تداعيات الضم من طرف واحد على العلاقات مع مصر
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في مؤتمر صحافي عُقد في كانون الأول/ديسمبر 2019 طُلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرد على التصريحات التي تُسمع في إسرائيل بشأن ضم غور الأردن، فأجاب مبتسماً "هناك فارق بين الوعود التي تُعطى قبل الانتخابات وبين تحقيقها بعدها." لكن يبدو أن الاتفاق الائتلافي بين الليكود وأزرق أبيض، والذي قرر أن في إمكان رئيس الحكومة، بدءاً من تموز/يوليو، طرح فرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية لإقرارها في الحكومة والكنيست، غيّر تقدير القاهرة بشأن نوايا إسرائيل على هذا الصعيد.
- بطلب من الفلسطينيين، عقدت الجامعة العربية اجتماعاً خاصاً في 30 نيسان/ أبريل بواسطة الفيديو على مستوى وزراء الخارجية، خرجت في نهايته بتحذير من أن الضم من شأنه أن يقضي على فرص السلام في المنطقة. وزير الخارجية المصري سامح شكري دان محاولات إسرائيل استغلال أزمة الكورونا للدفع قدماً بخطوات أحادية الجانب وفرض حقائق على الأرض، وخرق القانون الدولي، على حد قوله.
- تستند معارضة مصر خطوات ضم أحادية الجانب من جانب إسرائيل إلى عدد من الأسس. في أساسها التضامن المصري التقليدي مع قضايا الفلسطينيين، ومع حقهم في دولة مستقلة وقابلة للحياة على أساس حدود 1967. بالإضافة إلى ذلك، تتخوف مصر من تصعيد عنيف في الضفة الغربية، انتفاضة ثالثة تؤجج التطرف في شوارع المنطقة، وتعزز قوى راديكالية، بينها "حماس" في قطاع غزة والإخوان المسلمون في مصر، وتلحق ضرراً بالسياحة والاستثمارات الأجنبية، وتلقي بظلها على تعاون حيوي مع إسرائيل، في مجال الغاز مثلاً.
- جوهر التفكير في القاهرة مخصص في هذه المرحلة للبحث عن وسائل لإقناع إسرائيل والولايات المتحدة بالتراجع عن أفكار الضم وإعادة إسرائيل والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. نائب مدير المركز المصري للأبحاث الاستراتيجية اللواء في الاحتياط محمد إبراهيم، نشر في 2 أيار/مايو ورقة سياسية بشأن موضوع ضم غور الأردن، دعا فيها الدول العربية إلى وضع هذه المسألة في مقدمة جدول الأعمال الدبلوماسي والإعلامي بهدف الضغط على إسرائيل لدفعها إلى التخلي عن نواياها وإحراجها في الساحة الدولية. وذلك من خلال دعوة مجلس الأمن لمناقشة تداعيات الخطوة، وعرض رؤية عربية - فلسطينية موحدة ومتفَّق عليها أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة بشأن الحل الشامل، وتحذير الولايات المتحدة من أن الضم سيلحق ضرراً بالوضع الأمني في الضفة الغربية، وسيزعزع الاستقرار الإقليمي، ويُضعف موقع السلطة الفلسطينية حيال "حماس".
- وجرى التلميح إلى أن مصر تتوقع أيضاً من السلطة الفلسطينية إظهار مرونة أكبر لمنع الولايات المتحدة وإسرائيل من تبرير خطوات أحادية الجانب، بحجة أن الفلسطينيين رفضوا مخطط ترامب. ودعا إبراهيم السلطة الفلسطينية الى إعادة التفكير في مسارها والعمل مع الدول العربية للدفع قدماً بخطوة مسبقة لإحباط خطة الضم. وبحسب كلامه، هذه الخطوة يمكن أن تتضمن بلورة مخطط عربي - فلسطيني بديل من مخطط السلام الأميركي، لا يترك فراغاً لخطوات الضم الإسرائيلية، وتستطيع السلطة الفلسطينية الدخول في مفاوضات على أساسه، وأن تثبت أنها "شريك" في السلام. وفي مقالات نُشرت في الصحف المصرية، دُعيت "حماس" هي أيضاً إلى الاستجابة، باسم محاربة الضم، إلى الجهود المصرية من أجل الدفع قدماً بتسوية داخلية - فلسطينية، وأن تضع نفسها في تصرف القيادة الفلسطينية الشرعية في رام الله.
احتمالات الرد المطروح أمام مصر
- إذا دخل الضم في حيز التنفيذ، سيكون على مصر أن تقرر بشأن أسلوب الرد. من الممكن التقدير أن القاهرة ستفضل الاكتفاء برد مضبوط وعدم تعريض مصالح استراتيجية حيوية تتعلق بعلاقتها بالولايات المتحدة وإسرائيل للخطر وعلى رأسها: المساعدة العسكرية والاقتصادية الأميركية التي تزداد أهميتها بسبب الكورونا؛ الوساطة الأميركية بينها وبين أثيوبيا في أزمة "سد النهضة"؛ التعاون الأمني مع إسرائيل في محاربة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء. مع ذلك يمكن أن تتغير اعتبارات مصر في مواجهة ضم واسع النطاق. اندلاع أعمال عنف شديدة بين إسرائيل والفلسطينيين وازدياد ضغط الرأي العام الداخلي يمكن أن يدفعها إلى زيادة حدة ردها. بالإضافة إلى ذلك، ستجد مصر صعوبة في التخلف عن الأردن، وعن سائر الدول الأوروبية إذا تشددت في ردودها على الخطوة.
- رد "مضبوط" ليس من المتوقع أن يتخطى بكثير ملامح الرد المصري على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. في هذا السيناريو، ستركز مصر على نشاطات ضمن الأطر العربية والإسلامية الجماعية، انطلاقاً من رغبتها في منع وقوع احتكاكات أحادية الطرف ومباشرة بالولايات المتحدة وإسرائيل، وستعمل مع الدول العربية لإدانة إسرائيل في المؤسسات الدولية المهمة والدفع قدماً بخطوات عقابية ضدها. ومن المتوقع أيضاً صدور بيانات إدانة من جانب وزارة الخارجية المصرية ومكتب الرئاسة، وانتقادات ضد إسرائيل في وسائل الإعلام المصرية.
- رد "حاد" يمكن أن يشمل مسّاً بالعلاقات الثنائية مع إسرائيل بدرجات متفاوتة القوة، بدءاً من تقليص مظاهر سلام علنية، مروراً بإبطاء التعاون، ووصولاً إلى استدعاء السفير [المصري في إسرائيل] إلى القاهرة. في هذا السيناريو، من المحتمل حدوث تراجع في التحسن الموزون الذي طرأ على علاقات الدولتين في السنوات الأخيرة، مثلاً توقف الاندفاعة الإيجابية الناشئة بشأن "منتدى الغاز في شرق البحر المتوسط" الذي أُقيم في القاهرة في كانون الثاني/يناير 2019، والذي تعتمد شرعية نشاطه، من بين أمور أُخرى، على مشاركة الأردن والسلطة الفلسطينية، المتضررتين الأساسيتين من الضم. صعوبة متزايدة أُخرى متوقعة هي أيضاً التقدم في التعاون في مجالات أُخرى ثنائية وإقليمية، بينما هناك أزمة صحية عالمية تشدد على المصالح المشتركة، وتخلق فرصاً جديداً للتعاون وتقلص من أهمية الحواجز السياسية التقليدية.
- علاوة على ذلك، ضم من طرف واحد، من المتوقع أن يعـزز في مصر توجهــات - تظهر منذ وقت في الحديث العام - بشأن فحص بدائل من فكرة "الدولتين" التي تبنتها القاهرة للمرة الأولى عندما أيدت القرار 242 في تشرين الثاني/نوفمبر 1967، وتحولت منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل إلى حجر الأساس في سياستها.
- لا تزال مصر تدعو إلى حل الدولتين، لكن الضم يمكن أن يجعله غير واقعي في نظرها. ومعنى ذلك المس برغبتها وقدرتها على أداء دور بنّاء إلى جانب دول عربية أُخرى، للدفع قدماً بحل إسرائيلي - فلسطيني على أساس مخطط ترامب. لقد امتنعت القاهرة حتى الآن من التعبير عن معارضتها الرسمية للمخطط، ودلت ردودها على أنها تقدّر الإمكانات الاقتصادية التي ينطوي عليها، وتدرك الحاجة إلى دمج المصالح الأمنية الإسرائيلية في إطاره، وهي منفتحة على مناقشة صيغ تسوية خلاقة للمشكلات الأساسية للنزاع. طبعاً مصر غير قادرة على أن تفرض على الفلسطينيين الموافقة على خطة السلام الأميركية كما هي، لكنها قادرة على تشجيعهم على تبني مواقف أكثر واقعية، وأن يدركوا أن الوقت ليس لمصلحتهم.
خلاصة
- قبل أن تحسم إسرائيل موقفها لصالح الضم من طرف واحد، يتعين عليها أن تبحث بهدوء تداعياته السلبية المحتملة على علاقاتها مع مصر. وهذه لن تقتصر بالضرورة على تصريحات إدانة في الساحتين العربية والدولية، بل يمكن أن تصل إلى حد إلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية وتسريع تغيرات أساسية في نظرة مصر إلى مبدأ "الدولتين" ودورها في الدفع قدماً بتسوية إسرائيلية - فلسطينية على أساسه.
- بناء على ذلك، من الأفضل لإسرائيل ربط المحور العربي البراغماتي، ومصر في مركزه، بمحاولة حقيقية لاستنفاد الفرص السياسية التي ينطوي عليها مخطط ترامب والامتناع من القيام بخطوات أحادية الجانب وخطيرة تبعد احتمالات حدوث انعطافة حيال تسوية سياسية محتملة.