بغض النظر عن السياسة، مأساة كبيرة تحدث في الشرق الأوسط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • مأساة كبيرة تحدث في منطقتنا، وفي إسرائيل كل موضوع يتحول إلى إنجاز سياسي أو إلى جدل بشأن مسألة إلى مَن يعود الفضل فيه. ينطبق هذا أيضاً على اتفاقات التطبيع التي جرت مع 4 دول خلال خلال 4 أشهر بالعدد. النقاش العام بشأن الرابح والخاسر هو بالتأكيد مهم، ومن الصحيح أيضاً أن الطريقة التي تجري فيها الأمور تساهم في تسييس الاتفاقات، لكن إذا حاولنا أن نضع جانباً الأمور السياسية والأجواء العامة والحروب على مَن يعود إليه الفضل، سنكتشف أن ما يجري أمام أعيننا مأساة كبيرة.
  • نبدأ بالأخبار القديمة - الجديدة: الاتفاقات بين الدول لا تُبنى على الحب أو على علاقة عاطفية، بل على مصالح باردة. هذا ما حدث وما سيحدث من دون علاقة بإسرائيل. كل اتفاق ينطوي على جزرة وعصا بالنسبة إلى الطرفين، وهذا بالتأكيد ينطبق أيضاً على الاتفاقات الأخيرة. الإمارات حصلت من الولايات المتحدة على طائرات الشبح وعلى وقف الضم. البحرين حصلت على مظلة دفاع في وجه التهديد الإيراني. السودان حصل على رفع اسمه من لائحة الدول المؤيدة للإرهاب، والمغرب حصل على اعتراف أميركي بسيادته على الصحراء الغربية.
  • في هذه الأيام التي يجري فيها إحياء مرور 10 سنوات على "الربيع العربي" الذي لم يُحسّن وضع المواطن الصغير في الدول العربية، يمكن القول إن القضية الفلسطينية لم تعد تُحرّك المواطنين في الدول العربية كما كانت في الماضي. والدليل على ذلك أنه خلال 4 أشهر أقامت أربع دول في المنطقة علاقات مع إسرائيل، ولم نشاهد احتجاجات حقيقية. والعالم يكمل حياته العادية.
  • هناك مَن سيقول إن الانظمة في هذه الدول (وليس فقط فيها) تقمع وتمنع. هذا صحيح جزئياً، لكن إذا كان الاحتجاج كبيراً لا يمكن إسكاته وقتاً طويلاً. المس بالرسول محمد في رسم كاريكاتوري في فرنسا أخرج إلى الشوارع عدداً أكبر من الناس في الشهرين الأخيرين. هذا لا يعني أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية اختفى، العرب بالتـأكيد يريدون أن يروا حلاً ونحن مطالَبون به ولا مفر من ذلك. لكن هناك مَن يعتقد أن مقاطعة إسرائيل فشلت، وحان الوقت لتغيير الأسطوانة والحديث عن جوهر الأمور.
  • يجب ألّا تنخدعوا، أنا لا أوهم نفسي. هناك الكثير من الأشخاص في العالم العربي لا يحبّون هذه الاتفاقات، وعقبات كثيرة تعترض نجاحها، بما فيها القضية الفلسطينية من دون حل، لكن مجرد وصولنا إلى وضع يدور فيه نقاش في العالم العربي مع هذه الاتفاقات وضدها - على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي استديوهات التلفزيونات وعلى غيرها من المنصات - هو حدث غير مسبوق في حجمه وله تأثير مُعد.
  • الزعماء في الدول العربية الذين ساروا في هذه العملية لم يفعلوا ذلك حباً بصهيون بل حباً بوطنهم، ومن خلال حساب بارد بأنهم قادرون على مواجهة الرأي العام. وبغض النظر عن مصلحة الطرف الثاني، نحن الإسرائيليون أمام فرصة قد لا تتكرر - فرصة إنشاء تطبيع من الأسفل، وليس فقط علاقات من الأعلى كما تعودنا على مر السنين.
  • في كل يوم أحصل على أدلة على وجود عدد كبير من الأشخاص في العالم العربي يريدون التحدث مع إسرائيليين، ومتعطشين لمعرفة مَن هي إسرائيل ويريدون زيارتها. "لا تصدقوا ما تشاهدونه على التلفزيونات عن إسرائيل" - هذه العبارة قالها لي رئيس بورصة الألماس في دبي، عندما أجريت مقابلة معه في أثناء زيارتي إلى البلد.
  • هذا أيضاً جزء كبير من الموضوع - هذه الصحوة واكتشاف أن إسرائيل ليست الشيطان الأكبر كما قالوا لهم على مر السنوات في كتب التدريس وعبر مجموعة قنوات المعلومات المراقبة. في هذا السياق لا شك في أن القمع الوحشي للاحتجاجات من جانب الأنظمة خلال "الربيع العربي" ساهم أيضاً في تبديد صورة إسرائيل، عندما اكتشف الناس أن شيطاناً أكبر وأكثر خطراً من إسرائيل موجود أمامهم.
  • إذا عرفنا كيف نستغل هذه الفرصة، يمكن أن نربح صداقات طويلة الأجل ستستفيد منها الأجيال المقبلة. الطريق طويلة، وكما في الحياة فترات التعارف الأولى هي الأكثر انفعالاً وإثارة. لكن فقط إذا عرفنا كيف نعزز هذا التعارف ونرسيه على أسس صحيحة من خلال احترام الطرف الثاني والتخلي عن الأحكام المسبقة، سنكتشف أن ما يجري هنا هو أكبر بكثير من سياسة ضيقة وحروب إلى مَن يعود الفضل.