نتنياهو يجنّد المجلس الوزاري المصغر للرد على انتقادات اليمين بشأن التسوية مع "حماس"
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- جلسة المجلس الوزاري المصغر التي عُقدت في القدس أمس (الأحد) تعبّر لأول مرة عن استعداد إسرائيلي للتنازل عن جزء من الغموض الذي يغلف الاتصالات غير المباشرة مع "حماس" بشأن وقف إطلاق نار طويل الأجل في قطاع غزة. الآن أيضاً ، أغلبية المعلومات عن المفاوضات تأتي من الجانب الفلسطيني، ومن الصعب تقدير مدى موثوقيتها. لكن مجرّد إعلان نقاش جرى في المجلس الوزاري المصغر بشأن طبيعة التسوية يكشف أيضاً عن القيود السياسية: قبل شهرين من الانتخابات، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بحاجة إلى الحصول على شرعية واسعة لخطواته في غزة. ومنذ اللحظة التي يقف فيها إلى جانبه وزراء، هم على يمينه، بينهم نفتالي بينت وبتسلئيل سموتريتش، فإنه يفرّغ جزءاً من الانتقادات التي يُتوقع أن تُوجَّه ضده من مضمونها بسبب تنازلاته لـ"حماس".
- على ما يبدو، لن ينجح نتنياهو في الرد تماماً على انتقادات حزب المعارضة المركزي، أزرق أبيض. لكنه يستطيع الاستعانة برأي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي الذي قال في الأسبوع الماضي في خطاب علني، إن الجيش يرى أن هناك فرصة للتوصل إلى تسوية في القطاع، ويؤيد تقديم تسهيلات اقتصادية مهمة هناك. ويساعد كوخافي نتنياهو في تقديم حجة إضافية، مفادها أن جدول الأولويات الاستراتيجي لإسرائيل الآن يجب أن يركّز على المواجهة مع إيران في الجبهة الشمالية، مع تهدئة التوتر في القطاع.
- في مواجهة انتقادات اليمين، يعرض نتنياهو وبينت خطوة إضافية: حسم 150 مليون شيكل من أموال الضرائب التي تنقلها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية، كعقوبة على دعمها عائلات المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
- هذه الخطوة لن تنجح في أن تطمس تماماً انطباع التسوية مع "حماس"، ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من زعزعة العلاقات بقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. لكن يبدو أن الاعتبار المركزي في العملية ضد السلطة الآن، هو سياسي أكثر مما هو دبلوماسي.
- إصرار شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان العامة في الجيش، وفي أعقابها كوخافي، على أن قيادة "حماس" اتخذت خياراً استراتيجياً بوقف القتال فترة طويلة، حصل على بعض الدعم من خلال القرار الذي اتُخذ في غزة يوم الجمعة بوقف تظاهرات يوم الجمعة على السياج مدة ثلاثة أشهر، واستئنافها في نهاية آذار/مارس، في الذكرى السنوية الثانية لبدء التظاهرات. هذا القرار ينبع في الأساس من اعتبارات داخلية - الإحساس بأن التظاهرات استنفدت فائدتها، والعبء الضخم الذي يشكله آلاف الجرحى جرّاء إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على المستشفيات في غزة. لكن يمكن أن يُفسَّر أيضاً كبادرة حسن نية تجاه إسرائيل، في إطار جهود التهدئة العامة.
- إسرائيل، كما سبق أن ذكرت صحيفة "هآرتس" في تشرين الثاني/نوفمبر هذه السنة، من المفترض أن ترد بخطوات من جانبها. الخطوة الأكثر دراماتيكية تتعلق بإعطاء تصاريح دخول لعدد أكبر من العمال من القطاع للعمل داخل أراضيها. اليوم تسمح إسرائيل بدخول نحو 5000 من سكان القطاع بواسطة شهادات تجارية كرجال أعمال، بينما العديد منهم هم من العمال. العدد يمكن أن يزداد لاحقاً، ويمكن أن يقترب من 20 ألفاً. ونظراً إلى أن الطرفين معنيان بتقليل أهمية التفاهمات بينهما، فإن الأسلوب المتبع يمكن أن يكون عبارة عن زيادة بطيئة ومتدرجة. على سبيل المثال، هكذا تتصرف قطر التي تحوّل منذ أكثر من عام شحنات من المال إلى القطاع، لكنها لا تعلن خطتها مسبقاً، وفي كل مرة تمدد فترة المساعدة.
- "حماس" تنتظر أشياء أُخرى من إسرائيل، في طليعتها استمرار الموافقة على مشاريع كبيرة في مجال البنية التحتية في القطاع. لكن ما يدل على التحسن المستمر في شروط الحياة في القطاع التي كانت متدنية كثيراً في البداية، هو وضع التزود بالكهرباء. ففي بداية الشتاء قبل عامين، جرى الحديث عن أن شبكة الكهرباء في القطاع تعمل بمعدل 4 إلى 8 ساعات يومياً. المعدل اليوم هو عشرون ساعة يومياً.
- لكن لا تزال هناك مخاطر، والمركزي بينها ينعكس في الخلافات الداخلية بين الأذرع الأمنية في إسرائيل. موقف الشاباك المتشدد يستخدمه نتنياهو منذ 4 سنوات لعرقلة إعطاء التصاريح لدخول مزيد من العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل. في الشاباك يتخوفون من استغلال تنظيمات [إرهابية] العمال لإدخال مواد ناسفة و[مخربين] والقيام بهجمات في داخل الخط الأخضر، ويحذرون من إبداء أي مرونة في سياسة إعطاء التصاريح. كما يبرز الشاباك أيضاً تورط نشطاء في القيادة في غزة في توجيه خلايا [إرهابية] في الضفة الغربية.
- في الجيش يختلفون مع الشاباك فيما يتعلق بالأمرين. هم يعترفون بوجود مخاطر، لكن تقديراتهم أقل خطورة من تقديرات الشاباك. استمرار الهجمات من الضفة هو تهديد إضافي لاستمرار التهدئة في القطاع. طوال سنوات، رفضت "حماس" الموافقة على وقف كامل للعمليات [الإرهابية] من الضفة. أمس نقلت قناة "كان"ً عن مصادر فلسطينية أن "حماس" متمسكة بموقفها هذه المرة أيضاً. من الصعب رؤية "حماس" تتنازل هنا، لكن المخاطرة بالنسبة إلى إسرائيل واضحة: هجوم فتاك واحد يمكن أن يدفعها إلى المبادرة إلى القيام بعملية رد في القطاع، وزعزعة التهدئة بصورة شاملة.
الرد الأميركي
- بينما تتخبّط إسرائيل بشأن طابع التهدئة في غزة، وقعت في نهاية الأسبوع حادثة مهمة في العراق، حظيت هنا باهتمام ضئيل فقط. مقتل مواطن أميركي يعمل في شركة أمنية مدنية نتيجة إطلاق صواريخ كاتيوشا على قاعدة عسكرية في كركوك، في شمال العراق. المسؤول عن الهجوم، على الأرجح، ميليشيات محلية لها علاقة بإيران.
- هذه هي الحادثة الأولى التي يُقتل فيها أميركي في المنطقة منذ بدأ الإيرانيون عملية منسقة من الهجمات في منطقة الخليج الفارسي في أيار/مايو هذا العام. في تقدير أجهزة الاستخبارات الغربية، أن هدف الهجمات الإيرانية هو الرد على الأضرار الجسيمة التي تسببها العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب على النظام في طهران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
- تريد إيران عودة الأميركيين إلى التفاوض على الاتفاق، وتحقيق رفع العقوبات. حتى الآن فعلت ذلك من خلال تدفيع السعوديين واتحاد الإمارات ثمناً كبيراً، ومن دون المخاطرة بالتعرض لرد أميركي. أيضاً عندما أسقط الإيرانيون طائرة أميركية غالية الثمن من دون طيار، في حزيران/يونيو هذا العام، امتنعت الولايات المتحدة من الرد.
في القيادة الإسرائيلية عبّروا أكثر من مرة عن خيبة أملهم بالضبط الأميركي للنفس إزاء الاستفزازات الإيرانية. مقتل مدني أميركي أعطى الإدارة الأميركية فرصة مؤاتية للرد وتدفيع طهران الثمن. أمس اعترف البنتاغون بمهاجمة طائرة من دون طيار أهدافاً تابعة لميليشيات مدعومة من إيران في العراق وسوريةـ وبحسب التقارير، قُتل عدد من مقاتلي هذه الميليشيات.