ثلاثة معسكرات معارضة للضم
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في مواجهة الرهان الجريء للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بضم أجزاء من الضفة الغربية، نهضت على قدميها ثلاثة معسكرات سياسية منفصلة ومختلفة. إذا أردنا فك رموز إسرائيل في سنة 2020 واللعبة السياسية غير المهمة التي تجري فيها، يتعين علينا التمييز بينها والوقوف على ملامحها.
- المعسكر الأول يضم الجزء الأكبر من كتلة المستوطنين ومؤيديهم المتحمسين الذين يسكنون داخل حدود الخط الأخضر. يرى هؤلاء، عن حق، في الضم المقترب خطراً، لأن مثل هذه الخطوة يمكن أن تكون مرتبطة مستقبلاً بالتخلي عن جزء مقدس من أراضي "أرض إسرائيل". وإذا تحقق الضم، لا سمح الله، يمكن أن تنشأ دولة بنتوستان فلسطينية في قلب الوطن التاريخي. مدينة نابلس التي كانت عزيزة على قلوب أجدادنا، وبيت لحم المكان الذي دُفنت فيه راحيل أمنا، والأسوأ من كل ذلك- الخليل مدينة إبراهيم أبينا، يمكن أن تصبح تحت سيطرة الأغيار الغوييم من غير اليهود.
- ألم يكن كافياً أننا تخلينا في سنة 1948 عن أرض إسرائيل الشرقية؟ ألا يجب أن يشكرونا لماذا لم نطرد بعد الغزاة الفلسطينيين من أرض إسرائيل الغربية؟ خطة الضم الحالية رديئة وهزيلة. حتى إيغال آلون وأنصار اليسار الصهيوني كانوا سيخجلون من دعمها.
- المعسكر الثاني هو النقيض المطلق للأول، يعارض الضم بشدة، ويضم الأغلبية الساحقة من الإنسانيين الليبراليين المعارضين للاحتلال بشدة. هؤلاء يتخوفون، عن حق، من أن ضم الضفة، مثل ضم القدس في سنة 1967، لن يشمل إعطاء الجنسية للمواطنين الذين جرى ضمهم. ألا يكفي أن نحو 39%، أي قرابة 400 ألف من سكان عاصمة إسرائيل ليسوا مواطنين متساوين في الحقوق منذ 53 عاماً، ولا أحد يتحدث عن ذلك في الكنيست، الموجود على مسافة قريبة من مساكنهم؟
- بالإضافة إلى ذلك، ضم غور الأردن ومناطق إضافية سيمنع مستقبلاً أي حل واعتراف متبادل وأي إمكان لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. هذه طريق معبدة لتأسيس دولة أبرتهايد يهودية ستقوض وجود إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية، ضمن حدود أيار/مايو 1967، ربما تكون "معدّلة" قليلاً ولكنها منصفة.
- المعسكر الثالث المعارض للضم هو الأكبر. ويضم الذين يعيشون بسلام مع الاحتلال، لكنهم يتخوفون من أن يقوّض الضم الهدوء والاطمئنان اللذين ميّزا عيشنا حتى الآن (حتى الكورونا على الأٌقل). في الواقع، الفلسطينيون تعودوا على العيش من دون سيادة، ومن دون حقوق مواطَنة طوال نصف قرن: ومن دون فكرة الضم التي فرضتها علينا واشنطن ترامب، من الممكن أن يعيشوا هكذا بعون الله على الأقل نصف قرن آخر.
- لمَ لا؟ حياتهم أفضل من حياة المواطنين الذين يُقصفون في سورية، أو اللاجئين الفلسطينيين ونسلهم الكثير الذين يعيشون في لبنان أو في غزة. صحيح أن العالم يتذمر، لكنه يقبل الاحتلال، بل وحتى تعوّد عليه. على الرغم من الثرثرة الليبرالية، فإن حقوق الإنسان للفلسطينيين لا تهم الأوروبيين، ناهيك عن أن الشرقيين بينهم الذين كانوا سابقاً معادين للسامية قلبوا جلودهم، وهم اليوم معجبون بعلاقتنا الحكيمة التي تستحق التقدير حيال المسلمين.
- حقيقة أنه من الناحية القانونية، منذ سنة 1945 العالم ليس مستعداً لتحريك حدود بالقوة والتعسف ولو متراً واحداً يمكن أن يعقّد استمرار وجودنا في الضفة الغربية، وكذلك أيضاً مشروع تكثيف المستوطنات المستمر بتشجيع سري أو علني من قِبل كل حكومات إسرائيل.
- جدودنا (وليس جدود جدودنا) عرفوا جيداً أن تحقيق الرؤيا الصهيونية وإحياء الصحراء حدثا من خلال استراتيجيا معقدة "دونم من هنا وعنزة من هناك"، وليس بواسطة تكتيك غير مسؤول "ضربة واحدة وانتهينا". هكذا بنينا دولة يهودية عظيمة وهكذا نوسعها بمرونة وحكمة.
- وفي الواقع، شيئاً فشيئاً سيغادر الكثير من الفلسطينيين أراضي الضفة الغربية- النخبة بينهم تفعل ذلك اليوم- وبهذه الطريقة سيتحسن الميزان الديموغرافي بالتدريج. مع ذلك يجب علينا الحرص على مواصلة إظهار فرادة ماضينا التاريخي، وليس فرادة السياسة التي تخدمنا اليوم في أرض الوطن التي نعرف بالتأكيد أنها كانت دائماً لنا، وستبقى لنا إلى الأبد.
- كل قارئة وقارىء يستطيع أن يتماهى طبعاً مع أحد المعسكرات، أو أن يرسم خطوط مخطط معسكرات إضافية. لكن لا أستطيع أن أمنع نفسي من القول إن المعسكر الثالث يذكّرني بالشخص الغاطس في بركة مليئة بأقذار تصل إلى حدود شفته السفلية ويحرك فمه بصعوبة متوسلاً: "لا تصنعوا أمواجاً".