتحدة هي المذنبة. الولايات المتحدة قالت، الولايات المتحدة لم تقل، الرئيس يتدخل كثيراً، الرئيس لا يتدخل بما فيه الكفاية. على مر السنين، يبدو أن التصريحات الأميركية بشأن الموضوع أثمرت عملية رد منسق بين القدس ورام الله.
- التوجه الواقعي يرى أن الالتزام الأميركي بنموذج الدولتين هو ضريبة كلامية. للولايات المتحدة أولويات سياسية أُخرى: الصين، وبحر الصين الجنوبي، شبه الجزيرة الكورية، روسيا. الإدارة الجديدة عملت على ترميم صدقية الولايات المتحدة بعد سنوات حكم ترامب. في الشرق الأوسط، المنطقة التي تنسحب منها الولايات المتحدة بالتدريج، المصلحة الوحيدة الباقية هي إيران، وليست الدولة الفلسطينية.
- لقد سئمت الولايات المتحدة من التوسط، وسئمت من العودة إلى العملية عينها وسلاسل العمل عينها منذ التسعينيات. الولايات المتحدة كما يقول رؤساؤها ووزراء خارجيتها من وقت إلى آخر "لا يمكنها أن تريد السلام أكثر من الطرفين نفسيهما". وإذا تحصن الطرفان بمواقفهما، فإن الولايات المتحدة لن تبدد مالاً سياسياً وطاقة من دون جدوى. التوجه هو: توصلوا إلى الاعتراف بأن نموذج الدولتين هو الصحيح، اعلنوا ذلك، اجروا مفاوضات، اتصلوا بنا وسنساعدكم. يوجد في إسرائيل مَن يحب هذا التوجه، وهناك مَن يفترض أن عدم الاهتمام الأميركي حكم على إسرائيل بالعيش مع نزاع دائم، وواقع ديموغرافي مهدد، وعالم يصبح أكثر فأكثر معادياً لإسرائيل في هذا الموضوع.
- زاوية "خيبة الأمل" هي الأكثر إشكالية. لدى إسرائيل شبكة علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة. لذلك عندما تتطرق الولايات المتحدة إلى موضوع استراتيجي مهم بالنسبة إلى إسرائيل، على إسرائيل أن تصغي إليها. لنفترض أن إدارة بايدن ستخصص جهداً وأهمية للموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني، هل العودة إلى صيغة الدولتين صحيحة؟ هل فكرت إدارة بايدن في إمكان قيام دولة فلسطينية؟ هل هناك تفكير مبتكر أكثر غير العودة إلى صيغة تحولت إلى لازمة سياسية لا أهمية لها؟ هل توجد صلاحية لهذه النظرة الأميركية؟
- نظراً إلى أن بايدن وبلينكن صاحبا تجربة، لا يمكن الشك في أنهما فكّرا عميقاً وتوصلا إلى خلاصة "دولتان" بما لا يتجاوز سهولتها البلاغية. لذلك الخلاصة هي أن هذا الموضوع لا يشغلهم ولن يشغلهم، ولا يشكل مصلحة حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ويأتي في أدنى سلّم أولوياتها. الرسالة إلى إسرائيل والفلسطينيين متشابهة: افعلوا ذلك بمفردكم.