ربما حان الوقت لأن تفكر إسرائيل في مسار جديد في مسألة التهديد الإيراني
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • خطاب رئيس الأركان أفيف كوخافي أثار دهشة وانتقادات كبيرة وسط السياسيين والعديد من الإعلاميين. حذّر كوخافي في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب من مغبة عودة الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران وادعى أنها "فكرة سيئة". بالإضافة إلى هذا الكلام أوضح رئيس الأركان أن الجيش الإسرائيلي يستعد طوال الوقت لاحتمال أن يُطلب منه مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. سارع منتقدوه إلى اتهامه بمحاولة الحصول على مكانة سياسية لدى رئيس الحكومة المعروف بأنه على رأس معارضي الاتفاق النووي مع إيران. آخرون حاولوا تفسير نيات كوخافي بمحاولته الدفع قدماً بالموافقة على الزيادة في الميزانية التي طلبها قبل عدة أيام. على خلفية التلكؤ في إقرار ميزانية الدولة، يبدو أن كوخافي أيضاً يدرك أن خطته المتعددة السنوات "تنوفا" التي طالب بإقرارها منذ استلامه منصبه، على ما يبدو لن تدخل في حيز التنفيذ.
  • في السنوات 2009-2013 طُرحت على الطاولة عدة مرات وتراجعت فكرة الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران. في النهاية رُفضت، في الأساس بسبب معارضة القيادة الأمنية، وخصوصاً رئيس الموساد آنذاك مئير داغان. في سنة 2015 وقّعت إدارة أوباما اتفاقاً نووياً على الرغم من اعتراضات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الكثيرة. كوخافي أيّد الاتفاق في الماضي، الآن يبدو أنه يعبّر عن تحفظات كثيرة عنه. إحدى التداعيات الكبيرة لاستمرار معارضة نتنياهو للاتفاق النووي لأوباما أنها بالإضافة إلى التوتر الشديد الذي تسببت به إزاء واشنطن، جعلت المشروع النووي الإيراني مشكلة إسرائيلية فقط.
  • إلى جانب الانتقادات التي وُجهت إلى كوخافي الذي عبّر عن موقف إشكالي في توقيت إشكالي جداً، في رأي كثيرين، من المهم أن نتذكر أن الواقع منذ تأييده للاتفاق تغير بصورة جوهرية. منذ انسحاب الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب من الاتفاق النووي في سنة 2018، خصّبت إيران يورانيوم بوتيرة متزايدة، ووسعت قدرتها بصورة كبيرة، وأعلنت مؤخراً أنها ستبدأ بتخصيب اليورانيوم على درجة 20%. من الصعب عدم تفسير هذه الخطوة غير أنها محاولة لإجبار بايدن على العودة بسرعة إلى الاتفاق، وتحقيق رفع العقوبات القاسية التي فُرضت على إيران في أيام ترامب.
  • خطر آخر يتخوف منه كوخافي في الاتفاق النووي القائم هو "تاريخ انتهاء الاتفاق". الاتفاق النووي الذي وقّعته الدول العظمى مع إيران مدته 15 عاماً لا أكثر. بينما بعد مرور 10 سنوات على يوم توقيعه من المفترض أن تحظى إيران بتسهيلات في القيود المفروضة عليها. يدرك كوخافي أنه كلما مر الوقت كلما ازداد الخطر على إسرائيل الذي تنطوي عليه العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، ومع مرور الأيام هو يخسر قيمته وأهميته.
  • الصحيح حتى الآن أن المصلحة الكبرى للنظام الإيراني هي رفع العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة عليه في أسرع وقت ممكن، والتي تسببت من دون أدنى شك بأضرار كبيرة لإيران، لكنها لم تؤد إلى وقف نشاطاتها في الشرق الأوسط، وفي المشروع النووي. لدى بايدن أسباب كثيرة للعودة إلى الاتفاق النووي، وهو قد لا يكون مهتماً بتطبيق العقوبات لوقت طويل، كي لا يخسر الفرصة السياسية التي تنتظره.
  • لا شك في أن المشروع النووي الإيراني يشكّل تحدياً، وخصوصاً للقيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل لسنوات غير قليلة. الخوف من حصول نظام آيات الله على قدرة عسكرية نووية هو بالنسبة إلى نتنياهو سيناريو يوم القيامة الذي يحذر منه منذ فترة طويلة. هذا السيناريو سيئ وخطر، لكن مع ذلك، يتعين على إسرائيل التفكير في تغيير مقاربتها لمواجهة هذا الخطر.
  • بالإضافة إلى المصلحة الإسرائيلية في عرقلة وضرب المشروع النووي الإيراني، فإن هناك مصلحة أُخرى هي ألا تكون مرة أُخرى وحدها في هذه المعارضة. تمسُّك نتنياهو وإسرائيل بالموقف المعارض للاتفاق النووي لم يثبت نفسه في الماضي، وأدى فقط إلى تفاقم العلاقات مع الإدارة الأميركية. وهذا يعني تالياً أن ثمة شك في أن ينجح في إثبات نفسه مستقبلاً - تسلمت إدارة بايدن مهماتها للتو، وأمامها 4 سنوات طويلة في السلطة، لذا من المهم التفكير في كيفية إنشاء علاقات عمل جيدة تستطيع إسرائيل بواسطتها فقط التأثير في السياسة الأميركية إزاء الموضوع النووي الإيراني. على حكومة إسرائيل أن تأخذ في حسابها أحداث الماضي والعلاقات مع إدارة أوباما، وفحص كيفية الوصول الآن إلى نتائج أفضل بكثير.
  • إذا مرّت السنوات وظلت دولة إسرائيل محافظة على الخط المتشدد في موضوع التهديد الإيراني من الواضح أن هذا الأمر لن يساعد ولن ينجح في الدفع قدماً بحل للموضوع. يتعين على القيادتين السياسية والأمنية أن تبحثا هل يريد الإسرائيليون الاستمرار في أنهم ربما على حق، أو أنهم يريدون أن يكونوا أذكياء من أجل التغيير. هل المواقف المتشددة لنتنياهو ومنظومة المؤسسة الأمنية والتمسك بالمبادىء المتشددة التي يتمسكون بها منذ أكثر من عقد ساهمت في الدفع قدماً بإسرائيل؟ أم أن عليهم محاولة بلورة خط عمل جديد يتيح أكثر خيار مفاوضات مع إيران؟
  • من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم مما نُشر من تصريحات لموظفي إدارة بايدن ليس هناك ما يؤكد أن الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق النووي. صحيح أن سلسلة التعيينات التي تتعلق بإيران في الإدارة الجديدة تدل على نية لفعل ذلك، لكن في طهران وفي واشنطن يتهربون حالياً من القيام بالخطوة الأولى. يجب الانتظار كي نرى هل المقصود خلاف تقني ومحدود على الجدول الزمني أم أن الأمر يتعلق بموضوع أساسي أكثر. للطرفين اعتبارات سياسية كثيرة تؤثر في خطواتهما ومن المهم فحص تسلسُل الأحداث في ضوء هذه الوقائع.
  • كما قال كوخافي في خطابه، الجيش يواصل استعداداته لاحتمال هجوم عسكري على إيران. هذه العملية، بحاجة أيضاً إلى موافقة أميركية، مع أنها لا تزال تقع تحت المسؤولية الحصرية لإسرائيل التي من حقها الدفاع عن نفسها. لكن على افتراض أن الخيار العسكري هو ليس الخيار الذي ستختاره إسرائيل لمواجهة التحدي، يجب على رئيس الحكومة أن يدرس تغيير التوجه قليلاً، انطلاقاً من الإدراك أن الأوقات والظروف، وعلى الأقل جزء من اللاعبين، تغيروا. في وضع يبدو أنه لا توجد احتمالات أفضل، وكلها خطرة، يجب التفكير أيضاً في الاحتمالات الأُخرى.

 

 

المزيد ضمن العدد 3490