هل يمكن القول إن الضم لن يحدث؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- هل يمكن القول إن الضم لن يحدث؟ نتنياهو لن يضم مليمتراً واحداً. يبقى فقط أن نرى كيف سينزل عن الشجرة. ما هي الذرائع التي سيتمسك بها، وعلى من سيُسقط التهمة (موجة ثانية من وباء الكورونا، احتجاج السود في أميركا، حزب أزرق أبيض). في هذه الأثناء، نجح في توحيد ائتلاف دولي مؤثر ضد هذا الوهم الأحمق. العالم الكبير توقف قليلاً عن الاهتمام بالوباء والأزمة الاقتصادية، ورص صفوفه وأوضح التداعيات. الأردن، المحور السني المكوّن من السعودية ودول الخليج، الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة. أيضاً البيت الأبيض أصبح بارداً، والجمهوريون صامتون.
- جميع هؤلاء هم أصدقاء إسرائيل. ولم نتطرق بعد حتى إلى رد محتمل من السلطة الفلسطينية، ومنظمات الرفض وباقي الأطراف والدول التي لا تحبنا. هذه نهاية عرض الساحر الكبير، رجل الدولة الذي أقنع عقل الإسرائيليين طوال سنوات بأن العالم كله تحت قدميه، ولا يوجد أحد غيره.
- طبعاً هذه هزيمة لنتنياهو. هو هزم نفسه. منذ البداية كان المقصود نزوة شخصية، تدخل في مجال النظرية والطقوس أكثر مما تدخل في مجال الواقع. لذلك، فهي تعني نسبة قليلة فقط من الإسرائيليين كما يظهر في استطلاعات الرأي العام. في الواقع، أراضي الضفة الغربية وغور الأردن ضُمت تلقائياً منذ وقت طويل. كل من زار هذه الأماكن في الـ53 عاماً الأخيرة رأى ذلك. فُرضت سيادة إسرائيلية على المستوطنات منذ لحظة إقامتها. سكانها يصوتون للكنيست ويدفعون ضرائب، وأحياناً يخدمون في الجيش الإسرائيلي، بل وحتى يوجد أيضاً مستوطنان في المحكمة العليا.
- كل مسرحية الضم وُلدت كمناورة سياسية، للحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات المستوطنين ومنع حدوث قضم انتخابي من ناحية اليمين. هناك من يقول إنه أُضيفت إلى ذلك أيضاً نشوة القوة والتطلع إلى ترك إرث (Legacy)، بحسب كلامه. هذا لا يغيّر شيئاً. الأكثر أهمية حقاً والمقلق حقاً هو الصورة الكبيرة.
- الفكرة المرفوضة للضم الأحادي الجانب قادت تفكير نتنياهو المحموم ودفع بها قدماً من دون إزعاج. وهذا يطرح علامة استفهام كبيرة بشأن علاقته بالواقع. لكن الأخطر من ذلك، هذا يطرح علامة استفهام بشأن إسرائيل كديمقراطية تؤدي وظيفتها، مع توازنات وكوابح، أجهزة عمل منتظمة في طواقم عمل، وعملية اتخاذ قرارات، وأعمال الرقابة والتحكم. بحسب تطور خطة الضم، الوضع ليس كذلك. يوجد هنا سلطة حاكم أوحد، له مميزات ملكية، مدعوم من مساعدين وترافقه جوقة صاخبة من الخصيان. الأجهزة تفككت، الموازين والكوابح انحلت. أين المجلس الوزاري المصغر، أين مجلس الأمن القومي؟ أين وزارة الخارجية؟ أين الجيش والاستخبارات العسكرية والموساد والشاباك؟
- ما يحدث عملية مدمرة وكارثية يمكن أن تؤذي بشدة الوضع السياسي والأمني والاقتصادي لإسرائيل، ولا تنطوي على أي فائدة على المستوى الوطني والاستراتيجي. لقد أوضح الأردن أن معناها إبطال فوري لاتفاقات السلام. وحذرت أوروبا من العقوبات. والمعارضة الفلسطينية هي أمر مؤكد تقريباً. الواقع أن الجيش يستعد لـ"سيناريو تصعيد" ويجري "مناورات حرب". إنما لا يعرف لأي حرب يستعد ـ لأنه ليس هناك خريطة. ليس فقط غانتس ليس لديه خريطة أو موقف. ليس لدى أحد خريطة، حتى نتنياهو.
- الخلاصة هي أنه على رأس هذه الدولة يوجد شخص خطِر ومنقطع عن الواقع. في هذه المرحلة لا فائدة من التعامل معه بالحجج. كما يجب ألّا نعلق عليه آمالاً لا طائل منها، أو على رئيسي الأركان السابقين الجبانين اللذين اختارا تنصيبه ملكاً مرة أُخرى. الحظ الوحيد لإسرائيل هو أن دول العالم، على ما يبدو، تطوعت هذه المرة لإنقاذ إسرائيل من نفسها.