تأليف حكومة الوحدة هل هو فرصة لإعادة بلورة العلاقات اليهودية - العربية؟
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
–
الموقع الإلكتروني للمركز
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- السنة الماضية رافقتها تقلبات قوية بالنسبة إلى المجتمع العربي في إسرائيل: من الحضيض إلى القمة، ومجدداً إلى الحضيض. في انتخابات الكنيست في نيسان/ أبريل 2019، كان المعسكر السياسي العربي منقسماً إلى حزبين جاءت نتائجهما ضئيلة نسبياً (10 مقاعد معاً)، وكانت العلاقات بين القادة السياسيين والجمهور العربي مشحونة، وانخفضت نسبة مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات نسبياً (50%). بعد مرور عام على ذلك، سجل المجتمع العربي إنجازات غير مسبوقة: تمثل في حزب واحد نال 15 مقعداً، وارتفعت نسبة المشاركة بصورة كبيرة (65%)، والأهم من كل شيء، بُذلت جهود غير مسبوقة للاندماج في اللعبة السياسية (توصية جميع أعضاء القائمة المشتركة بغانتس رئيساً للحكومة لدى رئيس الدولة).
- في هذه النقطة بالذات، عانى الجمهور العربي جرّاء هبوط حاد وقوي في التوقعات في أعقاب الإعلان عن تأليف حكومة الوحدة. بالنسبة إلى كثيرين من الجمهور العربي، تأليف حكومة وحدة معناه عودة إلى نقطة البداية ورفض تطلعاتهم - الأقوى من الماضي- للاندماج في المستويات السياسية والعامة.
- لكن مَن كان ذكياً بما فيه الكفاية خلال السنة الماضية ليس من المفروض أن يشعر بخيبة أمل كبيرة. أولاً، الارتفاع في معدل التصويت العربي والتأييد الواسع للقائمة المشتركة، كانا في جزئهما الأكبر نتيجة احتجاج ودافع قاهر: رد فعل مضاد على الهجوم العنيف على الجمهور العربي من أطراف في السلطة (قانون القومية، وقانون الكاميرات [في مراكز الاقتراع العربية] و"صفقة القرن")، بالإضافة إلى امتناع الأحزاب الصهيونية الكبيرة من وضع مواطنين عرب في أماكن حقيقية في قوائمهم الانتخابية، الأمر الذي أدى إلى ترسيخ هيمنة القائمة المشتركة في الشارع العربي (88% من الناخبين العرب أيدوها في الانتخابات الأخيرة).
- ثانياً، التعاون (استمر شهراً فقط) الذي بدأ بين الأحزاب الصهيونية والقائمة المشتركة، استند عملياً إلى قاعدة ضيقة من التوحد ضد خصم مشترك (نتنياهو)، وهو لم يأت في أعقاب نضج وحوار معمق بشأن العلاقات بين اليهود والعرب في الدولة. علاوة على ذلك، قبل وقت قصير من "شهر العسل"، ظهر رفض علني متبادل في الطرفين (رفض كبار مسؤولي أزرق أبيض الاعتماد على الصوت العربي، ورفض حزب بلد فكرة تأييد حزب صهيوني).
- بذلك نشأ واقع حساس جداً يمكن أن يؤدي بسرعة إلى الاغتراب والانعزالية، وحتى إلى احتكاك بين المجتمعيْن، الأمر الذي يفرض على الطرفين القيام بمراجعة ذاتية معمقة، والتعلم من الأخطاء، وتطبيقاً فورياً للدروس. يتعين على المجتمع اليهودي الاعتراف بالتطلع غير المسبوق للمواطنين العرب للاندماج في كل مستويات العمل في الدولة. وهذا يفرض فتح أبواب عريضة، بما فيها على المستوى السياسي، والامتناع من العودة إلى التحريض المهين والمؤذي ضد الجمهور العربي، والاعتراف بالحاجة إلى تقديم رد صارم وسريع لمختلف مشكلاته، وعلى رأسها الجريمة والعنف اللذين يُعتبران في نظر كثيرين من المواطنين العرب المشكلة الوجودية الأكثر حدة اليوم (حصدت منذ بداية السنة 14 قتيلاً، و93 قتيلاً في سنة 2019).
- الشراكة مع الجمهور العربي تفرض عليه أيضاً الاعتراف بالتعقيد الذي يميز علاقة الجمهور اليهودي به. كثيرون من المواطنين اليهود يؤيدون المساواة في الحقوق المدنية للجميع، لكنهم في المقابل، يبدون كرهاً عميقاً لأفكار ممثلي القائمة المشتركة: بدءاً من الرفض المطلق للصهيونية والسعي لتغيير صورة إسرائيل من أساسها، مروراً بمواقف كثيرين من أعضاء الكنيست الاستفزازية، بالإضافة إلى العناصر التي يعتبرها الجمهور اليهودي في إسرائيل أعداء. ليس مسموحاً للجمهور العربي بأن يهرب إلى المنطقة المريحة ويؤدي دور "الضحية"، من خلال إلقاء المسؤولية الكاملة عن الوضع الحالي على الطرف الثاني. من دون إظهار حساسية تجاه هذه المسائل، لن ينجح المواطنون العرب في الدخول إلى قلب الجمهور اليهودي، فكم بالأحرى تشكيل تحالفات مستقرة وموثوقة مع الأحزاب الصهيونية.
- لا يعني هذا تخلياً عن الهوية القومية والوعي المستقل للمواطنين العرب، بل هو اقتراح للقيام بعملية ملاءمة تمنح الأولوية للمشكلات الحياتية الحقيقية، وتحترم مواقف الأكثرية في الدولة بدلاً من مواصلة الجهد العنيد لتغيير الواقع القائم من الأساس. كل ذلك مع إعطاء الأولوية لمعالجة مشكلات حياتية حقيقية، بدلاً من التمسك بشعارات ديماغوجية. ليس المقصود هنا رعاية نموذج "عربي مطيع"، بل مواطن يندمج في الدولة من خلال تقليل الحمولة التي ترافق علاقته حيالها، كما جرى التعبير عن ذلك جيداً في الاندماج والمساهمة الجماعية للمجتمع العربي خلال أزمة الكورونا.
- يجد المجتمعان نفسيهما الآن في ورطة معقدة: أغلبية اليهود تتحفظ عن أفكار القائمة التي صوّتت أغلبية العرب لمصلحتها. الإلغاء السياسي الذي تحول إلى إلغاء جماعي لا يعكس حقيقة أن جزءاً كبيراً من المواطنين العرب لا "يسعى للقضاء على إسرائيل"، وأن جزءاً كبيراً من اليهود يبدي انفتاحاً أكبر من الماضي حيال المواطنين العرب. هذه الورطة قابلة للانفجار، وتتطلب حلاً سريعاً.
- لكن ما يبدو كأزمة حادة بين المجتمعين يمكن أن يشكل فرصة لإعادة بلورة العلاقات بينهما. وهذا يتطلب شجاعة وفهماً متبادلاً ورؤية - سواء من الحكومة العتيدة أم من المجتمع العربي. الحكومة الجديدة ستنجح إذا عملت على بناء الثقة وتطوير العلاقات مع المجتمع العربي.
- يتعين عليها التركيز على توسيع تمثيل المواطنين العرب في السلطة (بما فيها تعيين وزير عربي)، وتقديم رد سريع وحازم على ضائقاتهم، وفي مقدمتها تلك المتعلقة بالجريمة والعنف. لاحقاً، سيكون من الصواب القيام بفحص موضوعات توتر أُخرى، مثل قانون كمينتس الذي يتناول البناء غير القانوني، وربما أيضاً صيغة جديدة لقانون القومية، وكذلك، كيف يمكن الدفع قدماً بخدمات وطنية/اجتماعية، كثيرون في المجتمع العربي يختبرونها بصورة إيجابية اليوم.
- بهذه الطريقة، من الممكن ربما تخفيف اليأس الذي يتسلل إلى العديد من المواطنين العرب، وتحويله إلى شرارة أمل لصيغة جديدة وإيجابية للعلاقات بينهم وبين المجتمع اليهودي ومؤسسات السلطة في الدولة.