الاستراتيجيا الإسرائيلية في إيران تشوّش وتعرقل – ولا تمنع
تاريخ المقال
المصدر
- التسلل الإيراني إلى فضاءات عربية يهدد المصالح الإسرائيلية، لكن قدرة إسرائيل على تشكيل هذا الفضاء محدودة. لذا، تركز إسرائيل في الأساس على الموضوعات الأكثر حيوية بالنسبة إليها: المشروع النووي الإيراني، والتمركز في سورية، ومشروع الصواريخ الدقيقة، وإزالة تهديدات مباشرة. "مشروع الصواريخ الدقيقة" هو الجهد الإيراني لتطوير قدرة على توجيه ضربة نوعية ضد إسرائيل من الحلقتين الأولى والثانية المحيطة بها، بواسطة تسليح حزب الله بسلاح نوعي طويل المدى، ومن خلال تطوير قدرة إيرانية (أحياناً بواسطة وكيل) لاستخدام سلاح نوعي من سورية والعراق وربما من اليمن وغيرها.
- مشروع الصواريخ الدقيقة - الذي يشمل صواريخ بحرية، ومسيّرات هجومية، وصواريخ ضد أهداف بحرية وجوية - يضع إسرائيل في مواجهة تحدٍّ مزدوج. أولاً، هو بحد ذاته يشكل تهديداً للجبهة الداخلية العسكرية والمدنية لا يمكن قبوله. وكدولة متطورة تكنولوجياً ووظيفياً لكن صغيرة من حيث المساحة، فإن حساسية إسرائيل إزاء التهديد أكبر مقارنة بدول غربية أُخرى. ثانياً، إذا نجحت إيران في التمركز، وفي مشروع الصواريخ الدقيقة، فإنها يمكن أن تقدّر أنها أصبحت تملك أداة كبح تجاه هجوم إسرائيلي ضد مشروعها النووي، إذا عندما يصبح الأمر ذا صلة.
- بالاستناد إلى ما يُنشر، اختارت إسرائيل مواجهة هذه التهديدات بواسطة استراتيجيا تركز على هجوم جراحي ضد وسائل قتالية وأرصدة أُخرى، في الأساس في الأراضي السورية، وفي حالات استثنائية في لبنان. منذ بداية المعركة بين الحروب، قررت إسرائيل المحافظة على هوامش أمان واسعة ضد احتمالات تصعيد تؤدي إلى حرب، وإذا كانت التقارير صحيحة فهي لا تهاجم كل الأهداف المهمة في وقت واحد، بل تختار بعناية المقادير، والوتيرة، والقطاعات، والمخاطر.
- إيران وحزب الله اختارا استراتيجيا العناد والاستمرار في ضخ المزيد من الموارد إلى هذه الساحات، وفي أغلب الأحيان (على الأقل حتى السنة الماضية) ضبطا نفسيهما إزاء الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل. وهما أظهرا قدرة على التكيف عندما نقلت إيران جهود تمركزها إلى عمق سورية، وإلى غربي العراق، وخففت من ظهورها، وتغيرت جهود تسليح حزب الله جزئياً، بدلاً من تهريب السلاح عبر سورية إلى إنتاجه وتحويله في أرض لبنان.
- بعد مرور ستة أعوام على بداية المعركة بين الحروب، تزود حزب الله بسلاح دقيق وسلاح نوعي آخر. صحيح أن جهد التمركز في سورية لم يصل إلى المكان الذي أرادته إيران، لكن طهران لا تُظهر دلائل تشير إلى تخليها عنه. التحديات التي تواجهها تجبرها على إظهار مرونة في الأسلوب، وفي الوتيرة، لكن على ما يبدو، فإن أهدافها بقيت كما كانت.
- هذه النزاعات لم تنته، لكن كخلاصة موقتة، يمكن القول إن استراتيجيا إيران وحزب الله كانت تراكمياً فعالة نسبياً في تحقيق أهدافها. الصبر والاستعداد لضخ المزيد من الموارد إلى الساحات ذوات الصلة سمحا لإيران بأن تطور على الأقل جزءاً من القدرات المخطط لها، حتى لو لم يكن ذلك بالوتيرة والحجم المخطط لهما.
- في السنة الأخيرة، يبدو أن إيران قررت إيجاد معادلة رد، هدفها ثني إسرائيل عن القيام بهجمات مستقبلية. وواجهت عقبات في تحقيق قرارها، وحتى الآن، نجحت إسرائيل في إحباط محاولات الرد. لكن إيران لاعب عنيد ويتعلم، ويجب الأخذ في الحسبان إمكان تطويرها قدرة على العمل أكثر نجاحاً.
- في نيسان/أبريل 2020، حاولت إيران تنفيذ هجوم سيبراني ضد منظومة مياه إسرائيلية، شملت تغيير مقادير وكميات المواد الكيماوية التي تضاف إلى مياه الشرب. لو كان هذا الهجوم ألحق ضرراً كبيراً بالسكان المدنيين، لكان من المحتمل أن لا يكون الرد الإسرائيلي، بحسب ما نُشر، مقتصراً على مجال السايبر.
هوامش أمن واسعة
- ما هي إذن الاستراتيجيا المطلوبة لإسرائيل؟ يتعين على إسرائيل أن تعد خياراً عسكرياً تحسباً لاحتمال استغلال إيران الوضع الاقتصادي والسياسي في الولايات المتحدة للقفز إلى السلاح النووي. ويتعين عليها المحافظة على حوار مكثف مع إدارة دونالد ترامب لمنع مفاجآت أو عدم اهتمام بالموضوع النووي، والبدء بحوار مع طاقم جو بايدن تحسباً لاحتمال فوزه.
- الاستراتيجيا الإسرائيلية ضد النووي الإيراني هي المنع، وليس التشويش والعرقلة، والردع أو الدفاع. لكن أيضاً نشر إيران سلاحاً نوعياً في الحلقة الأولى والثانية حول إسرائيل يولد تهديداً استراتيجياً غير مقبول، ويمكن مواجهته بواسطة مزيج من وسائل هجومية ودفاعية وغيرها، لكن نظراً إلى أنه تهديد كبير عددياً، حتى نسبة صغيرة من أسلحة دقيقة يمكن أن تؤدي إلى ضرر غير مقبول. بناء على ذلك، أيضاً في مواجهة هذا التهديد يجب أن تكون الستراتيجيا المنع.
- الإنجاز الذي حققته المعركة بين الحروب هو تعطيل عرقلة وليس المنع. لذا يجب إعادة فحص النهج. ينطبق هذا أيضاً على مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله. ففي ضوء وتيرة تطوره، بات هذا الأمر يتطلب الآن الهجوم على منظومة بدأت تأخذ شكلاً محسوساً. عملية ضد مشروع الصواريخ الدقيقة والتحويل في لبنان تخدم أيضاً استراتيجيا المنع ضد المشروع النووي، وتزيل التهديد الذي يمكن أن يُعتبر كابحاً لإسرائيل من مهاجمة المشروع النووي.
- تحديد هوامش أمنية واسعة في سورية يتطلب الآن إجراء تحديثين: الأول، مع مرور السنوات أهداف المعركة تغيرت، ومنع مشروع الصواريخ الدقيقة هو مصلحة وطنية حيوية. بناء على ذلك، يجب تقليص مساحة الهوامش، وحتى المخاطرة بتجاوزها.
- ثانياً، هناك حاجة إلى فحص مستوى حرية العمل الممكنة تحت عتبة الحرب من جديد. لقد وضعت إسرائيل إطاراً نظرياً، فيه مستويان ممكنان: المعركة بين الحروب، البعيدة عن عتبة الحرب أو حرب. لكن كما أوضحت لعبة الحرب التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي في شباط/فبراير، ربما هناك مستويات إضافية من الحرية، مثل مواجهة محدودة أعلى من مستوى تركيز المعركة بين الحروب الحالية - لكن مع البقاء تحت عتبة الحرب.
- هذه الأمور صحيحة بالنسبة لسورية، حيث القدرات الإيرانية محدودة وهناك أدوات ضغط (روسيا)؛ لكنها صحيحة بالنسبة للبنان. في السنوات الأخيرة تعاظمت قوة كل من حزب الله وإسرائيل، لذا، فإن ثمن الحرب للطرفين ارتفع كثيراً. لكن تحديداً بسبب ارتفاع الثمن، قرار شن الحرب معقد كثيراًـ ومن المحتمل أن نطاق الاحتواء لدى الطرفين صار أوسع. لذا، من المحتمل أن تتسع مستويات حرية القيام بعمليات تحت عتبة الحرب.
- كلما ارتفع الثمن المتوقع للحرب، ستنشأ مصلحة مشتركة لإسرائيل وحزب الله لإدارة مواجهة محدودة تحت عتبة الحرب، هذا الأمر سيجبر الطرفين على تواصل استراتيجي، وبناء توقعات متبادلة، وضبط العملية العسكرية ضمن نطاق التوقعات التي وُضعت سلفاً (تماماً كما فعل حزب الله قبيل وأثناء إطلاق النار في أفيفيم في أيلول/سبتمبر 2019). الطرفان سيضطران إلى الامتناع من القيام بعمليات يمكن أن تبدو خطأ كبدء حرب، أو لا تترك للطرف الثاني مفراً سوى التصعيد للحرب.
- مع دخول حزب الله عصر الصواريخ الدقيقة، سيصبح تقليص الأضرار التي يمكن أن تلحق بإسرائيل الهدف الأهم لحرب واسعة النطاق، وسيصبح التحدي المعقد المتمثل في الملاءمة بين الإنجاز المتوقع للحرب وبين ثمنها، أكثر حدة.
- الصراع بين إسرائيل وحزب الله يدور في سورية، وفي غزة، وبحسب تقارير منشورة أيضاً في لبنان والعراق، ومن المحتمل أن يكون تعدد الجبهات هو أحد سمات المواجهة المقبلة. في مثل هذه المواجهات يجب المحافظة على مرونة في نقل الجهود بين الجبهات، وعدم الالتزام بجهد قوي جداً في جبهة منفردة.
- الالتقاء بين الساعة النووية والساعات الأميركية (كورونا، ركود، وانتخابات) يمكن أن يشكل نقطة تقترب فيها إيران من خطوط حمراء، بينما الولايات المتحدة مشتتة أو تفحص سياستها من جديد. يتعين على إسرائيل أن تمنع حدوث بقعة ميتة في المعالجة الأميركية للموضوع النووي والإعداد لخيارات عسكرية.
- التحدي الاستراتيجي هو بلورة مواجهة ذات قوة قصوى وعالية بما فيه الكفاية كي تؤثر في سياسة الأطراف المعنية، ومنخفضة بما فيه الكفاية، بحيث يمكن مواصلتها حسب الحاجة.