نقاط ضعف إيران
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- نقطة الانطلاق في فحص استمرار المواجهة الأميركية - الإيرانية يجب أن تأخذ في الحسبان أن الرد الإيراني الأولي على اغتيال قاسم سليماني ليس بالضرورة نهائياً. بل على العكس، يمكن الافتراض أن النظام الإيراني يريد أن يكسب وقتاً لدرس خيارات تحقيق وعده بمعاقبة الولايات المتحدة عقاباً شديداً. القيادة الإيرانية ملزمة بذلك. اغتيال شخصية كهذه كبيرة ومعروفة في إيران وفي المعسكر الشيعي عموماً؛ المسّ بأسس الاستراتيجيا الإقليمية الإيرانية التي كان سليماني من أوائل واضعيها؛ الحاجة إلى تعزيز قوة الردع الإيرانية من جديد، ومنع هجمات إضافية ضد قياداتها ومواقع استراتيجية، وإظهار أن إيران أيضاً قادرة على ضرب أعدائها بشدة؛ الإهانة التي تعرض لها النظام الإيراني جرّاء الاغتيال - كل ذلك يفرض على النظام الإيراني تفحص إمكانية توجيه ضربة قاسية بقدر الممكن إلى الولايات المتحدة و/أو حلفائها.
- هذا التفحص يمكن أيضاً أن يصل إلى استنتاج أن خيار الضربة ينطوي على مخاطر كبيرة ومن الأفضل التخلي عنه، وهناك عدة مؤشرات تشير إلى أن هذا هو توجه إيران. لكن مثل هذا الاستنتاج يمكن أن يمس بشدة بقدرة إيران على الردع، ويمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى ضربات إضافية من جانب الولايات المتحدة. إطلاق الصواريخ الإيرانية على قواعد أميركية في العراق بعد اغتيال سليماني، مع نتائج صفر إصابات، يجب أن ينظر إليه أعداء إيران كمؤشر ضعف وليس قوة.
- في هذا التفحص سيجد النظام الإيراني عدة عقبات مهمة، يمكن أن تؤثر في طابع رده. أولاً، تتمتع الولايات المتحدة بتفوق استراتيجي- عسكري واضح وكبير على إيران. هذا التفوق يمكن أن يردع طهران عن القيام بخطوة انتقامية بعيدة المدى، وأن يحبط محاولة القيام بهجوم، وأن يتيح توجيه ضربة مضادة قاسية إلى إيران إذا لم ترتدع. وعلى الرغم من أن إيران طورت عقيدة قتالية غير متناسبة، من المفروض أن تزودها بوسائل في محاولة مواجهتها مع دول أقوى منها، فإن هذه العقيدة لم تُختبَر بعد في مواجهة واسعة مع الولايات المتحدة. في هذه الأثناء تشدد طهران على أنها لا تريد مواجهة واسعة مع واشنطن، لكنها أيضاً تحذر من أن إطلاق الصواريخ [على قواعد أميركية] ليس النهاية، وأن إيران ستواصل السعي لطرد القوات الأميركية من الشرق الأوسط.
- علاوة على ذلك، حتى الاغتيال كان يبدو أن إدارة ترامب تحاذر من القيام بخطوات عسكرية ضد إيران، وتكتفي باستخدام ضغوط اقتصادية. مقتل سليماني والهجوم الأميركي على خمسة أهداف تابعة لميليشيات شيعية موالية لإيران في العراق وسورية قبل اغتيال سليماني، وتهديدات ترامب بمهاجمة 52 هدفاً في إيران واستمرار الضغط الاقتصادي الشديد- كل ذلك يمنح الردع الأميركي في مواجهة إيران بعداً جديداً وقوياً.
- ثانياً، يمكن أن تكون إسرائيل هدفاً إضافياً لعملية انتقامية إيرانية. لكن من المفروض أن يتذكر الإيرانيون أن إسرائيل ضربت عشرات الأهداف الإيرانية والشيعية في سورية والعراق، من دون أن تجرؤ طهران على الرد - باستثناء حوادث متفرقة وفاشلة - وذلك انطلاقاً من معرفة التفوق الجوي الإسرائيلي. صحيح أن طهران تملك قدرة ردع كبيرة إزاء إسرائيل، بالاستناد إلى منظومات الصواريخ الضخمة لإيران وحزب الله والميليشيات الشيعية. لكن استخدام هذه المنظومات ضد إسرائيل معناه حرب، ويجب على إيران في مثل هذه الحالة أن تأخذ في حسابها خطرين شديدين - مساعدة الولايات المتحدة إسرائيل، واستغلال إسرائيل المواجهة أيضاً من أجل مهاجمة المنشآت النووية في طهران.
- ثالثاً، الاتفاق النووي مع إيران لم يعد قائماً فعلياً. فرص قيام حوار بين طهران وواشنطن بشأن تجديد الاتفاق وتعديله كانت ضئيلة منذ البداية، وتقلصت أكثر بعد اغتيال سليماني. إيران أزالت عملياً كل القيود التي فرضها الاتفاق على مشروعها النووي. إذا قررت طهران استغلال هذا الوضع للقفز نحو سلاح نووي، من أجل تعزيز قدرتها على الردع في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، فعليها أن تأخذ في الحسبان أيضاً ضربة إسرائيلية/أو أميركية ضد منشآتها النووية. تعرف إيران أن إسرائيل تبحث عن ذريعة، وعن فرصة مناسبة، لتوجيه مثل هذه الضربة.
- رابعاً، ليس لإيران حليف حقيقي. الحليفة الوحيدة التي وقفت إلى جانبها هي سورية في ظل نظام بشار الأسد. بيْد أن سورية لم تكن قادرة في العقد الأخير على مساعدة إيران، بعد أن خسرت قوتها العسكرية، وهي نفسها بحاجة إلى مساعدة شاملة. تقيم روسيا علاقات وثيقة مع إيران، في الأساس في المجالات الاقتصادية والعسكرية والنووية. لكن إيران وروسيا ليستا حليفتين، والاثنتان تتنافسان بشدة على قيادة إعادة إعمار سورية، وروسيا أيضاً لم تساعد إيران في مواجهة الهجمات التي شنتها إسرائيل على الأهداف الإيرانية والشيعية في سورية في السنوات الأخيرة.
- خامساً، تمر إيران بمرحلة صعبة على صعيدها الداخلي وفي الدائرة الإقليمية. منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، هي تشهد موجة تظاهرات من أصعب التظاهرات التي لم تعرفها منذ الثورة الإسلامية، بسبب وضعها الاقتصادي السيء الذي ازداد سوءاً بعد العقوبات التي فرضتها عليها إدارة ترامب. السبب المباشر للتظاهرات كان ارتفاع اسعار النفط، تشابكت مع ذلك لهجة سياسية، عندما هتفت الجماهير في الشوارع "الموت للخائن"، والخائن هو المرشد الأعلى خامنئي. في المقابل، جرت تظاهرات عنيفة أيضاً في العراق ولبنان - الدولتان اللتان توجد لإيران مصلحة مهمة فيهما بسبب الهيمنة الشيعية فيهما - وفي الدولتين يُطرح مطلب التخلص من الوجود والنفوذ الإيراني. تشغل موجات التظاهرات هذه النظام الإيراني، وتصعب عليه التورط أيضاً في مواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها.
- في ضوء هذه التطورات، ليس مفيداً التقليل بصورة كبيرة من أهمية التهديد الإيراني لإسرائيل الذي يبقى التهديد الأكبر خطراً عليها، ويجب عدم الاستخفاف به. منظومات الصواريخ لدى إيران وحزب الله ستظل تشكل أساس هذا التهديد، وإذا اندفعت إيران في المستقبل نحو سلاح نووي - كما يبدو أنها تنوي فعله في الفرصة المناسبة - سترتفع خطورة التهديد إلى مستوى لم نعرفه من قبل. لكن لدى فحص السلوك الحالي لإيران، يمكن الإشارة إلى نقاط ضعف مهمة في مكونات التهديد الإيراني يمكن أن تستغلها الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهتهما هذا الخطر. في الوقت عينه، بالنسبة إلى إيران، تفرض عليها نقاط الضعف هذه الحذر الشديد، كي لا يؤدي ردها، في حال حدوثه إلى مواجهة واسعة مع الولايات المتحدة.