معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- ميّز الجهاد الإسلامي الفلسطيني نفسه عن "حماس" وسائر تنظيمات المقاومة، وأثبت أنه لا يسكت عن مهاجمة رجاله وسكان القطاع، بخلاف نمط ضبط النفس الذي تبنته "حماس" في السنوات الأخيرة. زياد النخالة الأمين العام للجهاد الإسلامي الفلسطيني أشاد في مقابلة أجرتها معه قناة الميادين، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، باستقلالية تنظيمه وقدرته على الصمود في مواجهة الضغط الذي مارسته عليه إسرائيل. وهو بذلك أثبت لرعاته في إيران ومؤيديه في حزب الله أن في مقدوره إشغال إسرائيل وشل قطاعات واسعة فيها فترة معينة من الوقت. في المقابل، اضطر التنظيم إلى الموافقة على وقف إطلاق النار من دون أن يكون لديه صورة انتصار. أيضاً الضرر الذي تسببت به لإسرائيل كان معنوياً في أساسه، لأنه لم يُسجل خسائر في الأرواح والأملاك، بينما دفع الجهاد ثمناً باهظاً من القتلى من عناصره، ومن الدمار الذي لحق ببنيته التحتية. الانتقادات التي برزت في القطاع، سواء تلك الموجهة ضد الوقف المبكّر لإطلاق النار، أو ضد السلوك الانفصالي للتنظيم، أجبر زعماء التنظيم على شرح لماذا الموافقة على وقف إطلاق النار ليست دليلاً على وقف المقاومة، والادّعاء أنه يجب التعامل مع وقف إطلاق النار كخطوة تكتيكية فرضها الزمان والمكان.
- الصورة التي تبدو من داخل القطاع في نهاية الجولة يمكن أن تفسر ماذا كان وراء القرار الحكيم الذي اتخذته "حماس" بعدم التدخل. فلو تدخلت، لكان حجم الدمار أوسع مما هو عليه حالياً. "حماس" التي تنوء بعبء كونها قوة حاكمة بسبب انهيار البنية التحتية في القطاع، وعدم قدرتها على تأمين حاجات السكان منذ المواجهة مع إسرائيل في صيف 2014 وحتى قبلها، تعرف جيداً المخاطر التي تنطوي عليها مواجهة عسكرية واسعة. منذ ذلك الحين، تحاول منع عناصر المقاومة من تقديم ذريعة إلى إسرائيل لمعاودة مهاجمة القطاع. من أجل ذلك أقامت مع سائر التنظيمات غرفة عمليات مشتركة، حيث يجري تحديد حجم استخدام إطلاق النار وتوقيته ضد إسرائيل. وتحظى هذه الخطوة بتأييد شعبي عارم. الجهاد الإسلامي الفلسطيني الذي تحفّظ عن الفكرة وسعى للمحافظة على صورته كتنظيم نخبوي، نوعي، مفعم بالحوافز، رأى في هذه الخطوة جزءاً من مؤامرة تهدف إلى تدجين تنظيمات المقاومة كلها. وفي نظره، اجتمعت قطر مصر ودول معينة سويّة، وأيضاً إلى حد ما "حماس" وبقية الفصائل، وهم مستعدون لقبول الأموال التي تصل إلى القطاع من قطر، شهرياً، "عبر مطار بن غوريون"، بحسب كلام الأمين العام النخالة، في مقابل المحافظة على الهدوء. وذلك كمرحلة ضمن عملية، هدفها إدخال المقاومة في مسار التسويات التي تقبل قيام إسرائيل.
- "حماس" أخذت على عاتقها مخاطرة محسوبة بعدم التدخل. تدرك زعامتها العداوة التي يثيرها الجهاد الإسلامي وسط جزء كبير من الجمهور، وتعتقد أن في مقدورها مواجهة الانتقادات الموجهة إليها بسبب ذلك. ومن المحتمل أن الرسائل الكثيرة التي وصلت إلى "حماس" ونُقلت من إسرائيل، عبر قطر أو مصر في السنوات الأخيرة، وعلى ما يبدو أيضاً خلال هذه الجولة، والمتعلقة بالدفع قدماً بتفاهمات تضمن التهدئة، جعلت زعامتها تدرك أن المجازفة مجدية. يُذكر أنه قبل سنوات معدودة "حماس" نفسها كانت هدفاً لانتقادات أبو مازن بسبب إطلاق صواريخ ضد إسرائيل، الأمر الذي يدفعها إلى رد مدمر على القطاع، وهذا يشبه الانتقادات التي وجهتها هذه المرة "حماس" إلى الجهاد الإسلامي الفلسطيني.
- أثبتت الأيام التي مرت منذ انتهاء الجولة الحالية أن "حماس" لم تخسر مكانتها في القطاع. لا بل حظي سلوكها بموافقة رمزية علنية من زعماء الجهاد الإسلامي الذين سارعوا إلى منزل محمود الزهار القيادي القديم في "حماس"، للاعتذار عن الانتقادات العلنية التي وُجهت إليه، وطرده بالقوة من منزل أبو العطا عندما ذهب لتقديم العزاء. في المقابل، جرى اتصال هاتفي بين إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، وبين الأمين العام للجهاد، أوضح الإثنان أن "المقاومة"موحدة، ولن تسمح لإسرائيل بدق إسفين بين التنظيمات التي تتألف منها، أيضاً الصاروخان اللذان أُطلقا في ليل 15 تشرين الثاني/نوفمبر على بئر السبع، من جانب ناشطي "حماس" - ليس من الواضح إذا كان ذلك بموافقة القيادة - يمكن رؤيته كجزء من محاولة إظهار الوحدة، لكن من دون استدراج إسرائيل إلى رد عنيف.
- إذا كان الأمر كذلك، فإن الصدع الذي حدث في جدار المقاومة في الجولة الأخيرة، لم يتحول إلى انشقاق، لكنه يعبّر جيداً عن وجود فجوات في وجهات نظر التنظيمين. "حماس"، التي تسيطر على غزة منذ أكثر من 12 عاماً، تشعر جيداً بصعوبة أن تدير سلطة ومقاومة في وقت واحد. منذ صيف 2014، تُظهر الحركة اهتماماً بوقف إطلاق نار طويل الأمد، وبإعادة إعمارالقطاع، لذلك هي تريد مواصلة مقاومة إسرائيل عن طريق الاحتجاجات الجماهيرية والاحتكاك الجسدي في منطقة السياج الحدودي، والامتناع من استخدام السلاح الحي. في تشرين الأول/أكتوبر 2017، وبخلاف سياستها في الماضي، أعربت "حماس" عن استعدادها لتسليم السلطة الفلسطينية إدارة شؤون المدنيين في القطاع. أيضاً حاولت في نظرتها السياسية إظهار المرونة والتقرب من موقف منظمة التحرير الفلسطينية من قضية النزاع مع إسرائيل، لكن هذه الخطوة لم يعتقد أبو مازن أنها كافية، ولم تسمح للطرفين بالتقدم نحو المصالحة.
- في المقابل، يعتبر الجهاد الإسلامي الفلسطيني أن مرونة من هذا النوع تشكل خطراً على مصير "المشكلة الفلسطينية"، ويدعو إلى التخلي عن كل سبل الحوار مع إسرائيل والدخول في "خنادق المقاومة". زياد النخالة، الذي يتمتع بدعم إيراني، أدى انتخابه لمنصب الأمين العام إلى نفخ روح قتالية جديدة في التنظيم، سأل مؤخراًـ على خلفية الحديث الدائر بشأن انتخابه في المجلس التشريعي: "لماذا تريدون الإسراع في إجراء الانتخابات. وما فائدة الحديث عن المصالحة عندما يكون المقسم الأكبر هو العدو الصهيوني؟" وجوابه: "علينا أن نتوحد كلنا تحت جناح المقاومة، وهي وحدها تستطيع أن توحد بيننا".
- بناء على ذلك، ثمة شك في أن الاتصالات التي جرت بين هنية والنخالة ستنهي التوتر القائم بين التنظيمين. الضغوط الإيرانية والتشدد الذي يميز الجهاد الإسلامي الفلسطيني ينذر باحتكاكات إضافية بين الطرفين، وفي مواجهة إسرائيل. ستسعى "حماس" لمنع التآكل في مكانتها كتنظيم "مقاوم" يقود ويسعى للمحافظة على الهدوء، وللدفع قدماً بتسوية لقاء تسهيلات إسرائيلية مهمة، على الرغم من التوتر الناجم عن ذلك مع إيران التي تؤيد هي أيضاً "حماس"؛ بينما سيسعى الجهاد الإسلامي أو عناصر مارقة يمكن أن تظهر في داخله، للإثبات لأنفسهم ولجمهور مؤيديهم في القطاع وفي إيران أنهم لا يزالون أوفياء لطريق الجهاد.
- إسرائيل، من جهتها، تستطيع أن تلخص جولة إطلاق النار بينها وبين الجهاد بأنها انتهت بنجاح نسبي. إزاحة أبو العطا من الساحة، كعنصر مستقل كان يمكن أن يجرّها ويجرّ "حماس" إلى مواجهة شاملة، لم يلحق الضرر باستعداد إسرائيل الأساسي في الوقت الحالي لمواجهة إيران وحزب الله في الساحة الشمالية. الثمن الذي دفعته في هذه الجولة كان محدوداً، وفي الوقت عينه، الكشف عن التصدع في معسكر المقاومة الفلسطينية.
السؤال الذي لا يزال مطروحاً هو: هل إسرائيل قادرة ومستعدة لاستخدام عدم مشاركة "حماس" في الجولة الأخيرة، لتشجيع التقدم نحو تسوية تضمن تهدئة أمنية في منطقة غزة؟ وهل الشرخ بين "حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطيني عميق وغير قابل للإصلاح، أو أن ما يجري هو أزمة محدودة؟ حتى الآن، يحاول التنظيمان أن يُظهرا تقارباً واعتبار الأزمة بينهما تعبيراً عن اختلاف مشروع في الآراء بين تنظيمين لديهما هدف مشترك. لكن الصحيح حتى الآن هو أن اهتمام "حماس" وإسرائيل بالتهدئة أقوى من شبكة العلاقات بين التنظيمين. الهدف من غرفة العمليات المشتركة هو منع إطلاق نار غير منضبط في اتجاه إسرائيل. لذلك، بلورة تفاهمات تتعلق بالتهدئة وتقليص حجم عنف "المقاومة الفلسطينية" بين إسرائيل و"حماس"، إذا ما تحقق ذلك، من المتوقع أن يثير جهوداً من جانب الجهاد الإسلامي لإحباطه، وأن يشكل تحدياً دائماً لمساعي تحقيق التسوية. من هنا، فإن التضافر بين سعي "حماس" للدفع قدماً بإعادة إعمار القطاع وتأمين أماكن عمل لسكان المنطقة، بالإضافة إلى ردع إسرائيل للفصائل المارقة، يمكن أن يؤدي، ليس فقط إلى استمرار التهدئة، بل أيضاً إلى تعميق الخلاف بين "حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطيني.