المجتمع العربي بين تشرين الأول/أكتوبر 2000 والكورونا
تاريخ المقال
المصدر
- أحيا المجتمع العربي في الأسبوع الماضي ذكرى مرور 20 عاماً على أحداث تشرين الأول/2000 أكتوبر ، فعل ذلك وهو في ذروة أزمة صحية، واقتصادية، واجتماعية تهدد بالعودة بنا 20 عاماً إلى الوراء. من أجل فهم ما يحدث في الموجة الثانية من وباء الكورونا يجب أن نقرأ جيداً مسار التطورات الجماعية العربية في العقدين الأخيرين، منذ اندلاع الحدث الذي يُعتبر تأسيسياً لكل مستويات حياة المواطنين العرب في إسرائيل.
- مع نشوب الانتفاضة الثانية وأحداث تشرين الأول /أكتوبر 2000، التي قُتل فيها 12 مواطناً بأيدي الشرطة، تحولت الأقلية العربية في إسرائيل إلى يتيمة ومجروحة: يتيمة من جهة الأب (الشعب الفلسطيني)، بعد أن اعتبرها اتفاق أوسلو مشكلة داخلية- إسرائيلية؛ ويتيمة من جهة الأم (الدولة) على خلفية الإهمال المستمر وكونها ضحية مباشرة لسياسة كسر العظم، كما تجلت في تشرين الأول/أكتوبر 2000 وما بعد.
- هذه الأحداث يمكن اعتبارها مؤشراً إلى تحطّم الثقة المتبادلة ونقطة دنيا في شبكة العلاقات بين الدولة وبين مواطنيها العرب. وقد أدت خلال العقدين الأخيرين إلى تسريع عدة مسارات متناقضة في سماتها وفي هويتها، ولا تزال تداعياتها حاضرة حتى الآن في الحياة اليومية للمواطنين العرب.
- في المحور الأمني - الوطني، استخدمت الدولة كل أجهزتها لسحق تبلور وحدة الجماعة العربية الذي بدأ في التسعينيات. وفعلت ذلك بواسطة استخدام أنماط مفرطة من عمل الشرطة: من جهة استخدمت الشرطة والشاباك يداً من حديد في البلدات العربية (قمع تظاهرات؛ هدم منازل؛ منع جمع شمل عائلات وغير ذلك). ومن جهة ثانية ترك هذه البلدات في مواجهة نمو العنف والجريمة اللذين يسيطران على جدول أعمال المجتمع العربي ولا يتيحان التبلور من جديد.
- في أعقاب تقرير لجنة أور في سنة 2003 بدأ تفكير جديد في شأن استخدام هذه الأدوات الأمنية، والتركيز انتقل إلى التدخل على المحور الاجتماعي - الاقتصادي، من خلال المصلحة في المحافظة على النمو الاقتصادي في إسرائيل. هكذا بدأت تتبلور خطط حكومية لدمج المواطنين العرب في سوق العمل وفي التعليم العالي، انطلاقاً من النظر إلى المواطن العربي كفرد يضع في رأس اهتماماته تحقيق الرخاء المادي الذاتي.
- سرّعت هذه الخطط عمليات التحديث وتغييرات اجتماعية داخلية في المجتمع العربي منذ بداية الألفية الثانية: صعود النظرة الفردية، تآكل الأجهزة الاجتماعية التقليدية المتمثلة في قوة العائلة ونفوذها؛ تغييرات مهمة في وضع النساء نتيجة توجههن للحصول على تعليم عال.
- لكن هذه العملية بدأت تحدث مع بنى تحتية من الفقر وارتفاع بنسبة 250% في البطالة في الفترة 2000-2003. وكانت النتيجة نمو مجموعة متعلمة وعاملة فتحت فجوات كبيرة مع أغلبية السكان العرب الذين ظلوا فقراء ولم تنجح في التحول إلى طبقة وسطى تجذب المجتمع نحو نمو جماعي.
- أيضاً المحور السياسي أصبح معقداً. على المستوى الوطني، بدأ المجتمع العربي بتطوير منظومة علاقات جديدة مع المجال العربي في المنطقة، ومع الساحة الفلسطينية. ما جرى كان نتيجة شعور بالاغتراب الشديد وتعاظُم تيارين مركزيين في المجتمع العربي في إسرائيل - الحركة الوطنية العربية (بلد)، وحركة الإسلام السياسي (في الأساس الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية)، على حساب التيار الاشتراكي الذي تمثله حداش.
- عودة الحرارة في شبكة هذه العلاقات طورت وعياً بالهوية الوطنية العربية - لكن في أعقاب انهيار الربيع العربي حلت محلها هوية وطنية أقرب - الهوية الفلسطينية.
- في المقابل ينمو جيل ثالث من المواطنين العرب يتماشى مع جهود الاندماج في الاقتصاد الإسرائيلي، وفي الحياة الأكاديمية في الأساس منذ سنة 2010، يجد ملاذاً له في المجال اليهودي – الإسرائيلي - الغربي. هذه العملية خلقت تنافراً فيما يتعلق بمفهوم الهوية المدنية للمواطنين العرب في إسرائيل: من جهة اكتشاف نقاط ترابُط ومصالح مع المجال الإسرائيلي، ومن جهة ثانية هوية جماعية موحدة تواجه بصورة دائمة عملية نزع الشرعية السياسية عنها - اعتبار الحركة الإسلامية غير شرعية، قانون القومية، والملاحقة الدائمة لناشطين سياسيين - إلى حد منع القائمة المشتركة من المشاركة في الائتلاف. يمكن تسمية هذا العقد " عقد الاتجاهات المتناقضة".
- على المستوى المحلي تفاقم الصراع على الموارد، في الأساس على خلفية سيطرة العائلات والعشائر على السلطات المحلية، وانسحاب الأحزاب وتقلص تمثيلهم في المجالس المحلية. هذا الصراع يدور على خلفية نمو زعامة محلية غير أيديولوجية تتغذى من تأييد عائلي أو طائفي، وحتى من أطراف في الجريمة.
- يمكن أن نفهم من كل ما ذُكر أعلاه أن معطيات دخول المجتمع العربي في أزمة صحية اقتصادية من نوع وباء الكورونا ليست مشجعة: عدم ثقة بين السكان أنفسهم نتيجة انتشار الجريمة، وعدم ثقة بين السكان وبين السلطات المحلية وبين القائمة المشتركة، وعدم ثقة بين المجتمع العربي عموماً وبين الحكومة على خلفية أزمة سياسية غير مسبوقة.
- في الموجة الأولى نجح المجتمع العربي في تجنيد أرصدته الداخلية والعمل مع عناصر الدولة، لكن قبيل الموجة الثانية تآكلت هذه الآليات وكانت النتيجة عدم السيطرة على تفشي الوباء.
- مع ذلك، لا يزال هناك مجال للتفاؤل. الكورونا تحمل معها فرصاً كبيرة: تعزيز الحصانة الداخلية للمجتمع العربي من خلال تعزيز السلطات المحلية ومؤسساتها الداخلية، وزيادة جهود بناء الثقة بالدولة على أساس اعتراف يبعث الأمل بقيام شبكة علاقات مختلفة عن تلك التي عرفناها في العشرين عاماً الأخيرة. نأمل ألاّ ننتظر 20 عاماً إضافية.