سلام مقابل حلم: دلالات التخلي عن الضم في ظل التطبيع
تاريخ المقال
المصدر
- منذ إعلان إقامة اتفاق سلام مع الإمارات والبحرين، يسير رئيس الحكومة نتنياهو متباهياً مثل الطاووس: "حققت سلاماً مقابل سلام"، يقول لمن يسأله ومَن لا يسأله. يعرف نتنياهو أنه من أجل تحريك الرأي العام، يجب التواصل معه مباشرة من خلال رسائل بسيطة وسهلة الاستيعاب.
- صحيح أن شعار سلام مقابل سلام هو شعار رائع في بساطته: فهو سهل الاستيعاب، وعلى القافية، وإذا كررناه عدة مرات يبدو موثوقاً به. لكن الفرضية التي تقول إن اليمين القوي يصنع "سلاماً مقابل سلام"، بينما اليسار لا يزال أسير مفهوم "سلام مقابل مناطق"، هي في نهاية الأمر كذبة وضبها نتنياهو في علبة براقة بهدف خطف أنظار الجمهور.
- قبل كل شيء، السلام ليس "مقابل سلام"، بل مقابل التنازل عن "حلم" الضم، الذي دفع به نتنياهو قدماً بوصفه إرثه التاريخي، لا أقل من ذلك. ثانياً، السابقة "سلام مقابل مناطق" مسجلة باسم مناحيم بيغن، من آباء حركة الليكود، الذي تنازل عن شبه جزيرة سيناء من أجل السلام مع مصر.
- في المقابل، في إطار اتفاق السلام مع الأردن، إسرائيل لم تتنازل عن مناطق (باستثناء تعديلات طفيفة على الحدود)، والسلام مع الإمارات والبحرين أيضاً مثل السلام مع الأردن، اشترط الدفع قدماً بتسوية مع الفلسطينيين (رابين في اتفاقات أوسلو، ونتنياهو في التخلي عن الضم).
- بناء على ذلك، ادعاء نتنياهو أنه أوجد نموذجاً جديداً ورائعاً سيختفي قريباً مثل تصريحات كاذبة في الماضي من نوع "لن يحدث شيء لأنه لا يوجد شيء" [إنكار التهم الموجهة إليه]، و"سنُسقط حكم حماس"، أو "سأطبق اتفاق المداورة مع بني غانتس".
- هؤلاء الذين يزعمون الآن أن دولة إسرائيل "استيقظت من وهم السلام"، هم على ما يبدو غرقوا عميقاً في أحلام اليقظة، حيث لا وجود لثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية تحت الاحتلال، ومليوني فلسطيني يعيشون في غزة تحت الحصار. إذا كان اليسار يغرق في "الأوهام" ما هو "حل" اليمين؟ رئيس حكومة إسرائيل يرفض أن يقدم حله للمشكلة.
- لا توجد هنا حلول سحرية: لا أحد يدّعي أن السلام أمر سهل. لكن مَن ينظر إلى الواقع يجب عليه أن يعترف بأن ليس هناك حل آخر. دولة غربية وديمقراطية تريد أيضاً أن تبقى كذلك، لا تستطيع الاحتفاظ بملايين تحت السيطرة العسكرية ومنعهم من إمكان كتابة قصة حياتهم بأنفسهم. رفض المساومة على الأرض سيجرنا إلى التخلي عن ديمقراطيتنا.
- وما يدعو إلى السخرية هنا أن نتنياهو أيضاً يدرك ذلك: بتخلّيه عن الضم يعترف نتنياهو صراحة بأن إسرائيل ستواصل الاحتفاظ بالمناطق فقط ضمن وضع احتلال موقت. كل شيء لعب من أجل مصلحة نتنياهو: رئيس أميركي لم يكن اليمين يحلم بمثله في الماضي، لا مبالاة من جانب العالم العربي، هدوء أمني نسبي من الفلسطينيين. كل ذلك لم يكن كافياً له للوفاء بوعوده للقاعدة اليمينية. في نهاية الأمر، إذا كان نتنياهو وافق على دفن حلم الضم في مقابل السلام مع دولة بعيدة، فإن هذا كما يبدو يقول شيئاً عن الضم وليس فقط عن نتنياهو.