في ظل سياسة داخلية فاشلة، الاحتفال في البيت الأبيض سيكون من إنجازات نتنياهو الكبيرة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • للمرة الثانية في مسيرته الطويلة، وبعد 22 عاماً على توقيع "مذكرة واي بلانتايشن" مع ياسر عرفات، يعود رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن لتحقيق اتفاق سياسي مع حكام عرب، وهذه المرة لإقامة علاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين. نتنياهو كان دائماً دبلوماسياً بارعاً، والاحتفال اليوم (الثلاثاء) في البيت الأبيض سيكون من إنجازاته الكبيرة. فشله المدوّي في إدارة أزمة الكورونا، ومحاكمته الجنائية في ثلاثة ملفات فساد، وصناعة التحريض والأكاذيب تحت زعامته، يجب ألّا تقلل من الأهمية الرمزية لرفع أعلام إسرائيل فوق السفارة في أبو ظبي والمنامة، وعلم الإمارات في تل أبيب، والمشهد السعودي الذي يظهر للمسافرين جوّاً من إسرائيل إلى شرق آسيا.
  • الاتفاق الذي جرى التوصل إليه هو استمرار للتقليد الذي أُرسي في اتفاق كامب ديفيد في سنة 1978 بين مناحيم بيغن وأنور السادات: سلام منفرد بين إسرائيل ودولة عربية، يترافق مع ضريبة كلامية بشـأن حل المشكلة الفلسطينية. بيغن اعترف بـ"الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني"، من دون أن يفصلها، والسؤال المثير للفضول قبل احتفال اليوم هو: ماذا سيقدم نتنياهو في البند الفلسطيني إلى الإماراتيين والبحرينيين، وإلى صانع الحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
  • يمكن أن نتكهن أن هذا هو جوهر المفاوضات بشأن صيغة التصريحات المتبادلة، لأن في هذا البند فقط يكمن ثمن سياسي للطرفين. أيضاً نتنياهو الذي يحاول أن يقدم الحدث على أنه "سلام مقابل سلام"، مثل الوجبات المجانية التي يحبها؛ وأيضاً حكام الخليج الذين يتعين عليهم المحافظة في الظاهر على تمسكهم بالمبادرة العربية التي التزمت بالتطبيع مع إسرائيل فقط مقابل انسحابها من الأراضي [المحتلة] وإنهاء الاحتلال.
  • نتنياهو تنازل (حسناً، حسناً، فقط "أجّل" لزمن غير محدد) عن خطة ضم غور الأردن وأراضي المستوطنات إلى إسرائيل، كدفعة أولى جلبت الإماراتيين إلى حفل التوقيع. هل سيضطر في الاحتفال أيضاً إلى الحديث بإيجابية عن حل الدولتين، الجزء الذي يمقته اليمين في "خطة القرن" لترامب؟ أم أن شركاءه الجدد ومضيفيه سيكتفون منه الآن، مع كل أزماته الداخلية، بكلام عام وغامض بشأن "أيدينا ممدودة للسلام" وثناء على ترامب وخطة القرن من دون الدخول في التفصيلات؟ وماذا سيعطونه لو اقترح جزرة أطيب مذاقاً إلى الفلسطينيين؟
  • منذ إقامته حكومة الأكثرية الوطنية مع حزب أزرق أبيض، وأبقى خارجها نفتالي بينت، وبتسلئيل سموتريتش ومجلس يهودا والسامرة، توجه نتنياهو نحو اليسار. رمى في سلة المهملات الضم الذي تباهى به قبل الانتخابات، واستهواه السحر المُغبر "للشرق الأوسط الجديد". خطاباته بشأن المليارات التي ستتدفق من دبي إلى هنا تذكر بالمبادرات المنسية لخصمه القديم شمعون بيرس الذي وصفه نتنياهو وشركاؤه من اليمين حينها بـ" الفانتازي الواهم" بسبب أفكار مثل "البنك الإقليمي".
  • انتقادات اليسار الحالية للاتفاق مع دول الخليج مفجعة في بؤسها، وتبدو نسخة باهتة عن المعارضة اليمينية لاتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين والمفاوضات الفاشلة مع سورية، مثلاً بحجة أن الإمارات الخليجية ليست دولاً ديمقراطية، وأن الحكم يمكن أن يتبدل لغير مصلحة إسرائيل، تماماً مثل الذي قاله نتنياهو آنذاك عن السوريين والفلسطينيين. اليساريون المخلصون يدّعون عن حق أن الاتفاق مع الإمارات والبحرين لن يحل المشكلة الفلسطينية، ولن يؤدي إلى نهاية النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني- العربي. لكن الاتفاقات مع الأردن ومصر أيضاً لم تنه النزاع ولا الاحتلال، ومع ذلك منحت إسرائيل مقابلاً استراتيجياً هائلاً، لتعزيز أمنها وتطبيع موقعها الإقليمي والدولي. هذا هو المعيار الذي يجب أن نفحص من خلاله العلاقات مع دول الخليج.
  • في "يسار الوسط" الذي يتخوف كعادته من تأييد الفلسطينيين، يتركز النقد كالعادة على الإجراءات: الاتفاق لم ينل موافقة الحكومة أو الكنيست قبل توقيعه، وزير الخارجية لم يُدع إلى حضور الاحتفال، ولم يبلّغ رئيس الأركان، وربما أيضاً وقعوا الاتفاق بقلم أحمر بدلاً من أزرق.  وكأن هذا لا يكفي، قدامى حكومة رابين استرجعوا ذكريات رحلاتهم السرية إلى الخليج [راجع مقال إفرايم سنيه في نشرة عدد أمس] للادعاء أن نتنياهو لم يأت بجديد ولم يحقق شيئاً.
  • إذا لم يكن ما جرى "اتفاق سلام تاريخياً"، بحسب ادعاء نتنياهو، بل عقد إيجار عادي لمكاتب سفارات، ما الذي يزعجكم؟ إذا كان ذلك لا يتجاوز اتفاقات إقامة علاقات مع تيمور الشرقية وجنوب السودان، لماذا لم تطالبوا بطرحه على الاستفتاء العام، وإذا لم يكن أكثر من ذلك، لماذا تغضبون فقط من الاتفاق مع الإمارات والبحرين؟ في الواقع الفارق الكبير يكمن في الانتقال من العلاقات السرية التي كان يستفيد منها فقط حفنة من المقربين من الحكم وتجار السلاح، إلى علاقات علنية تتيح لكل إسرائيلية وإسرائيلي ركوب الطائرة إلى دبي، من دون جواز سفر أجنبي. هذه هي ديمقراطية السلام.
  • نتنياهو ربما يبالغ في حجم الإنجاز التاريخي، أيضاً أسبابه مفهومة، ليس فقط لأنه من محبي المبالغات والعلاقات العامة، بل لأن الخطوة السياسية كشفت في الأساس الاعتماد المطلق لإسرائيل على الولايات المتحدة. هذه الخطوة لم تولد بسبب فكرة سياسية خلاقة بعيدة المدى في مكتب رئيس الحكومة في القدس، بل بسبب رغبة الإدارة الأميركية الحالية في واشنطن في بيع طائرات حربية للإمارات، والاستفادة من شيء من الهيبة السياسية قبل الانتخابات الرئاسية. الاحتفال اليوم سيكون احتفال ترامب الذي تفوق على الاتفاق بين إسرائيل والدول العربية الذي حاول باراك أوباما تحقيقه ولم ينجح في ذلك. ومع ذلك، هذا لا يقلل من الإنجاز، وإذا سمحوا لنا بالخروج من الحجر الذي تسببت به السياسة الداخلية الفاشلة لنتنياهو، يمكننا السباحة في مياه الخليج والتمتع بثمار سياسته الخارجية.