بايدن سيغير الاستراتيجيا إزاء قنبلة إيرانية توشك على الانفجار
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • في يوم تنصيب جو بايدن يجب أن نتمنى للرئيس الـ46 للولايات المتحدة أن يرمم الثقة بالديمقراطية ومؤسساتها، وأن يتصرف بصورة موضوعية بناء على الوقائع، وأن يُظهر أسلوباً في القيادة غير شعبوي ومتصالحاً لكنْ صارماً. هذا ما تحتاج إليه أميركا وحلفاؤها حالياً بعد أربع سنوات من إدارة فوضوية في واشنطن كانت تُدار في الأساس بحسب أنانية دونالد ترامب ووفق نزواته من خلال تغريدات على تويتر.
  • لذا من المشجع أن نعرف أن الرئيس المنتخب بايدن وكبار إدارته حددوا قبل حفل التنصيب سلّم أولوياتٍ، قومياً ودولياً، وبدأوا بالإعداد العملي لتنفيذه. في فترة الرئيس ترامب تحديداً ثبت بصورة مؤلمة وبطريقة سلبية أن لا بديل من زعامة الولايات المتحدة في العالم الحر، وأن جدول الأعمال العالمي يفرض نفسه على جدول الأعمال الداخلي - الاقتصادي والثقافي والسياسي للولايات المتحدة.
  • لذا، في مقابل المحاور الأساسية في الساحة الداخلية – الأميركية: الجهد للحد من الوفيات بسبب الكورونا، والجهد لترميم الاقتصاد من الضرر الذي ألحقه به الوباء، والجهد لرأب التصدعات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة، التي عمّقها ترامب - سيتعين على بايدن وكبار مسؤولي إدارته معالجة 4 تحديات أساسية في الساحة الدولية.
  • أزمة التجارة مع الصين وكبح المحاولة الصينية للسيطرة بالقوة على شرق آسيا؛ اتفاقات تقييد سلاح نووي وصواريخ مع روسيا، وكبح الهجمات السيبرانية التي تحاول موسكو بواسطتها زعزعة النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة وزعزعة مكانة واشنطن في الساحة الدولية؛ كبح بعيد الأجل للمشروع النووي والصواريخ في إيران ومنع تمدد الجمهورية الإسلامية بواسطة وكلائها في الشرق الأوسط؛ أيضاً ترميم العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا وفي القارة الأميركية.
  • لإسرائيل علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه المحاور: مثلاً ولايات متحدة قوية عسكرياً واقتصادياً هي ليست سنداً أمنياً واستراتيجياً في الأيام العادية وفي الحرب فحسب، بل أيضاً مكوناً مهماً في قدرة الردع لدولة إسرائيل، وأيضاً المكانة السياسية لدولة إسرائيل ونفوذها في الساحة الدولية والإقليمية سيتعزازن مباشرة إذا نجح بايدن في الحد من الاستقطاب السياسي والاجتماعي داخل بلده، وفي المقابل إذا عملت القيادة في القدس من أجل العودة إلى قلب الإجماع السياسي في الولايات المتحدة.
  • ما سيجري في الساحة الصينية - الأميركية سيؤثر مباشرة في اقتصاد إسرائيل، والمنافسة (أو التعاون) بين الولايات المتحدة وروسيا ستؤثر بصورة غير مباشرة فيما سيجري في سورية ولبنان، وحتى في علاقة تركيا بإسرائيل - لكن الأساس حالياً من وجهة نظر إسرائيل هو ما سيجري في المواجهة مع إيران.
  • يجب أن نعترف بصدق: "الضغط الأقصى" الاقتصادي الذي مارسه ترامب على طهران لم ينجح في حمل إيران على التفاوض على اتفاق نووي وصاروخي جديد، كما لم ينجح في تعديل الاتفاق النووي القديم. الأخطر من ذلك استغلت إيران انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق كي تخرق هذا الاتفاق مع الدول العظمى والتقدم شوطاً كبيراً نحو القنبلة. في تقدير خبراء إسرائيليين ودوليين، إيران اليوم على مسافة ثمانية أو عشرة أشهر من امتلاك رأس حربي نووي واحد. في أيار/ مايو 2018 عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي، كانت إيران على بُعد سنة من الحصول على أول جهاز تفجير نووي.
  • يمكن التقدير أنه إذا لم يُكبَح المشروع النووي الإيراني في وقت قريب يمكن أن تصبح إيران دولة على عتبة النووي في نهاية العام الحالي. لا حاجة إلى العودة إلى الحديث عمّا ستكون عليه تداعيات هذا الوضع. في الخلاصة، سواء امتلكت إيران سلاحاً نووياً أو فقط أصبح لديها قدرة مثبتة لإنتاج سلاح نووي خلال وقت قصير، فإنها ستغيّر وجه الشرق الأوسط، وستتحول إلى تهديد عالمي. إسرائيل سبق أن أعلنت أنها لن تقبل مثل هذا الوضع، لذا هناك احتمال كبير في أن تتحرك عسكرياً لمنع حدوث ذلك. عملية إسرائيلية يمكن أن تشعل حرباً ستنجر إليها دول أُخرى في المنطقة وأيضاً الولايات المتحدة.
  • كبار مسؤولي الإدارة الجديدة - وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جايك سليفان، والرئيس نفسه - يقولون علناً إن هذا السيناريو يطرد النوم من عيونهم، ليس فقط بسبب إسرائيل، بل لأن امتلاك إيران قدرة نووية وصواريخ استراتيجية يشكل تهديداً مباشراً لمصالحهم، ولمواطنين أميركيين، وللأمن القومي للولايات المتحدة. لذا تقول مصادر غربية موثوقة جداً أن حلاًّ، أو على الأقل تسوية موقتة للأزمة مع إيران، هو في رأس أولويات الإدارة الأميركية الجديدة.
  • الاستراتيجيا التي اختارها موظفو بايدن هي مسعى دبلوماسي يقترحون فيه على إيران جزرة وعصى لإقناعها بالتقدم بواسطة مفاوضات وعلى مراحل نحو اتفاق شامل جديد، يضمن لأجَل طويل، ليس فقط كبح المشروع النووي العسكري لإيران، بل أيضاً منع إيران من التطوير والتزود بـصواريخ من مختلف الأنواع (باليستية، صواريخ بحرية، ومسيّرات) وتقليص مؤامرتها الإقليمية بواسطة وكلائها.
  • الولايات المتحدة تعرض عملياً على إيران نموذجاً محسناً من الاستراتيجيا التي انتهجتها إدارة باراك أوباما، عندما سعت وتوصلت إلى توقيع الاتفاق النووي بين الدول الخمس الكبرى وألمانيا (5+1) وبين إيران. بايدن نفسه الذي كان نائباً للرئيس وشارك في صوغ الاتفاق قال قبل 3 أسابيع في مقابلة "يجب تعزيز الاتفاق وتوسيعه."
  • في المؤسسة الأمنية في إسرائيل يعتقدون أن ليس مرغوباً وأيضاً لا داعي لمعارضة شاملة وعلنية للخطوات التي تخطط لها إدارة بايدن في الشأن الإيراني. يقول مصدر إسرائيلي: "يتضح من تصريحات موظفي إدارة بايدن أنهم يرون التهديدات من جانب إيران بالخطورة عينها التي نراها، وأنهم مصممون على منع إيران من أن تصبح نووية."
  • في مقابله أُجريت مع رئيس الحكومة في الأيام الأخيرة لترامب قال بنيامين نتنياهو إن العودة إلى الاتفاق القديم سيكون عملاً غير حكيم، لكن بالاستناد إلى مصادر مطلعة يعترف أن عقوبات ترامب وحدها لن تدفع إيران إلى التراجع عن تطلعاتها النووية، ويدرك أن إدارة بايدن مصرة على السير في القناة الدبلوماسية.
  • الخلاصة: من الأفضل التعاون معهم. مواجهة مع الإدارة الديمقراطية لبايدن في فترة المعركة الانتخابية القريبة يمكن أن تضر بفرص نتنياهو في أن يكون الرئيس المقبل لحكومة إسرائيل، والأسوأ من ذلك - يمكن أن يضر بالتعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة، تحديداً عشية مواجهة كبيرة محتملة مع إيران.
  • في هذا الوضع تبنت القيادتان السياسية والأمنية، بما فيها نتنياهو، لدولة إسرائيل عدة مطالب من إدارة بايدن.
  • المطلب الأول الأساسي - لا تسارعوا إلى التخلي عن الرافعة الاقتصادية على إيران. العقوبات القاسية المفروضة على تصدير النفط، وعلى مشاركة دولة آيات الله في المنظومة المالية الدولية، كانت وتظل الوسائل الأساسية الوحيدة فعلياً التي يمكن أن تقنع الإيرانيين بالدخول في مفاوضات، وأن تُظهر في إطارها استعداداً لتقديم تنازلات.
  • المطلب الإسرائيلي الثاني - تشاوروا معنا ونسقوا معنا. ليس في وقت لاحق بعد الاتفاق على صفقة مع الإيرانيين، بل قبل وخلال الاتصالات الاستهلالية والمفاوضات الأساسية.
  • المطلب الثالث - لا تكتفوا بعودة إيران إلى الاتفاق الأصلي، وبعودة مكونات المشروع النووي العسكري الإيراني إلى الوضع الذي كان قائماً في أيار/مايو 2018 - قبل انسحاب ترامب من الاتفاق. يجب التطلع إلى اتفاق نووي جديد يشمل أيضاً صواريخ من مختلف الأنواع قادرة على حمل رؤوس نووية.
  • المطلب الرابع – حافظوا وعززوا المعسكر الموالي للغرب والمعادي لإيران الآخذ في النشوء في الشرق الأوسط في أعقاب توقيع اتفاقات أبراهام - اتفاقات أنشأت بنية محتملة لتعاون وثيق وواسع لم نشهد مثله بالقرب من إيران.
  • خلفية هذا المطلب هي الضغط الذي يمارسه الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي على إدارة بايدن للتهديد بوقف المساعدة لمصر، ووقف تزويد السعودية والإمارات بالسلاح إذا لم تتوقفا عن انتهاك حقوق الإنسان في بلديهما، وإذا لم توقفا الحرب في اليمن.

الفلسطينيون؟ موضوع غير مُلحّ في واشنطن

  • مجال آخر من المحتمل أن ينشأ فيه نزاع بين الحكومة الإسرائيلية الحالية وبين إدارة بايدن هو المسعى للتوصل إلى تسوية إسرائيلية - فلسطينية. كبار مسؤولي الإدارة صرحوا أنهم يرون أن حل الدولتين لشعبين هو الحل الوحيد المرغوب فيه والممكن، والذي لا يحقق فقط التطلع الفلسطيني إلى الاستقلال، بل أيضاً يحمي إسرائيل من خطر دولة ثنائية القومية يصبح فيها اليهود أقلية.
  • هذا الموضوع أقل إلحاحاً من الموضوع الإيراني من وجهة النظر الأميركية، لأنه أقل قابلية للانفجار، ولأن الخطر الذي ينطوي عليه على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة أقل بكثير. ترامب أعطى إسرائيل في هذا المجال هدية مهمة: في اتفاقات أبراهام حرم الفلسطينيين من القدرة على فرض فيتو على تطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل.
  • تدّعي إسرائيل عن حق أن هذا التطور يمكن أن يخلق مع مرور الزمن مقاربة مرنة وأكثر واقعية للفلسطينيين من حل النزاع. لكن أيضاً في الموضوع الفلسطيني من المتوقع أن يمارس الجناح البراغماتي في الحزب الديمقراطي ضغطاً على إدارة بايدن التي تعتقد أن من واجب الولايات المتحدة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والتوصل إلى حل مستقر للنزاع.
  • لذلك ستطلب إدارة بايدن من إسرائيل عدم "فرض وقائع" على الأرض تعرّض للخطر البدء بمفاوضات سلام مستقبلاً، أي عدم بناء مستوطنات جديدة، وعدم توسيع القديمة أو شرعنة بؤر استيطانية. والنتيجة يمكن أن تكون مفاقمة الخلاف بين حكومة اليمين في إسرائيل وبين الإدارة الجديدة في واشنطن.
  • هاتان هما المسألتان الأساسيتان اللتان يمكنهما تعكير العلاقات بين واشنطن والقدس وعرقلة مساعي إسرائيل للعودة إلى قلب الإجماع وسط يهود الولايات المتحدة، والعودة إلى أن تكون فوق الخصومات الحزبية في السياسة الأميركية. في أغلب الموضوعات الأُخرى، مثل المحافظة على التفوق النوعي والكمّي العسكري لإسرائيل، ليس من المتوقع خلافات في الرأي مع الإدارة الجديدة.
  • لكن يوجد عقبة واحدة إذا لم تُستبعد يمكن أن تشوش العلاقات بين واشنطن والقدس مستقبلاً: العداء وعدم الثقة اللذان يشعر بهما كبار مسؤولي إدارة بايدن والرئيس نفسه حيال رئيس الحكومة نتنياهو. هذا الشعور السيئ خلقه نتنياهو، عندما اختلف مع الرئيس أوباما ومع كبار مساعديه واستخف بهم. هؤلاء المساعدون يحتلون اليوم مناصب كبيرة في المؤسستين السياسية والأمنية في واشنطن. يبقى فقط أن نأمل بأن المهنية والزمن والحس السياسي سيتغلب لديهم على الحاجة إلى تصفية الحساب مع نتنياهو على حساب مواطني دولة إسرائيل.