صفقة القرن ضربة قاسية لمعسكر السلام
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يجب أن نعترف: ألوف بن [رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"] على حق. معسكر السلام تلقى ضربة قاسية لدى نشر "صفقة القرن"، ربما هي الأقسى منذ فشل محادثات كامب - ديفيد والانتفاضة الثانية، وليس لديه أي فكرة عن مصير رؤية السلام وحل الدولتين. مَن يعتقد أن هذه مبالغة، يتعين عليه أن يفسر أبعاد النشوة في صفوف اليمين الذي يفهم جيداً أنه حصل على هدية من السماء. اليسار في ورطة حقيقية، وهو موزع بين محاولات سخيفة للغاية لتقديم خطة الرئيس دونالد ترامب كقبول يميني متأخر بمنطق أوسلو، وتقليل غير مقنع من أهمية العملية كلها (الفلسطينيون لن يوافقوا، الإدارة في الولايات المتحدة يمكن أن تتغير، لذلك لن يتغير شيء فعلاً)، وبين يأس مطلق. الموقف الصريح لحزب أزرق أبيض هو تحويل الخطة إلى المخطط السياسي الجديد لإسرائيل، والتلعثم المعتاد من جانب حزب العمل يجعلان الوضع مرتبكاً أكثر. ما الذي يفكر فيه معسكر السلام فعلاً؟ وماذا يريد؟ متى سيتعافى من الصدمة ويرد على الفيل الجديد الهائل الذي وُضع في الغرفة؟
  • صفقة القرن دراماتيكية لعدة أسباب. إنها تغيّر، من السابق لأوانه القول إن ذلك بشكل دائم، دور الولايات المتحدة، من وسيط يريد التوصل إلى سلام متفق عليه، إلى طرف يعمل تقريباً علناً في خدمة إسرائيل. وهي تُقلص مكانة أوروبا وتأثيرها في حل النزاع. وهي تُضعف جدار الدعم التقليدي للفلسطينيين في العالم العربي، وتالياً قدرتهم التفاوضية في مواجهة إسرائيل، والذي كان يوازن قليلاً فجوات القوة. وهي تحول فكرة ضم الضفة إلى سيناريو حقيقي كارثي. في السياق الإسرائيلي الداخلي: هي يمكن أن تؤدي إلى دفن الرواية التأسيسية لليسار - روحية السلام.
  • روحية السلام هي مجد عمل اليسار الإسرائيلي كله، حتى في نسختها الضامرة الحالية. ماهيتها هي أن العقيدة الصهيونية التي أقامت دولة، ومزجت مهاجرين وابتكرت ثقافة عبرية، تركت للأجيال المقبلة المهمة الكبرى الأخيرة - تحقيق السلام مع الجيران، وفي طليعتهم الفلسطينيون. وإلى أن تتحقق المهمة، سيظل الكيان الإسرائيلي معاقاً وجزئياً وغير طبيعي، لذلك، فإن السلام ليس خياراً بل ضرورة وهدف بالنسبة إلى الذين يعتبرون أنفسهم وطنيين. طوال سنوات كان التوق إلى السلام، حتى عندما حوله البعض إلى ضريبة كلامية، الأساس في التباهي التقليدي لليسار، وفي خلفية المشهد المستقبلي الذي أنشأه، والقوة التي تكمن وراء جذبه للجمهور. لقد ضعف هذا فعلاً بعد كامب - ديفيد، وبعد المحادثات الفاشلة بين إيهود أولمرت ومحمود عباس، لكن حتى حينها الجمهور لم ييأس، وواصل تمسكه بنموذج السلام والدولتين، وبالأمل بأن تتحقق مجدداً الظروف السياسية الملائمة لتحقيقهما، ومن خلال التعلم من أخطاء الماضي. كان من الممكن أن يحدث هذا، لكنه لم يحدث. ثمّ جاء ترامب.
  • الجديد في خطة ترامب أنها تعطي صفة رسمية للنظرة التي تقول إن السلام ليس مهماً. وهو لن يحدث قط، وفي الحقيقة ليس هناك حاجة إليه. ويمكن إخراجه من النظام. كارهون بارزون لليسار مثل غادي تاوب وميخا غولدمان، يشجعان بكل قوتهما استبدال نموذج السلام بـ"إعادة تنظيم النزاع "، أو بـ"حكم ذاتي في أراضي دولة إسرائيل"، ومعناه العملي، كما يفهم أي إنسان جدي، هو القضاء على الحركة القومية الفلسطينية، وعلى الجبهة الخلفية للفلسطينيين في العالم وفي الدائرة العربية، وفي الوقت عينه، خنق اليسار الإسرائيلي، وكنتيجة لهذا كله استمرار التدهور، واستمرار النزاع إلى الأبد والتخلي عن إيجاد حل له.

التحدي الذي تفرضه صفقة القرن على معسكر السلام هو من أصعب ما عرفه. كيف نقنع الرأي العام بأن "خطة السلام" التي جرى صوغها من أجل المصلحة الإسرائيلية، هي بالتحديد كابوس بالنسبة إلى إسرائيل والصهيونية؟ كيف نزرع من جديد السلام كقيمة وكهدف عملي وممكن في مجتمع يعتقد أنه ليس بحاجة إلى السلام؟ يبدو الأمر عملية مستحيلة، ولا يناسب ضعاف القلوب الذين يسارعون إلى تلطيف لهجتهم إزاء خطة ترامب لاعتبارات "براغماتية". هذا التوجه هو ليس أقل من خيانة لليسار.