إسرائيل تأخذ الأرض من الفلسطينيين ولا تعطيهم اللقاحات
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- على نحو غير مفاجئ طلب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أمير أوحانا [الليكود] عدم تطعيم السجناء الأمنيين الفلسطينيين بلقاحات ضد فيروس كورونا. وكما نشر جوش براينر هنا، أول أمس، جاء في البيان الذي وزعه مكتب الوزير أوحانا إنه "يجب عدم تطعيم السجناء الأمنيين بدون مصادقة ووفقاً لتقدم عملية التطعيم بين الجمهور بشكل عام". وقام مدير الوزارة، الذي ترجم بيان الوزير إلى أمر رسمي لسلطة السجون، بإسقاط كلمة "الأمنيين" منه.
- هل جرت عملية الشطب هذه عن وعي وانطلاقاً من الفهم بأنه حتى المحكمة الإسرائيلية سيكون من الصعب عليها الدفاع عن هذا الأمر الوحشي الصادر عن الوزير؟ لا نعرف. لكن الأمر القاضي بـ"عدم التطعيم من دون مصادقة" يبقي الباب مفتوحاً أمام التمييز ضد السجناء الفلسطينيين، ولكن من دون التلويح به.
- تشكل خطوة أوحانا هذه تطويراً للتوجه الإسرائيلي الشائع الذي يدعو إلى معاقبة السجناء الفلسطينيين وعائلاتهم بصورة مستمرة ودائمة، فيما يتجاوز سلب حريتهم ويزيد عنه كثيراً. حين يُقدَّم الفلسطينيون إلى المحاكمات، تجري محاكمة كل منهم على حدة وبمعزل عن السياق العام لحياته في ظل العنف المنهجي، المؤسساتي، الذي يمارسه النظام الإسرائيلي. في السجن وخارج السجن يُنظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم مجموعاً ينبغي الاستمرار في قمعه وتحطيمه. فليُصابوا بعدوى الفيروس، ليعانوا أكثر، ليموتوا قبل أن يُفرَج عنهم: هذا هو معنى الأمر الذي أصدره الوزير أوحانا.
- باستثنائه الفلسطينيين من مجموعة السجناء التي تحتاج إلى تلقي التطعيم والتي تستحق تلقيه، يخطو أوحانا في المسار الذي رسمته اتفاقيات أوسلو، كما طبقتها إسرائيل منذ البداية. المبدأ الموجِّه لدى إسرائيل - ليس المعلَن عنه وإنما المتجسد فعلياً، ماضياً وحاضراً، في ممارساتها الميدانية ـ واضح تماماً: من الجهة الأولى تكرّس سيطرتها على الأرض والموارد الطبيعية (المياه والمحاجر) لدى الفلسطينيين وتستغلها لمنفعتها هي، كما يحلو لها. تسيطر على حدود الفلسطينيين وحيّزهم العام، على حريتهم في التنقل، على أموالهم واقتصادهم. هي ومواطنوها يكسبون من عمل الفلسطينيين، من ممتلكاتهم ومن أرضهم. من الجهة الثانية، تفرض إسرائيل على السلطة الفلسطينية عبء مواجهة الإسقاطات الكارثية الناجمة عن هذه السيطرة ـ بما في ذلك الإفلاس المالي والعجز المالي المزمن ـ وكذلك المشاكل العادية التي تنشأ في أي مجتمع، مثل الأزمة الحادة التي تسببها الجائحة العالمية.
- بموجب هذا المنطق الأعوج، لكن المثابر، يتلقى مستوطنو "معاليه أدوميم"، التي أقيمت على أراضي بلدتي العيزرية وأبو ديس، التطعيمات، بينما أهالي البلدتين الذين فقدوا أراضيهم ومصادر الدخل الأخرى لصالح إسرائيل واليهود، مشطوبون من اللائحة مسبقاً. هذه هي الحال في أي مستوطنة أو بؤرة استيطانية. سكانها ـ مواطنون إسرائيليون يعيشون خارج دولتهم ـ مشمولون، بالطبع، في لوائح متلقي التطعيمات. أما أصحاب الأرض التي سرقها المستوطنون ويعيشون في الجهة المقابلة من الشارع، فهم ليسوا في الحساب.
- على هذا النحو، أيضاً، الفلسطينيون غير مشمولين في معطيات المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، ما يعني إسقاط احتياجاتهم ومستقبلهم من اعتبارات التخطيط الإسرائيلية لدى توسيع شوارع في الضفة الغربية أو شق أخرى جديدة، ولدى تخصيص الأراضي لتوسيع مسطحات المستوطنات أو لدى تطوير وتوسيع بناها التحتية المائية حتى حدود الأقفاص الفلسطينية.
- هذا القفص الكبير والمغلق بالصورة الأكثر إحكاماً هو قطاع غزة الذي فصلته إسرائيل عن الضفة الغربية، قبل أن تفوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية هناك بوقت طويل، بغية تحويله إلى كيان منفصل ومعزول. وبكونه كذلك، لا يستطيع قطاع غزة ولن يستطيع الصمود بقواه الذاتية. ليست حركة "حماس" وقوتها أو سياساتها هي السبب في فصل قطاع غزة وعزله عن العالم، وإنما هي ردة الفعل على سياسة عمرها 30 سنة وعلى نتائجها.
- إن السيطرة الإسرائيلية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، سواء كانت مباشرة أو بجهاز تحكم عن بُعد، هي التي تحد من قدرة السكان على ضمان مداخيلهم ومن إمكانيات التطوير الجماعي. فقد دفعت السلطة الفلسطينية إلى تسول الصدقات التي بواسطتها، فقط، يمكنها شراء معدات طبية ولقاحات. إسرائيل تجني الفوائد من العقارات، من دون أن تتحمل أي مسؤولية عن صحة ورفاهية الفلسطينيين الذين يعيشون في الحيز الخاضع لسيطرتها. كم هو مريح وتوفيريّ ومُربح هذا الوضع.