إسرائيل، دول الخليج، ومشكلة الضم
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج تطورت خلال العقدين الأخيرين، وخصوصاً في السنوات الأخيرة في عدة قنوات متوازية ، متداخلة أحياناً لكن منفصلة: قناة أمنية - استخباراتية ظلت بطبيعة الأمر سرية؛ قناة اقتصادية - تجارية صامتة هي الأُخرى؛ وفي السنوات الأخيرة أيضاً قناة حوار بين الأديان وبين الثقافات. بالإضافة إلى السرية التي تميز أغلبية العلاقات، بدأت أيضاً مع مرور الوقت علاقات علنية، أقل تطوراً نسبياً، تشمل حالياً لقاءات بين مسؤولين كبار من الطرفين، في الأساس بين أشخاص شغلوا في الماضي مناصب رسمية، وتشمل تمرير رسائل علنية. في الفترات التي شهدت فيها الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية تقدماً سياسياً كانت العلاقات أكثر علنية من الوقت الحالي، وشملت إقامة ممثليات إسرائيلية رسمية في عُمان وقطر. التأرجح في العلاقات - تقرّب من إسرائيل، وأحياناً ابتعاد عن العلاقة معها - عبّر عن تفاعل مع خطواتها وسياساتها في السياق الفلسطيني، وجسّد الانسجام الإيجابي بالنسبة إلى دول الخليج بين الموقف من التطبيع مع إسرائيل، وبين خطوات إيجابية تتخذها إسرائيل في نظرهم إزاء التسوية مع الفلسطينيين.
  • مع استمرار هذه الدينامية، من المتوقع أن تؤدي خطوة الضم إلى تراجع جوانب مختلفة للتطبيع مع إسرائيل، وخصوصاً العلنية منها. وذلك على الرغم من أن القضية الفلسطينية لم تعد على رأس جدول أعمال هذه الدول اليوم، وعلى الرغم من شكوك هذه الدول، وأحياناً من عدائها إزاء السلطة الفلسطينية و"حماس". مع ذلك، يمكن التقدير أن كلام كبار المسؤولين في دول الخليج ليس من نوع "الضريبة الكلامية"، وسيلحق ضرراً بجوانب مختلفة للتطبيع حالياً. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع قيام تناسب إيجابي بين حجم الضم المتوقع وبين قوة معارضة الجماهير العربية له، وبين حجم الضرر الذي ستتعرض له العلاقات مع دول الخليج. لكن يمكن أيضاً التقدير أن التعاون الأمني الصامت، حتى لو تأثر جرّاء تردي العلاقات، فإنه لن يتضرر بصورة كبيرة ومستمرة. مع ذلك، ونظراً إلى أن إسرائيل أعطت طوال سنوات أهمية كبيرة للجانب العلني في علاقاتها مع الدول العربية، وخصوصاً مع تلك التي ليست لديها علاقات رسمية معها على الرغم من المصالح المشتركة، فإن الإضرار بالجوانب العلنية التي تراكمت مع الوقت وبجهد كبير، سيكون له تداعيات استراتيجية سلبية بالنسبة إليها.
  • مؤخراً، نشرت صحف إسرائيلية مقال يوسف العتيبة (12 حزيران/يونيو في "يديعوت أحرونوت")، ومقال نواف عبيد (16 حزيران/يونيو في "هآرتس") وهو مستشار سابق للحكومة السعودية، توجها فيهما مباشرة إلى الجمهور الإسرائيلي. في المقالين، وهما بحد ذاتهما نوع من التطبيع – يسعى الكاتبان لثني إسرائيل عن ضم مناطق في الضفة الغربية - وتضمّنا أيضاً تهديداً بالمس بالعلاقات مع إسرائيل، إذا جرى تنفيذ الضم. في الوقت عينه، اقترح الكاتبان ضمناً على إسرائيل تحسين العلاقات، إذا تخلت عن نوايا الضم. العتيبة ربط في مقاله بين العلاقات مع إسرائيل والحوار بين الأديان الذي ظهر في السنوات الأخيرة في العالم العربي، وهدد ضمناً أيضاً بتضرره. وذكّر عبيد، من بين أمور أُخرى، بالسماح لشركة طيران هندية بالسفر إلى إسرائيل، ومنها العبور في الأجواء الجوية السعودية، كبادرة حسن نية تجاه إسرائيل، صحيح متواضعة،  لكن يمكن التراجع عنها إذا نُفذ الضم.
  • موقف مختلف قليلاً من الضم عرضه أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، في الخطاب الذي ألقاه ضمن إطار مؤتمر اللجنة اليهودية - الأميركية (AJC) الذي عُقد في 14-18 حزيران/يونيو. أعرب قرقاش عن معارضته اتخاذ خطوات إسرائيلية أحادية الجانب، وعن تأييده مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية. لكنه ميّز بين الخلاف في الآراء مع إسرائيل في القضية الفلسطينية وبين القدرة، لا بل الحاجة إلى التعاون معها في قضايا إقليمية أُخرى.
  • مقال العتيبة وكلام قرقاش حظيا بانتقادات حادة على وسائل التواصل الاجتماعي، في الأساس وسط الفلسطينيين. العتيبة، لأنه وصف إسرائيل كـ"فرصة وليس عدواً" ووعدها بتعويضات متنوعة إذا امتنعت من "السيطرة غير القانونية على أراض فلسطينية". وقرقاش، لأنه وعد ضمناً باستمرار التعاون مع إسرائيل حتى إذا نفّذت الضم. هذه الانتقادات توضح تخوف زعماء الدول الخليجية من المس بمكانتهم في العالمين العربي والإسلامي، ومن غليان شعبي  يضر باستقرار أنظمتهم، إذا لم يعبّروا عن معارضتهم للضم. بالإضافة إلى ذلك، إيران وتركيا - الخصمان الإقليميان لدول الخليج - يمكن أن يحصدا نقاطاً بسبب معارضتهما للضم. مقارنة بهما، زعماء دول الخليج يمكن أن يظهروا وكأنهم ليس فقط تخلوا عن الفلسطينيين، بل كمتعاونين مع إسرائيل.
  • موقف دول الخليج إزاء القضية الفلسطينية هو متحرك ومر بتغيرات معينة في العقدين الأخيرين. في الماضي اشترطت دول الخليج تطوير العلاقات بينها وبين إسرائيل بتسوية سلمية شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن في السنوات الأخيرة تآكل هذا الموقف عملياً. حالياً موقف الدول قريب أكثر من الصيغة التي عرضها عبيد في مقاله، والتي بحسبها، التقدم في الساحة الفلسطينية سيرد عليه بتحسن العلاقات العلنية مع إسرائيل. هذا الموقف هو إلى حد بعيد تسوية بين الموقف الإسرائيلي والموقف الفلسطيني. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سعى في السنوات الأخيرة لإعطاء الأولوية لتحسين العلاقات مع دول الخليج والمغرب العربي وتفضيلها على القناة الفلسطينية. مؤيدو هذه الاستراتيجيا ادّعوا أنه يمكن استخدامها للضغط على الفلسطينيين من أجل إبداء مرونة والموافقة على تسوية سياسية، بينما ادّعى منتقدوها أن الهدف منها في الواقع قطع الطريق على عملية سياسية. وعلى أي حال، عمل الفلسطينيون على كبح مظاهر التطبيع العلني بين إسرائيل والدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، للاحتفاظ به كورقة مقايضة في مواجهة إسرائيل.
  • يتطابق كلام المسؤولين الثلاثة مع ازدواجية في علاقة دول الخليج مع إسرائيل طيلة سنوات عديدة. يجب التذكير بأن مصدر هذه الازدواجية أيضاً سعي دول الخليج للمحافظة على علاقات جيدة مع واشنطن، وخصوصاً على خلفية التهديد الذي تشكله إيران لهم. صحيح أن قدرة دول الخليج على توثيق علاقاتها وإعطائها طابعاً علنياً محدودة جرّاء الجمود السياسي المستمر على القناة الإسرائيلية - الفلسطينية، لكن تهديدات مشتركة تحافظ على التعاون بين الطرفين، الذي يعتبر سرياً في الأساس، ويمكن التوقع أن مشكلة الضم إذا خرجت العملية إلى حيز التنفيذ، لن تقضم بصورة كبيرة التعاون الأمني الصامت. في كل الأحوال، ستخرج إيران رابحة من تطبيق خطة الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية: ليس لأن هذا سيحول الانتباه عن تقدمها نحو امتلاك قدرة نووية عسكرية، بل لأنه سيجعل من الصعب على إسرائيل حشد شرعية دولية لخطوات ضدها.
  • بناء على ذلك، ليس هناك بالضرورة تعارُض بين كلام المسؤولين الثلاثة الكبار في دول الخليج بشأن مسألة الضم. الضم، إذا تحقق، لن يؤدي إلى قطع جارف للعلاقات بين هذه الدول وبين إسرائيل، لكنه بالتأكيد سيؤذي القدرة على الدفع قدماً بتعاون علني. على الرغم من العلاقات مع إسرائيل ليس في إمكان دول الخليج إدارة ظهرها للمشاعر الفلسطينية. من ناحيتها، على الرغم من عدم وجود تقدم سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن الوضع القائم في ساحة النزاع يسمح لها بالتركيز على مشكلات داخلية وخارجية أكثر إلحاحاً.
  • ليس واضحاً ما إذا كانت إسرائيل وُعدت بتعويض معين إذا قلصت أو ألغت خطوة الضم المخطط له، لكن ثمة شك في أن يكون ذلك مهماً، لأنه بالنسبة إلى دول الخليج هي فعلت ما يكفي إزاء إسرائيل في الوضع القائم، ما دام النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني لم يُحل.