معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- أجرى معهد دراسات الأمن القومي في 14 تموز/يوليو نقاشاً استراتيجياً شارك فيه باحثون من المعهد وخبراء في السايبر. جرى النقاش على أساس سيناريو متخيَّل يصور هجوماً سيبرانياً إيرانياً على المنظومة الصحية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، على خلفية أحداث سُجلت في الأشهر الأخيرة في المجال السيبراني بين إسرائيل وإيران، انفجار في نتانز، وكذلك أحداث أُخرى ليس من الواضح ما إذا كانت وراءها يد موجهة، ومَن هي هذه اليد. بحسب السيناريو، الضرر الأساسي الذي أصاب المنظومة الصحية الإسرائيلية شمل فوضى أساسية في المعطيات. هذه الفوضى أدت إلى موت عدد من المرضى. هذه النتيجة أُضيفت إلى صعوبات تعانيها المنظومة الصحية (مستشفيات، صناديق المرضى، ووزارة الصحة في إسرائيل) جرّاء وباء الكورونا، والاهتمام الإعلامي المكثف بالأزمة، وعدم ثقة الناس بقدرة المنظومة الصحية والحكومية على مواجهة الوباء.
الهجوم الإيراني: ماذا جرى وما الذي أرادت إيران تحقيقه؟
- مع أن السيناريو شمل أيضاً قراصنة روسيين أخذوا على عاتقهم جزءاً من الهجوم السيبراني ضد المنظومة الصحية، فإن الافتراض الأساسي للمشاركين في النقاش كان أن إيران هي المسؤولة كلياً عنه. ونحا المشاركون إلى تحليل العملية الإيرانية كرد على عمليات عسكرية وسيبرانية نُفذت مؤخراً ضد إيران ومنسوبة إلى إسرائيل وأطراف أُخرى في الغرب. وفي تقدير المشاركين أن هذه العمليات دفعت النظام الإيراني إلى القيام برد أقسى من الردود الماضية على عمليات استهدفت أهدافاً إيرانية، وذلك من أجل المحافظة على صورتها القوية حيال الخارج، وفي مواجهة الانتقادات الداخلية. أغلبية المشاركين في النقاش افترضت أن تفضيل إيران العمل على الصعيد السيبراني يدل على رغبة في المحافظة على هامش إنكار، وكذلك للحؤول دون صورة عدائية في الساحة الدولية، ولمنع التصعيد مع الغرب وإسرائيل.
- مع ذلك، جرى تقدير الهجوم الإيراني من المشاركين أيضاً كانعكاس غياب عقبات مقلقة فيما يتعلق بمهاجمة قطاعات مدنية، وتطورات محتملة في مجال السايبر (من التجسس إلى الهجوم، ومن استخدام طرف ثالث تبادل ضربات مباشرة). جرى في النقاش تحليل احتمالين مختلفين لهما علاقة بأهداف إيران: الأول، أن المقصود محاولة توجيه ضربة كبيرة للمس بأكبر عدد من أرواح الناس باءت بالفشل - بسبب قدرات محدودة؛ الثاني، أن المقصود محاولة للتسبب بضرر ضئيل الحجم، كتجسيد ومؤشر ردعي إلى قدرات أكبر بكثير. وعلى أي حال، جرى الاتفاق على أهمية تقدير نوايا إيران بالنسبة إلى قرار الرد الإسرائيلي.
دلالات بالنسبة إلى إسرائيل
- السيناريو الذي عُرض، في رأي المشاركين في النقاش، يشدد على هشاشة "الجبهة الداخلية السيبرانية" الإسرائيلية. في هذا الإطار، المنظومة الصحية معرّضة بصفة خاصة لهجوم سيبراني بسبب اعتمادها على منظومات معطيات مفتوحة، وشبكة كومبيوتر قديمة، وكذلك لكونها متوفرة وموزعة. وعلى الرغم من أن هجوماً كهذا لا يتطلب قدرة سيبرانية عالية بصورة خاصة، فإن المنظومة الصحية لا تُعتبر بنية تحتية حساسة، لذلك فإن مستوى الدفاع عنها منخفض نسبياً. علاوة على ذلك، التوقيت الحساس لأزمة الكورونا يخلق تأثيراً استراتيجياً بسبب شلل منظومة موجودة في مركز "الجهد الحربي" وتعاني بحد ذاتها جرّاء عدم ثقة الناس في إسرائيل بها بعد انتقادات أدائها، وخصوصاً في مواجهة الموجة الثانية من الوباء. هذا نموذج لهجوم سيبراني غير متكافىء، لا يتسلل إلى قلب الأسرار أو إلى عمق البنى التحتية الوطنية الحساسة، لكن يمكنه أن يتسبب بضرر كبير على الصعيدين، المادي والوعي.
هجوم مضاد كجزء من معركة واسعة
ضد المشروع النووي الإيراني
- تناول النقاش مطولاً أهداف إسرائيل في إطار المواجهة مع إيران: إسرائيل مهتمة قبل كل شيء بمنع إيران من التوصل إلى سلاح نووي من خلال المزج بين هجوم مباشر وضغط دولي، مثل حصار وعقوبات. علاوة على ذلك، إسرائيل معنية بمنع إيران من التمركز في أنحاء الشرق الأوسط مع التركيز على لبنان وسورية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل لترسيخ ردع في مواجهة إيران لمنعها من القيام بهجمات سيبرانية. قُدم خلال النقاش رأي يقول إن على إسرائيل أيضاً تفضيل عملية سيبرانية و/أو عسكرية تجاه إيران تكون الولايات المتحدة شريكة في جزء من المعركة قبل انغلاق نافذة الفرص التي يقدّر أنها ستكون موجودة حتى نهاية فترة الولاية الأولى للرئيس ترامب.
- بشأن سيناريو هجوم ضد المنظومة الصحية، شدد النقاش على منطقين. الأول، أنه سيكون عملية رد تمزج بين البعد السيبراني مع عملية سياسية كبيرة ضد إيران، يكون هدفها الردع على مستوى السايبر، وإظهار الثمن المتوقع، وأيضاً ترسيم حدود وقواعد اللعبة للمستقبل. سيناريو هجوم على المنظومة الصحية، وخصوصاً في فترة الكورونا، يشكل فرصة دبلوماسية لاستخدام الهجوم أداة لتكبيد إيران ثمناً سياسياً باهظاً لعمليتها، ومن المحتمل أن يكون في الإمكان الحصول على شرعية دولية للرد أيضاً في مجالات أُخرى. هجوم مقصود على المنظومة الصحية، وخصوصاً في الوقت الحالي، يساعد في عرض إيران بأنها تخرق قواعد القانون الدولي، وكذلك يؤكد هذا الهجوم طبيعة النظام الذي يسعى لزعزعة النظام العالمي. تجدر الإشارة إلى أن رد الولايات المتحدة على هجمات على منظومات صحية في العالم كان حاداً وهجومياً (تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إزاء هجوم على المنظومة الصحية في تشيكيا)، المنطق الثاني، هو استغلال الخطوة الإيرانية - وكذلك أيضاً استغلال نافذة الفرصة الاستراتيجية القائمة عشية الانتخابات في الولايات المتحدة - لشن هجوم واسع على المشروع النووي يمزج بين قدرات عسكرية وسيبرانية.
- طُرحت في النقاش أهداف محتملة لرد إسرائيل على المستوى السيبراني: هجوم على رموز النظام، وكيانات الحكم، مع التشديد على الصناعة العسكرية، وأيضاً احتمال مهاجمة المشروع النووي بحد ذاته. اتجاه آخر محتمل، هو كشف منظومة السايبر الإيرانية المسؤولة عن الهجوم على المنظومة الصحية في إسرائيل. برز في النقاش إجماع على الامتناع من مهاجمة بنى تحتية مدنية. كما اتُفق على أنه من الأفضل أن تحظى مثل هذه العملية بمباركة الإدارة الأميركية، وأن تكون منسَّقة مع الولايات المتحدة. للعمليات السيبرانية بصورة عامة صدى إعلامي، لذلك يجب التأكد من أن يكون مواطنو إيران على علم بنتائج الهجوم وثمنه الفعلي.
- أمر آخر لا يقل أهمية، هو تشديد النقاش على الحاجة إلى رد يهدئ المنظومة الداخلية الإسرائيلية في مواجهة هجوم سيبراني إيراني، ويشمل رفع التعبئة، ولا يقدم لإيران "صورة انتصار".
- يجب تعزيز منظومة الدفاع السيبراني الإسرائيلي، مع التشديد على المنظومة الصحية، وتعزيز منظومة السايبر الصحية بأطراف خارجية خبيرة. ثانياً، يجب التأكد من عدم نشوء حالة ذعر عامة يمكن أن تمس بأداء المنظومة الصحية، وتدفع المستوى السياسي إلى اتخاذ قرارات استراتيجية.