اليسار - الوسط في إسرائيل لم يعد خياراً
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • تعكس الاستطلاعات الأخيرة (التي تعطي بلوك اليمين 70 مقعداً) إحباط الجمهور حيال إدارة أزمة الكورونا، لكن مَن يحصد نجاح تظاهرات الاحتجاج هو تحديداً حزب يمينا. لماذا تنزلق مقاعد كنيست كثيرة نحو هذا الحزب وليس نحو أحزاب الوسط - اليسار التي تشكل أساس المعارضة؟ الجواب هو أنه بينما يركز الاحتجاج في الشوارع على بنيامين نتنياهو، كثيرون من الذين يعاقبون الليكود اليوم في الاستطلاعات يسألون أنفسهم ما الذي يخافون منه أكثر: الكورونا والضعف الظاهري لقيم الديمقراطية، أو أن يقوم ائتلاف اليسار - الوسط بالدفع قدماً بجدول أعمال أجندته وقيمه؟ صعود حزب يمينا الكبير في الاستطلاعات يوضح ما الذي يهددهم أكثر.
  • تتألف كتلة اليمين من ناخبين موزعين على عدة معسكرات لها سلم أولويات مختلفة، بينها قومية قوية، وأمن وسيادة، واقتصاد حر، وكبح النشاط القضائي. نمو كتلة اليمين، بحسب استطلاعات الرأي، يمكن تفسيره بابتعاد أصوات الوسط عن اليسار، لأن اليسار لا يملك منذ عقدين برنامجاً أمنياً واقتصادياً واضحاً يقترحه على الجمهور.
  • من السهل اعتبار نصف الشعب "غوغاء جهلة"، لكن هذا تجاهُل للواقع. أغلبية الجمهور شعرت بعدم وجود شريك في المستقبل المنظور من أجل التوصل إلى تسوية إقليمية أو غيرها. لقد أعطى يتسحاق رابين، وشمعون بيرس، وأريئيل شارون فرصاً للدفع قدماً بـ"شرق أوسط جديد" و"تقارب"، ولم ينسَ أن اتفاقات أوسلو أدت إلى إراقة دماء قاتلة، وأن انسحاب الجيش الإسرائيلي من الحزام الأمني في الجنوب اللبناني سمح لحزب الله بالتحول إلى تهديد استراتيجي، وأن فشل مؤتمر كامب ديفيد (سنة 2000) أدى إلى الانتفاضة الثانية، وأن الانسحاب من غزة حوّل "حماس" إلى عنصر يقدر على شل الدولة.
  • في الوضع الحالي للأمور، المعتدلون وأيضاً الليبراليون من بين ناخبي الوسط واليمين لا يريدون الدخول في مغامرة سياسية جديدة سبق أن فشلت مرات ومرات، بينما البديل في الأفق هو أوهام في دبي.
  • هذا هو رد الجمهور من الوسط إلى اليمين. لكن المثير للاهتمام هو رد فعل اليسار. بدلاً من الاعتراف بخطأ محاولة إرساء التطبيع مع المتطرفين في القيادة العربية، والعودة إلى التفكير في مسار جديد، تبنى اليسار السردية العربية.
  • هذه الظاهرة لا تقتصر على إسرائيل. تُعتبر الهوية القومية في أوساط يسارية أمراً رديئاً في جوهره، بينما ترتفع أهمية الهويات الجندرية والإثنية وغيرها. بروحية ما بعد كولونيالية، يدفع اليسار قدماً بالأجندة القومية للعرب في الضفة الغربية، وفي الوقت عينه يعمل على تفكيك السردية القومية الصهيونية.
  • كثيرون في اليسار غير قادرين على رؤية المفارقة المنطقية هنا. لقد شكّلت سيطرة الخطاب ما بعد الصهيوني عنصراً إضافياً في عملية التبخر السياسي لليسار، وهذا الخطاب يصبغ أيضاً أحزاب الوسط. الحريصون على نقاء اللغة بين ناخبي اليسار سيواصلون احتقار ممثلي الجمهور الذين لا ينسجمون مع رأيهم السياسي. وآخرون سيواصلون تتويج جنرالات مخلصة من خلال أحزاب جديدة. وهؤلاء أيضاً سيفشلون.
  • اليسار الأيديولوجي الحزبي اندثر تقريباً. حزب العمل اختفى، وحزب ميرتس يحاول المحافظة على رأسه فوق المياه. دخلت إلى الفراغ معاهد أبحاث وكيانات متعددة تحاول نشر أفكار اليسار عبر مقاربة نضالية والتحصن في المواقف، وهي بذلك تنجح في غرز وجهات نظر ما بعد صهيونية في أحزاب الوسط - اليسار التي تتخوف من انتماء مطلق إلى اليمين أو اليسار.
  • اتفاقات السلام، والمساعدة في الأمم المتحدة، والنشاطات ضد إيران، اليسار يمحو بسهولة جهد دونالد ترامب مثلما يمحو تأييد صائب عريقات للإرهاب. الأول يتلقى إدانات والثاني تأبيناً عاطفياً. هذه الخطوات تدفع بالناخبين إلى اليمين. لكن اليسار لن يستخلص الدروس وعندما سيخسر مجدداً في الانتخابات المقبلة سيبحث من جديد عن متهمين بدلاً من العمل على خطة للانفصال عن خطاب ما بعد الصهيونية.