ضمٌّ يؤدي إلى كارثة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • كم هو سهل أن تكون جدعون ليفي، الخبير في تقسيم العالم بسهولة فائقة إلى طيبين وأشرار، وباستقامة لا حدّ لها يضع 99% من أبناء دولته في جهة الأشرار. "أن يقفوا اليوم ضد الضم، هو تشويه لسمعة الاستقامة والنفاق... مع مثل هؤلاء المحاربين من أجل العدالة نحن أفضل حالاً مع "الفاشيين العلنيين"، كتب ليفي (في "هآرتس" 5/4)، متناولاً العريضة الموقّعة من 220 قائداً وعضواً ومؤيداً لحركة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، التي نشرتها "هآرتس" يوم الجمعة الماضية، والتي تدعو غانتس وأشكنازي إلى العمل لمنع الضم من طرف واحد.
  • الهدف الأعلى لحركة "قادة من أجل أمن إسرائيل" التي أنشأتُها منذ نحو خمسة أعوام هو "تحصين أمن إسرائيل كدولة ديمقراطية، مع أغلبية يهودية صلبة على مر الأجيال، بروحية قيم وثيقة الاستقلال". تدعو رؤية الحركة إلى الحل الأمني - السياسي الوحيد الذي يحافظ على هذا الهدف الأعلى، وهو "حل الدولتين لشعبين"، مترافقاً مع اتفاق إقليمي. لكن هذا الحل غير قابل للتنفيذ حالياً لأسباب معروفة. أحد صعوبات تطبيقه متجسدة بـ"صفقة القرن" للرئيس دونالد ترامب التي فشلت في إيجاد شريك في الجانب الفلسطيني أو الإقليمي، وأيضاً في الجانب الإسرائيلي المؤيد للتسوية، توجد انتقادات كثيرة لمكونات الصفقة. لكن غياب الإمكانية حالياً لحل الدولتين يجب ألّا يشكل ذريعة لإغلاق الباب أمام تسوية مستقبلية، وفي الوقت نفسه إشعال المنطقة والمس بأمن مواطني إسرائيل وباقتصادها بسبب اتخاذ خطوات ضم خطرة.
  • مئات من رفاقي يتخوفون من أن القيام بعملية الضم الآن ستجبر الجيش الإسرائيلي على إعادة جنوده إلى شوارع نابلس وقلقيلية، وأزقة القصبة، وسيعيد الإدارة المدنية إلى أيامها "الجيدة" والغالية التكلفة، عندما كانت إسرائيل تدير وتمول حاجات السكان الفلسطينيين.
  • هذا ما سيجري، لأن الضم، حتى لو كان جزئياً، سيوضح للفلسطينيين أن إسرائيل اتخذت قراراً بإنهاء زمن الاتفاقات، وإدامة سيطرتها على يهودا والسامرة [الضفة الغربية] إلى ما لا نهاية، وتقرير حدود السيطرة الفلسطينية، وإنهاء حلم الفلسطينيين بالاستقلال. الفلسطينيون عملوا حتى الآن من أجل التعاون مع إسرائيل وتهدئة المنطقة، وعلى رأسهم قيادة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، سيفقدون ما بقي من شرعيتهم العامة. في جو لا يكون فيه تعاوُن أجهزة الأمن الفلسطينية مع قواتنا متماشياً مع حلم الاستقلال الفلسطيني، سيبدو كخيانة وتعاون مع "الاحتلال"، وستخلق الطريق المؤدية إلى انهيار هذه الأجهزة فوضى ستكون "حماس" مستعدة لاستغلالها بصورة أفضل من الآخرين.
  • وبذلك، ستضطر إسرائيل إلى السيطرة مجدداً على المدن الفلسطينية التي خرجت منها في سنة 1995، بعد اتفاقات أوسلو. يتهمنا جدعون ليفي بأن مبرراتنا، كما وردت في العريضة، "تتطرق فقط إلى الضرر الذي ستتكبده إسرائيل والثمن المالي الذي ستدفعه لقاء الضم". نعترف بالتهمة. نحن نضع نصب أعيننا قبل كل شيء المصلحة الإسرائيلية الأمنية، والاقتصادية والأخلاقية.
  • المصلحة الأمنية الإسرائيلية هي في عدم إدخال جنود الجيش الإسرائيلي إلى داخل المدن الفلسطينية، وعدم تكليف الجيش النظامي بمهمات الشرطة على حساب الاستعداد للحرب. لم ننسَ خلاصات لجان التحقيق المتعلقة بثمن الانتشار في المناطق [المحتلة] خلال سنوات الانتفاضة الثانية على حساب أداء الجيش في حرب لبنان الثانية.
  • المصلحة الاقتصادية الإسرائيلية تقتضي عدم تحمل تكلفة تمويل حياة ملايين الفلسطينيين - التي تقدر بـ52 مليار شيكل سنوياً- لأن هذه التكلفة ستسقط على عاتق الاقتصاد الإسرائيلي، المتضعضع على أي حال بسبب تكلفة أزمة الكورونا. كما أننا نتخوف من انعكاسات ضم مليوني فلسطيني على طابع إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
  • مواقف اليمين المتشدد المسيانية، الداعمة للضم ومواقف اليسار المتشدد، المستعد للتنازل مسبقاً عن كل الأرصدة الأمنية الإسرائيلية، تؤدي إلى نتيجة واحدة: كارثة وطنية هي "دولة واحدة لشعبين"، ومعها نهاية الرؤية الصهيونية. ربما هذا هو حلم جدعون ليفي، لكن لدينا حلم آخر، حلم دولة ديمقرطية آمنة، مع أغلبية يهودية صلبة على مر الأجيال.