الجيش الإسرائيلي يرى أن هناك فرصة نادرة في غزة للتوصل إلى تسوية طويلة الأمد
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد مرور عشرة أيام على جولة القتال الأخيرة في غزة في مواجهة الجهاد الإسلامي، يرى الجيش أن هناك فرصة نادرة لإحراز تقدم. اغتيال إسرائيل الناشط الكبير في الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا أزاح عن الدرب التهديد المركزي للهدوء في القطاع في السنة الأخيرة. بينما تبدي قيادة "حماس" في غزة برئاسة يحيى السنوار اهتماماً كبيراً بالتوصل إلى تهدئة بعيدة الأمد.
- في قيادة الأركان العامة يؤيدون تقديم تسهيلات بعيدة الأمد في القطاع، في مقابل التعهد بالهدوء. القرار النهائي هو بين يدي المستوى السياسي، الغارق في أزمة سياسية وقانونية لها علاقة بقرار توجيه ثلاث لوائح اتهام ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والصعوبات الكبيرة في تأليف حكومة جديدة. في مقابل الجيش، يقدم الشاباك موقفاً أكثر تحفظاً، بينما يتركز جوهر الخلاف على مسألة هل يمكن السماح لآلاف العمال من القطاع بالعمل داخل حدود إسرائيل.
- عملية الجرف الصامد في صيف 2014 انتهت بخيبة أمل عسكرية من وجهة نظر إسرائيل، لكنها أثمرت فترة ثلاث سنوات ونصف السنة من الهدوء النسبي على حدود القطاع. مع ذلك، فإن تخوف الحكومة الإسرائيلية من التعرض لانتقاد سياسي داخلي، والمفاوضات العالقة مع "حماس" بشأن مصير الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في القطاع، منعا إحراز تقدم للتوصل إلى تسوية طويلة الأمد. في نهاية آذار/مارس 2018، قامت "حماس" ببسط رعايتها على التظاهرات الشعبية على حدود القطاع، والتي تدهورت بسرعة إلى مواجهات عنيفة، حاول خلالها العديد من المتظاهرين اختراق السياج بالقوة، وهو ما عرّضهم لإطلاق النار من قناصة الجيش الإسرائيلي.
- في حوادث وقعت منذ ذلك الحين، أغلبيتها في تظاهرات يوم الجمعة في القطاع، قُتل أكثر من 300 فلسطيني وجُرح بضعة آلاف بنيران الجنود. في الوقت عينه، تسبب فلسطينيون بموجة حرائق في حقول غلاف غزة، بواسطة إطلاق طائرات ورقية وبالونات حارقة. لاحقاً، وقعت جولة تصعيد رافقها إطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل. في جولة قتال دامت يومين في أيار /مايو هذا العام، قُتل 4 مواطنين إسرائيليين جرّاء إطلاق قذائف وصواريخ مضادة للدبابات من جانب "حماس". في الجولة الأخيرة التي بدأت في 12 تشرين الثاني/نوفمبر باغتيال بهاء أبو العطا، قُتل 35 فلسطينياً وأُطلق نحو 500 صاروخ على الأراضي الإسرائيلية.
- لكن النهاية السريعة لجولة العنف هذا الشهر، بعد يومين، وضعت إسرائيل أمام إمكان نادر لإحراز تقدّم - وربما لتعويض الفرصة التي ضيعتها قبل 5 سنوات بعد عملية الجرف الصامد. لقد كان عطا مسؤولاً عن أكثر من 90% من حوادث إطلاق النار في السنة الأخيرة. اغتياله جعل الجهاد الإسلامي في موقع ضعف عسكري، بالإضافة إلى مقتل نحو 20 ناشطاً من الذارع العسكرية في هجمات إسرائيلية. على هذه الخلفية، اختارت قيادة التنظيم التوصل إلى وقف إطلاق نار سريع مع إسرائيل، بعد 50 ساعة من بدء إطلاق النار. من المعقول أن يكون الجهاد بحاجة إلى وقت كي يتعافى، وبذلك نشأت فرصة لإعادته إلى وضعه الأصلي، كفصيل ثانوي بالمقارنة مع "حماس" وليس تنظيماً ينجح في فرض مسار التطورات، كما حدث في السنة الأخيرة.
- في موازاة ذلك، انتهجت "حماس" لأول مرة سياسة مختلفة في مضمونها، عندما قررت عدم القيام بدور فعال في تبادل إطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي (باستثناء إطلاق صاروخين على بئر السبع، بعد يومين من وقف إطلاق النار، اعتبرتها المؤسسة الأمنية ضريبة كلامية لفكرة المقاومة العسكرية ضد إسرائيل). في الجيش مقتنعون بأن "حماس" تريد في الوقت الحالي الامتناع من المواجهة ومهتمة بتحقيق إنجازات اقتصادية مهمة. وبذلك نشأت ظروف جدية للدفع قدماً بتسوية طويلة الأمد. "حماس" لمّحت مجدداً إلى نواياها، من خلال قرارها عدم الدعوة في يومي الجمعة الأخيرين إلى التظاهرات الأسبوعية على طول السياج.
- في الجيش يقدرون أن في الامكان رفع مستوى التسوية بصورة إيجابية بواسطة سلسلة تسهيلات إضافية في القطاع. المقصود، من بين أمور أُخرى، البدء بالتخطيط لمشاريع كبرى في مجال البنى التحتية، مثل تشغيل خط كهرباء إضافي للقطاع، وإقامة منشأة لتحلية المياه، وتحضيرات أولية لإقامة منطقة صناعية من جديد في معبر كرني على الحدود مع غزة جنوب سديروت. يبدو أن الجيش سيؤيد أيضاً زيادة كبيرة لعدد الأذونات المعطاة للعمال من القطاع للعمل في مستوطنات الغلاف، وربما أيضاً في مناطق أُخرى في إسرائيل.
- في قيادة الأركان العامة يقدرون أنه سيكون من الممكن تأمين رقابة أمنية شديدة على العمال، كما يجري اليوم مثلاً في مناطق صناعية في المستوطنات في الضفة الغربية. الشاباك، المستعد لدرس تقديم تسهيلات معينة للقطاع، يعبّر منذ سنوات طويلة عن معارضته الصارمة لدخول عدد كبير من العمال، بحجة أن الأمر يمكن أن يؤدي إلى هجمات.
- كما نُشر في "هآرتس" في تموز/يوليو الفائت، تسمح إسرائيل حالياً بدخول نحو 5000 رجل أعمال من غزة للعمل في أراضيها، لكن جزءاً منهم يعمل فعلياً في قطاعيْ البناء والزراعة.
- لكن استمراراً للتسهيلات، وقبل تحقيق المشاريع الكبيرة في مجال البنى التحتية التي يعتبرها الفلسطينيون حيوية، ثمة حاجة إلى اشتراط تحقيق أي تقدم إضافي بالتوصل إلى حل لمشكلة الأسرى والمفقودين. في هذا المجال توجد فجوة كبيرة في التوقعات، بين أمل الفلسطينيين بفرض إطلاق سراح جماعي للأسرى الأمنيين (صيغة مصغرة عن صفقة شاليط سنة 2011) والرفض الإسرائيلي لمعاودة تقديم تنازلات مشابهة.
- الجيش مستعد جيداً لمواجهة احتمال نشوب مواجهة في الجبهة الأكثر تهديداً بالنسبة إليه، الجبهة الشمالية، في مواجهة إيران ووكلائها. في خلفية هذا الاحتمال، يرى الجيش فرصة – قد لا تتكرر - للتوصل إلى تحقيق عدة سنوات من الهدوء على الحدود مع قطاع غزة. هذا السيناريو متفائل جداً ، لكن ليس من دون أساس. "حماس"، بقدر ما يمكن أن نفهم معنية به. لذلك، فإن تحقيق ذلك رهن في الأساس بقرارات المستوى السياسي في إسرائيل.