نتنياهو تخلى عن الغموض القيمي لمصلحة أيديولوجيا واضحة وخرج رابحاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • الجمهور الإسرائيلي فضّل أحزاباً ومعسكرات تحمل رسالة أيديولوجية واضحة، وعاقب في صناديق الاقتراع الذين انتهجوا خطاً ملتوياً، ورفعوا راية الغموض. الليكود والقائمة [العربية] المشتركة اللذان حققا زيادة في المقاعد، بحسب نماذج الاختبار، عرضا في المعركة الانتخابية الحالية مواقف واضحة وسعياً للتغيير، واعتمدا على وحدة داخلية، وتمسكا برسائل واضحة طوال الحملة. في مقابلهما، كان من الصعب على أزرق أبيض وتحالف العمل – غيشر - ميرتس التغلب على خلافاتهم الداخلية وعرض رسالة مركزة أو مهمة، وأفيغدور ليبرمان غيّر الرسائل للمحافظة على القليل من الصدقية. هذه الأحزاب كلها خسرت مقاعد في الكنيست الـ23.
  • لنبدأ باليمين: بخلاف المعركتين الانتخابيتين السابقتين اللتين ركز فيهما الليكود على صراع نتنياهو مع سلطات التحقيق والنيابة العامة، عرض بلوك اليمين موقفين واضحين وشفافين في السياسة الخارجية والداخلية: ضم المستوطنات وغور الأردن، بما يتفق مع صفقة القرن، وإلغاء استقلالية الجهاز القضائي وإخضاعه للمستوى السياسي. أحزاب اليمين هذه المرة والحريديم كلها توحدت خلف هذين الموقفين. كلهم يريدون السيادة على المستوطنات، وإبعاد محكمة العدل العليا عن هذا الأمر.
  • هذه الرسالة الواضحة سهلت على نتنياهو العودة إلى موقع الزعامة والقيادة. وبدلاً من أن يقدم نفسه كضحية بائسة لقوى أقوى منه في الشرطة والنيابة العامة، كما في الجولتين السابقتين، روّج نتنياهو هذه المرة صورة الرابح والزعيم القوي الذي يعرف كيفية التحدث مع زعماء العالم، ومع نشطاء فروع بعيدة في الليكود، بنفس القدر من الجدية والحزم. زعم أن الغرض من انتخابه ليس لمجرد إنقاذه فقط من المحاكمة التي تقترب، بل لاستكمال مهمتين أساسيتين في حياته - ترسيم حدود الدولة و"تغيير النخب". مؤيدوه فضلوا كثيراً صورة الزعيم المصمم والمركّز، على المجرم الفار من الحملتين السابقتين.
  • خلال 11 عاماً من حكمه، منذ عودته إلى كرسي رئاسة الحكومة، تجنب نتنياهو عموماً تقديم موقف أيديولوجي. وفضّل أن يظهر كبراغماتي، حتى لو كان الثمن انتقادات من اليمين، وأيضاً عندما فضّل الاختباء وراء وزراء مهمّين (نفتالي بينت، أيّيلت شاكيد وميري ريغيف)، سمح لهم بالتصادم مع المؤسسات الأكاديمية والأمنية والقضائية والثقافية. الآن، عاد إلى جذوره وأوضح أن هذه هي حربه، بدلاً من "القيادة من الخلف". ولقد أثمر ذلك.
  • لقد عزز نتنياهو الحماسة الأيديولوجية والإنجازات السياسية بالتعيين المهم جداً لأمير أوحنا وزيراً للعدل [أوحنا عضو كنيست منذ سنة 2015، وكان في اللجنة الخاصة للكنيست لمناقشة قانون القومية، وهو الوزير المثلي الوحيد في تاريخ دولة إسرائيل]. تعيين أوحنا قائداً في الجيب اليميني في شارع صلاح الدين أظهر أن نتنياهو ينوي القتال حتى النهاية ولن يتنازل. أوحنا ذهب إلى المواجهة وعيّن دان إلداد في منصب قائم بأعمال المدعي العام للدولة، وأعلن إلداد البدء بالتحقيق في قضية الشركة الناشئة "البعد الخامس" [شراء الشرطة برنامجاً من شركة البعد الخامس بطريقة غير قانونية عندما كان غانتس رئيساً سابقاً لإدارتها]، الذي بدأ بعده تدهور بني غانتس في استطلاعات الرأي العام. وكانت الضربة القاضية نشر الشريط المسرب للمستشار يسرائيل بكار الذي وصف فيه غانتس بالصفر وبأنه غير جدير.
  • ركز أزرق أبيض على رسالة واحدة يمكنه أن يتحد حولها، وهي "فقط ليس بيبي"، لكنه لاقى صعوبة في الاتفاق على أي شيء آخر. غانتس استقبل خطة ترامب بنعم ولا؛ أيّد جهاز القضاء، وبعد ذلك اتهمه بملاحقته سياسياً تماماً كما فعل نتنياهو؛ حاول التقرب من القائمة [العربية] المشتركة، الحزب الأساسي في كتلة اليسار، ثم ابتعد عنها مجدداً. وفي غياب أيديولوجيا متفق عليها، ركزت الحملة على الفوارق الشخصية بينه وبين نتنياهو، وهذا لم يكن كافياً.
  • في اليسار، نجحت القائمة المشتركة في التغلب على الخلافات والصراعات الداخلية بين مكوناتها وزعمائها وتسويق نفسها كحزب احتجاجي بديل. المقاطعة التي فرضتها عليها الأحزاب الصهيونية واقتراح نقل منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية العتيدة في خطة ترامب، دفعا بها إلى تحقيق إنجاز غير مسبوق - وعلى ما يبدو، إلى زيادة قوتها في داخل اليسار اليهودي أيضاً. لم يكن هذا صعباً، عندما يكون البديل اليساري هو العمل – غيشر - ميرتس الذي خاض حملة ضعيفة غير مركزة تمحورت على تطلع زعمائها إلى مناصب في الحكومة والاهتمام المبالغ فيه بمسائل هامشية.
  • الليكود والقائمة المشتركة، يمثلان اليوم الطرفين الأيديولوجيين النقيضين في إسرائيل: ضم المناطق في مواجهة تقسيم البلد، التفوق اليهودي في مواجهة المساواة في المواطنة. هذه الخلافات ستكون في قلب النقاش السياسي في السنوات المقبلة، من دون أي علاقة بتطورات محاكمة فساد نتنياهو.