فتح الأجواء السعودية يبدو كدفعة أولى في الصفقة التي جرى التوصل إليها مع الولايات المتحدة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في اليوم التالي لانتهاء الزيارة الرسمية للوفد الرسمي الإسرائيلي إلى أبو ظبي، أعلنت السعودية أنها ستفتح أجواءها لأي طائرة مدنية في طريقها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة – ومن هناك إلى أي دولة في العالم. طبعاً لم يُذكر اسم إسرائيل بصورة علنية، لكن لا حاجة إلى ذلك. السعودية لا تزال حذرة وثمن التطبيع مع إسرائيل سيكون مرتبطاً بالثمن السياسي الذي ستحصل عليه من الولايات المتحدة. تجري نقاشات على قدم وساق في هذا الشأن بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبين صديقه جاريد كوشنير، صهر الرئيس ترامب ومستشاره الخاص الذي يسعى لإنجاز "الصفقة" قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر.
- الزمن يضغط، وترامب يتطلع إلى تحقيق إنجاز سياسي باهر يمكن أن يلوح به في الحملة الانتخابية، بعد انهيار معظم مبادراته السياسية، بما فيها "صفقة القرن"، وتحولها إلى مزحة - وفي أكثر الأحيان خلقت قلقاً عميقاً وسط كل الأطراف. السلام بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة هو خطوة تمثل اختراقاً ويمكن أن تغير الوعي في الشرق الأوسط إزاء إسرائيل، لكنها لا تكفي لتؤكد سريان مفعول "صفقة القرن" لترامب.
- من أجل إثبات النظرية الاستراتيجية التي تقول إن السلام بين إسرائيل والعرب لا يتطلب حل المشكلة الفلسطينية - بل على العكس، السلام مع الدول العربية يمكن أن يُستخدم كمحفز للسلام مع الفلسطينيين - المطلوب حزام عربي أوسع، تنضم إليه دول أُخرى، على الأقل السعودية. لكن لديها شروطاً لذلك.
- بالنسبة إلى الدولة التي كانت في سنة 2002 وراء ولادة النموذج القائل إن في استطاعة إسرائيل الحصول على التطبيع وحزام عربي دفاعي في مقابل انسحابها من كل المناطق المحتلة – وهو معادلة تحولت إلى جزء لا يتجزأ من كل المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، بما فيها خطة ترامب - فإن إقامة علاقات مع إسرائيل ستبدو عن حق، كتراجع عن هذا المبدأ لا عودة عنه. لكن الضرر قد حدث بعد قرار الإماراتيين إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل.
- بقي الآن الحديث عن الثمن السعودي. لقد تحول محمد بن سلمان منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي قبل عامين، إلى شخصية غير مرغوب فيها لدى الجمهور ولدى الكونغرس الأميركي. خلال تلك الفترة لم يقم بزيارة واشنطن، ومصالحه يمثلها شقيقه الأمير خالد الذي كان سفيراً في واشنطن حتى 2019، وعُيّن بعدها نائباً لوزير الدفاع ورئيساً لسلطة الصناعة العسكرية.
- بن سلمان بحاجة شديدة إلى تغيير يعيد إليه مكانته بعد أن بدأ ولي العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة، صديقه محمد بن زايد، يلقي بظله عليه كزعيم ينجح في بلورة سياسة شرق أوسطية جديدة، وكشخصية عربية قريبة من ترامب. السلام مع إسرائيل يمكن أن يشكل خطوة تمثل اختراقاً نحو واشنطن، لكن مقارنة بالإمارات وضع السعودية أكثر تعقيداً.
- من ناحية تعهدت الرياض شراء سلاح أميركي يقدّر بـ110 مليار دولار، وهذا إغراء كبير استخدمه ترامب لمحاولة إقناع الكونغرس بالسماح بالصفقة. وبتشجيع - أو من الأصح القول - بضغط من الولايات المتحدة، تقوم السعودية بتوثيق علاقاتها مع العراق وتقدم له بديلاً في مجال الكهرباء والغاز اللذين يشتريهما من إيران. وذلك جزء من النضال المشترك لكبح نفوذ إيران في الشرق الأوسط.
- من ناحية أُخرى، وقّعت السعودية مذكرة تفاهم مع روسيا، وهي تفحص إقامة مفاعل نووي من صنعها لإنتاج الكهرباء، وعلى ما يبدو تفحص أيضاً إمكان تطوير مشروع نووي يثير الشك في أن له أغراضاً عسكرية. إذا كان لدولة الإمارات طلب مركزي واحد - شراء طائرات أف-35 - فإن رزمة الطلبات العسكرية والسياسية للسعودية ستكون أطول بكثير. لكن أدوات المقايضة لمحمد بن سلمان مقيدة زمنياً. فهو لا يستطيع أن يكون متاكداً من أن ترامب سيظل رئيساً، ويجب أن يأخذ في حسابه وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض - وإدارة ديمقراطية ليست ما يحلم به ولي العهد.
- هنا يكمن الاعتبار الذي يمكن أن يلعب لمصلحة الدفع قدماً بالتطبيع مع إسرائيل، وسواء انتُخب ترامب أو خصمه بايدن، في إمكان إسرائيل أن تفتح أمام بن سلمان طريق العودة إلى واشنطن. فتح الأجواء السعودية أمام طائرات إسرائيلية وغيرها هو خطوة هدفها أكثر من إظهار تأييد للاتفاق بين دولة الامارات العربية المتحدة وبين إسرائيل. هي على ما يبدو الدفعة الأولى من حساب بضاعة يأمل بن سلمان بالحصول عليها من ترامب.
- على ما يبدو في إمكان إسرائيل أن تكون راضية جداً عن التطورات الأخيرة التي حولتها إلى مركز للوساطة الفعالة بين دول عربية وبين واشنطن، من دون أن يُطلب منها دفع ثمن فلسطيني - باستثناء تجميد الضم.
- الإنجازات الدبلوماسية التي حققتها إسرائيل مؤخراً تشمل الاتفاق مع الإمارات، وفتح الأجواء في السعودية، الحديث الهاتفي والعلني بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - الذي هنأ نتنياهو بالاتفاق، لكنه حذّره من خطوات أحادية الجانب في الضفة - وأيضاً الحوار الذي تجريه إسرائيل وقطر بشأن التهدئة في غزة الذي أثمر هذا الأسبوع "وقف إطلاق النار".
- كل هذا يتسرب إلى وسائل الإعلام وتصريحات المعلقين العرب. الانتقادات والإدانات لدولة الإمارات العربية المتحدة ليست غائبة عن وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرسمية، لكن إلى جانبها يمكن رؤية تبدل في الوعي إزاء هذا الاتفاق الذي يضع معارضي التطبيع أمام واقع جديد وتحديات من نوع جديد.
- لكن هذا التغيير لا يحرر إسرائيل من ضرورة حل النزاع مع الفلسطينيين. إسرائيل ادّعت تقليدياً أن حل النزاع يجب أن يؤدي إلى نهاية حالة الحرب مع العالم العربي، ومن دون ذلك لا فائدة من الحل. اعتقدت إسرائيل أنها بذلك تضع عقبة لا يمكن تجاوزها أمام أي مفاوضات مع الفلسطينيين. لكن كلما كبر عدد "دول التطبيع"، فإن هذا الادعاء يصبح فارغ المضمون، وستضطر إسرائيل إلى تحديد النزاع بصورة رسمية على أنه "مشكلة إسرائيلية" وليس مشكلة فلسطينية.