الصواريخ الإيرانية أكبر خطر على دولة إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- منذ أكثر من عقد يدأب الإيرانيون على إنشاء منظومة ضخمة من صواريخ وقذائف صاروخية لدى التنظيمات الدائرة في فلك إيران حول دولة إسرائيل (حزب الله في لبنان، "حماس" والجهاد الإسلامي في غزة، والحوثيون والميليشيات الشيعية في اليمن وسورية والعراق). يوجد اليوم أكثر من 200 ألف (!) صاروخ وقذيفة صاروخية موجهة إلى المراكز السكنية في إسرائيل، وإلى أهداف استراتيجية، وإلى بنى تحتية أمنية ومدنية حيوية (مثل قطاع الطاقة، وموارد طبيعية: كهرباء، وقود، غاز ومياه، وسائل إعلام، مواصلات، وصحة الجمهور وأمنه).
- تهديد هذه الصواريخ حوّل إسرائيل إلى الدولة الأكثر عرضة للتهديدات في العالم. في العقد الذي أُنشئت فيه هذه المنظومة الضخمة من حولنا، غرقت القيادة الأمنية والسياسية في إسرائيل في سبات عميق. فهي لم تُعدّ الجيش ولا الدولة لمواجهة الخطر المتنامي أمام أعيننا، لا من ناحية القدرة الهجومية ولا من ناحية قدرة الدفاع عن الجبهة الداخلية وإعدادها لاستيعاب سقوط آلاف الصواريخ يومياً.
- في تلك السنوات وحتى اليوم فضّلت هذه القيادة استخدام المعركة بين الحروب التي تتجلى في هجمات جوية على أهداف في سورية من أجل كبح التمركز الإيراني فيها، ولمنع تهريب صواريخ ومكونات تجعلها أكثر دقة إلى حزب الله في لبنان عن طريق سورية. هذه الهجمات الجوية مع كل أهميتها نقطة في بحر، وهي ليست قادرة على كبح السيطرة الإيرانية في سورية، وحتى منع الاستمرار في تحويل صواريخ الحزب إلى صواريخ دقيقة؛ هي تعطي الجمهور انطباعاً بأننا نسيطر على الوضع، لكن الأمر ليس كذلك. مكونات الصواريخ الدقيقة تنتقل من إيران عن طريق البر، أو عن طريق البحر، أو بطائرات لتصل مباشرة إلى يدي حزب الله.
- إحساسي هو أن التاريخ يعيد نفسه، فالهجمات في سورية تذكّرني بالمعركة الجوية التي جرت قبل شهر من حرب يوم الغفران [حرب أكتوبر 1973] على الحدود بين سورية وإسرائيل، وعلى الحدود بين سورية ولبنان. في هذه المعركة أسقطنا 12 طائرة ميغ سورية وسقطت لنا طائرة واحدة فقط. هلّل شعب إسرائيل لانتصارنا الجوي وشعر بأن لديه جيشاً ما من قوة تستطيع الانتصار عليه. بعد مرور شهر على هذه المعركة، نشبت حرب يوم الغفران، ودفعنا فيها ثمناً باهظاً جداً للغطرسة والمكابرة.
- أشعر بأننا اليوم في الوضع عينه: قصفنا في سورية الذي يؤثر مثل نقطة في بحر، يصرف أنظار القيادة الأمنية والسياسية عن الانشغال بالأساس، وهو – إعداد مكثف للجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية للخطر الوجودي المتعاظم من حولنا. منذ عدة سنوات، الجيش الإسرائيلي مشغول بالمعركة بين الحروب، وليس بالتحضير للحرب المقبلة. هذه العملية تخدم الإيرانيين الذين درجوا على عدم الرد بقوة على ضربنا عناصرهم وبناهم التحتية التي يبنونها في سورية. هدفهم هو تنويمنا لنتيح لهم أن يستكملوا بهدوء عملهم في ترسيخ منظومة الصواريخ من حولنا، والامتناع من خلق توترات وانفجار قبل إنجاز عملهم. وهم ينتظرون الوقت الملائم لهم وصبرهم كبير جداً.
- تصريحات نفتالي بينت، عندما كان وزيراً للدفاع، بأن الإيرانيين يخرجون من سورية، تدل على أن التكتيك الإيراني بتنويم قيادتنا إلى أي حد هو ناجع؛ هم ينتظرون مثل هذه التصريحات تحديداً. الإيرانيون يسيطرون حالياً على سورية سيطرة لا حصر لها. النظام السوري تحول إلى ألعوبة يحركها الإيرانيون ويسيطرون عليها. سورية والعراق هما جسر من ذهب يربطان إيران بحزب الله في لبنان. مؤخراً فقط، أعلن زعيم حزب الله حسن نصر الله، أن مشروع الصواريخ الدقيقة انتهى وأُنجز. حتى لو كان يبالغ، فلا شك في أنه يجب الرد على كلامه بجدية كبيرة قبل أن يؤدي إطلاق آلاف الصواريخ يومياً نحو أهداف استراتيجية وأمنية ومدنية، وإلى المراكز السكنية إلى إعادة إسرائيل عشرات السنوات إلى الوراء، ويصيب سكانها واقتصادها بضربة قاتلة.
- من الناحية الإيرانية، توجيه ضربة تقليدية هائلة لإسرائيل تكفي قطعاً وتؤدي إلى النتائج المرجوة بالنسبة إليهم. السلاح النووي الإيراني الذي يسعون للحصول عليه، هدفه في نظرهم خلق توازن رعب بين إيران وإسرائيل. بالنسبة إليهم، إطلاق كتلة كبيرة من الصواريخ التقليدية نحو إسرائيل من كل التنظيمات الدائرة في فلكهم، سيتسبب بأضرار جسيمة لإسرائيل لا تقل عن أضرار قنبلة نووية، إنما من دون إشعاعات نووية. إطلاق مثل هذه الكتلة من الصواريخ لن يعتبره العالم تجاوزاً للخطوط الحمراء للقانون الدولي الذي يمنع استخدام سلاح نووي.
- محاولة الإيرانيين بناء قدرة نووية هدفها التلميح إلى إسرائيل: "انظروا لقد حذرناكم، إذا استخدمتم سلاحاً نووياً ضد إيران، سنضربكم بسلاح لا يقل فتكاً عن النووي." في هذه المعادلة هناك مشكلة خطرة جداً لإسرائيل، لأنها لا تملك رداً على 3000 صاروخ كبير وصغير يُطلق عليها يومياً، مئات منها هي صواريخ دقيقة تحمل مئات الكيلومترات من مادة متفجرة في كل صاروخ. إذا سقطت الصواريخ يومياً على المراكز السكانية في غوش دان وخليج حيفا، وبئر السبع، والقدس، وإذا أصابت أهدافاً استراتيجية وأمنية ومدنية، فإنها ستكبد إسرائيل خسائر فادحة وأضراراً جسيمة من الصعب توقّع حجمها.
- في نظر الإيرانيين، توازن الرعب النووي الذي سينشأ بين إيران وإسرائيل سيمنع هذه الأخيرة من استخدام سلاح نووي، وسيمنح إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها تفوقاً كبيراً على إسرائيل. توازن رعب نووي كهذا يمكن أن ينشأ أيضاً إذا إيران كانت اشترت - أو ستشتري في المستقبل - بضع قنابل نووية من كوريا، قبل أن تنجز بنفسها تطوير قنبلة نووية.
- هذا الوضع يفرض على متخذي القرارات في المستويين السياسي والعسكري الدخول في جوهر ما يجري والبدء فوراً بنقاشات حتى التوصل إلى قرارات لتطبيق فوري، ووسائل عمل لإسرائيل والجيش في مواجهة هذا التهديد الوجودي.
- ويجب أن يكون من بين هذه القرارات إنشاء مجلس له صلاحيات يمنحها القانون، تكون مهمته بلورة عقيدة أمنية قومية، والتفكير في حلول دفاعية وهجومية في مواجهة صواريخ العدو وقواته البرية. ويقترح هذا المجلس كيفية الدفاع عن السكان في الأماكن الحساسة، ويعالج في العمق ما المتوقع أن تكون الجبهة المركزية في الحرب المقبلة- الجبهة الداخلية. تقوم الحكومة بتحويل الحلول المقترحة إلى مشاريع وطنية، مثل تطوير الليزر الشديد القوة.
- هذه القرارات ستشمل تعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي على الدفاع عن حدود الدولة وقدرته على شن هجوم في أماكن تحسن قدرته على الحسم. مليارات كثيرة من الشيكلات التي تذهب اليوم هباء يمكن تحويلها إلى هذه الموضوعات، من خلال زيادة نجاعة الجيش ووزارة الدفاع، في الأساس في مجال مشتريات السلاح والعقود بين وزارة الدفاع وشركات مدنية (مثل شراء الغواصات ومشاريع أُخرى كثيرة).
- يصر مراقب الدولة لسبب ما على عدم المبادرة إلى انتقاد واسع في وزارة الدفاع والجيش لكل ما له علاقة في مجال المشتريات والعقود والمشاريع الكبرى. على ما يبدو، هو يتخوف من أن يفتح صندوق باندورا، على الرغم من أن مهمته، بحسب القانون، اقتراح وسائل لتحسين سلوك سيء، من أجل الاستغلال الناجع لميزانية وزارة الدفاع والجيش لتعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي.