الدفع قدماً بانتخابات في السلطة الفلسطينية: أسباب الخطوة وفرص تحقيقها
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • مؤخراً، يجري طرح فكرة إجراء انتخابات في السلطة الفلسطينية بصورة تبدو، على الأقل، في هذه المرحلة أكثر جدية من الماضي. الدافع المركزي لهذه الخطوة هو أبو مازن، المعني بانتخابات بالتدريج: أولاً، للبرلمان، وفقط بعد ذلك لانتخابات رئاسية. حتى الأسبوع الأخير جرى تمييع المسألة في المنظومة الفلسطينية في الأساس بسبب معارضة "حماس" الشديدة التي تطالب بإجراء المعركتين الانتخابيتين في آن معاً.
  • لكن في الأيام الأخيرة لوحظ تغيّر في موقف الحركة في أعقاب إعلان استعدادها للدفع قدماً بالانتخابات، من خلال التلويح بموافقتها على صيغة الرئيس أبو مازن. يثير هذا التطور أملاً بالمنظومة الفلسطينية في إمكان تحقيق هذه الفكرة هذه المرة، وذلك بخلاف الاتصالات الكثيرة في هذا الشأن التي جرت بين السلطة الفلسطينية و"حماس" خلال 14 عاماً منذ الانتخابات السابقة، وانتهت كلها بالفشل.
  • تشجيع أبو مازن لإجراء انتخابات في الفترة الحالية ينبع من عدة دوافع مركزية:
  • الرغبة في ترسيخ شرعية في الساحة الداخلية: منذ عدة سنوات يظهر اغتراب بين الجمهور والسلطة الفلسطينية، يترافق مع انتقادات للسكان ضد فساد الحكم وجشع المنظومة السياسية في ظل حكم أبو مازن ومركزيته. تجلى هذا الإحباط في السنوات الأخيرة في احتجاجات شعبية، على سبيل المثال، في موضوع قانون الضمان الاجتماعي الذي خرجت الجماهير إلى الشوارع من أجله. من أجل تجديد شرعيته الداخلية، يقوم أبو مازن في السنوات الأخيرة بالدفع قدماً بمظاهر ديمقراطية شكلية لا تنطوي على تحديات حقيقية بالنسبة إليه، كالانتخابات المحلية التي جرت في الضفة الغربية من دون مشاركة "حماس"، أو عقد مؤتمر عام لحركة "فتح" وانتخاب قيادة للحركة مؤلفة فقط من مؤيديه.
  • كبح انزلاق محتمل لرياح الربيع العربي إلى المنظومة الفلسطينية: يبدو أن الاحتجاج الشعبي الحالي في لبنان وفي العراق الذي يركز على المسائل الاقتصادية والفساد الحكومي، يثير عدم الارتياح أيضاً في رام الله إزاء التشابه الأساسي مع الوضع في السلطة الفلسطينية. من المحتمل أن تشجيع إجراء انتخابات يهدف إلى تقديم علاج مسبق، أي إظهار استعداد شكلي لإصلاح داخلي قبل أن يتطور الأمر في الضفة الغربية إلى احتجاج شعبي واسع يسعى لإسقاط النظام القائم.

ج-   ضغط خارجي: ينتقد الاتحاد الأوروبي منذ فترة عدم إجراء انتخابات في السلطة الفلسطينية وحقيقة أن القيادة لم تجدد من زمن طويل شرعية سلطتها (بخلاف الماضي، لا يتعرض أبو مازن لضغط أميركي في ضوء القطيعة بين إدارة ترامب والحكم في رام الله). أُضيف إلى ذلك في الأسبوع الأخير جهود إقناع تقوم بها قطر مع السلطة الفلسطينية و"حماس"، مترافقة باقتراح مفاده بأن تترشح "حماس" في الانتخابات وفق "النموذج التونسي"، أي بواسطة شخصيات تتماهى مع الحركة لكن ليسوا من النشطاء البارزين فيها.

د-   تمهيد الأرضية لمواجهة "اليوم التالي": يدرك أبو مازن الضجيج المتزايد في المنظومة السياسية حيال رحيله، وهو معني بتعزيز مؤسسات السلطة في المستقبل. أبرز هذه المؤسسات برلمان منتخب وفاعل، رئيسه بحسب الدستور الفلسطيني، هو الذي من المفترض أن يحل محل الرئيس – إذاً وعندما يرحل - فترة من الزمن حتى إجراء انتخابات. منذ إجراء الانتخابات في سنة 2006، رئيس البرلمان هو عضو في "حماس"، ومن المحتمل أن أبو مازن يسعى لتشكيل برلمان جديد، يضمن أن يأتي رئيسه من صفوف "فتح" (ذلك في الأساس إذا لم تشارك "حماس" في الانتخابات وجرت في الضفة الغربية فقط).

ه-    إحباط "صفقة القرن": من المحتمل أن الدفع بانتخابات الغرض منه استخدامها كأداة لرفض إعلان "صفقة القرن" للرئيس الأميركي دونالد ترامب، على أمل بأن تنهار الفكرة، بالتدريج، وتختفي تماماً.

  • من المحتمل أن تغيّر موقف "حماس" من مسألة الانتخابات، على الأقل على صعيد التصريحات (من خلال الشعار الذي رفعته "نحن مستعدون") نابع هو أيضاً من التخوف من امتداد الاحتجاج الشعبي في شوارع المنطقة إلى قطاع غزة الذي يشكل ساحة قابلة للانفجار أكثر بكثير من الضفة الغربية (تعتبر "حماس" نشوء اضطرابات شعبية ضدها يشكل تهديداً لا يقل أهمية عن التحديات الخارجية التي تواجهها، وفي مقدمتها من إسرائيل). بعد تردد قيادة "حماس" بشأن وجوب السماح بإجراء انتخابات، يبدو أن الموقف الذي تبلور بقيادة يحيى السنوار هو ضرورة إجراء انتخابات في غزة أيضاً حتى لو كانت للبرلمان فقط، ومن دون تحديد موعد انتخابات رئاسية. اذا فعلاً جرى الدفع بفكرة الانتخابات نحو التحقيق، من المحتمل نشوء ظروف لتأليف حكومة وحدة تأخذ على عاتقها الإدارة المدنية لقطاع غزة وتتخلى "حماس" عن ذلك، من دون أن تتخلى عن قوتها العسكرية (من المعقول أن تكون "حماس" تسعى من وراء الستار للسيطرة على جميع أطر العمل والتأثير فيها، بما في ذلك المدنية).
  • على الرغم من الإيجابية التي تظهرها السلطة الفلسطينية و"حماس" حالياً بشأن الانتخابات، يبدو أن هناك عقبات كثيرة على الطريق. الأولى بينها هي الخلاف بشأن توقيت الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن مرونة "حماس" حيال الموضوع يمكن أن تؤدي إلى حدوث اختراق. بعد النجاح في تخطي هذا العائق، تبقى العلاقة الحافلة بالترسبات السلبية والشكوك بين "فتح" و"حماس" على حالها، والتي يُعبَّر عنها في الاتهامات المتبادلة وعدم الثقة والجدية التي من شأنها أن تفشل التوجه نحو الانتخابات.
  • تدّعي أطراف في "فتح" أن "حماس" هي العقبة الأساسية في وجه الانتخابات، وإسرائيل هي العقبة الثانية. بحسب كلامهم، صحيح أن "حماس" عبّرت عن استعدادها للمشاركة في الانتخابات، لكن من الضروري حل مسائل تقنية مثل الطرف الذي سيراقب الانتخابات في غزة. وفيما يتعلق بإسرائيل، من المتوقع بروز عقبة هل ستسمح إسرائيل بمشاركة سكان القدس الشرقية في الانتخابات، كما فعلت في انتخابات 1996 و2006. ولقد أوضح كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وفي "حماس" أن معارضة إسرائيلية لذلك ستحبط الانتخابات، ويبدو أن جزءاً يريد، عبراستخدام هذه الحجة "كذريعة"، التملص من الموضوع.

في الوقت الحالي تبرز أربعة سيناريوهات أساسية بشأن الانتخابات:

  • فشل الخطوة برمتها في ضوء عدم وجود اتفاق بين السلطة الفلسطينية و"حماس" من خلال تبادل الاتهامات بشأن نسف المبادرة – سيناريو معقول جداً حالياً.
  • إصرار أبو مازن على إجراء انتخابات في الضفة الغربية فقط، بعد فشل الاتصالات مع "حماس" - خطوة يعارضها كثير من الفلسطينيين، لأنها في رأيهم ستزيد الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ج-   موافقة السلطة الفلسطينية و"حماس" على إجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب "النموذج التونسي"، أي بمشاركة التيار الإسلامي بصورة غير مباشرة، وبواسطة مندوبين أو قوائم تتماهى معه.

د- انتخابات كاملة بحسب نموذج 2006.

  • حتى الآن يبدو أن فرص إجراء انتخابات بحسب نموذج الماضي ضئيلة، بالتأكيد كمثل تلك التي تحققت في آن معاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. مع ذلك، قدمت المنظومة الفلسطينية في العقدين الماضيين سابقات دينامية أدت إلى تطورات تعارضت عملياً مع رغبات ومصالح أطراف في "فتح": بدءاً من انتخابات 2006 التي كان أبو مازن متحفظاً تجاهها واضطر إلى إجرائها جرّاء ضغط أميركي عليه، مروراً بعملية "الجرف الصامد"، وهي مواجهة لم ترغب فيها "حماس" ولا إسرائيل، بل انجرا إليها في أعقاب اشتباكات خرجت عن السيطرة. أيضاً فكرة الانتخابات يمكن أن تكون نتيجة دينامية كهذه، وخصوصاً على خلفية ضغوط داخلية وخارجية لإجرائها.
  • بالنسبة إلى إسرائيل - ما دام يبدو أن الانتخابات ستجري في الضفة الغربية فقط ومن دون مشاركة "حماس" (ومن دون إمكان أن تتطور إلى انتخابات شاملة)، ليس هناك حاجة إلى منعها. هي لن تمنح أبو مازن شرعية كبيرة، ومن جهة أُخرى لا تنطوي على خطر حقيقي بالنسبة إلى إسرائيل في الأساس، بمعنى زيادة قوة "حماس" في الضفة وسيطرتها على مؤسسات الحكم، وعلى أجزاء من الضفة.
  • لكن إسرائيل ستضطر إلى التدخل اذا جرى التوصل إلى اتفاق بين السلطة الفلسطينية و"حماس" على انتخابات واسعة، بحسب "النموذج التونسي"، ناهيك بانتخابات وفق نموذج 2006. أولاً، يمكن أن ينشأ ضغط خارجي، تحديداً أوروبي، على إسرائيل للسماح بإجراء انتخابات في القدس الشرقية. ثانياً، الأخطر من ذلك، سيناريو كهذا ينطوي على خطر أن "ترفع حماس رأسها" في الضفة الغربية، وأن تستخدمها للسيطرة على مؤسسات منظمة التحرير، وخصوصاً إذا حققت الحركة إنجازاً كبيراً في الانتخابات.
  • إزاء إمكان كهذا، يتعين على إسرائيل أن تدرس فكرة إفشال الانتخابات، بدءاً من معارضة مطلقة للتصويت في القدس الشرقية، مروراً باعتقال زعماء ومرشحي "حماس" ومنع الدعاية الرسمية والحركة لهم في الضفة الغربية، مروراً بعرقلة الجهود التنظيمية لإجراء انتخابات (مثلاً عرقلة حركة ممثلي اللجنة الانتخابية من الضفة الغربية إلى قطاع غزة). من المعقول أن تترافق هذه الخطوات بانتقادات دولية، لكن الثمن المتمثل بتعاظم نفوذ "حماس" في المنظومة الفلسطينية يمكن أن يكون باهظاً أكثر من وجهة نظر إسرائيل. على أي حال، يبدو أنه من الأفضل لإسرائيل ألّا تعبّر عن موقف رسمي من الموضوع حالياً، والسماح للمنظومة الفلسطينية بأن تأخذ مداها في هذه المسألة.

يبدو أنه في الوقت الحالي لا يُنصح بالقيام بمراهنات حيال المنظومة الفلسطينية فيما يتعلق بانتخابات شاملة - أيضاً حتى لو استندت إلى تقديرات حكيمة أو إلى معطيات استطلاعات للرأي العام تدل على تفوق "فتح" في مواجهة "حماس". دروس 2006 لا تزال مهمة وتدل على أن أي مغامرة سياسية يمكن أن تتطور بسرعة إلى تغيير استراتيجي سلبي بالنسبة إلى إسرائيل.