قرار ترامب التخلي عن حلفائه في سورية - خبر سيء لكل الشركاء في المنطقة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بإجلاء بضع مئات من الجنود الأميركيين من طريق قوات الجيش التركي التي توشك على اجتياح شمال شرق سورية، هو خبر سيء لجميع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. بذلك يعطي ترامب ضوءاً أخضر لعملية تركية خطرة، وفي الوقت عينه يتخلى عن شركاء هم الأكثر وفاء للولايات المتحدة في سورية، المقاتلون الأكراد.
  • خطوة الرئيس الأميركي تمهد الأرضية لتحقيق مصالح لاعبين آخرين في الملعب السوري - وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأيضاً عناصر تنظيم داعش، وبصورة غير مباشرة أيضاً نظام الأسد والدولتان الأساسيتان الداعمتان له، روسيا وإيران. بنظرة من القدس هذه أيضاً علامة تحذير: إلى أي حد لا يمكن الاعتماد على الرئيس الأميركي الذي جرى تقديمه هنا، حتى اللحظة الأخيرة، بصفته أكبر صديق لإسرائيل في واشنطن على الإطلاق.
  • يبدو ترامب شخصاً يمقت أي تدخل عسكري أميركي في الشرق الأوسط. وفي هذه النقطة هو يشارك الرئيس الذي سبقه في البيت الأبيض باراك أوباما تحفظه. في كانون الأول/ديسمبر 2018، وبعد إعلان انتصاره في الحرب ضد داعش، أعلن ترامب قراره سحب الجنود الأميركيين الألفين الموجودين على الأراضي السورية. الأمر الذي أغضب وزير الدفاع الجنرال جايمس ماتيس الذي استقال من منصبه، لكن قرار الخروج جرى تمييعه لاحقاً. واستمرت الولايات المتحدة في الاحتفاظ بأكثر من ألف جندي في الزاوية الشمالية الشرقية من سورية. وكان هؤلاء في الأساس من رجال الاستخبارات، وكوماندوس ووحدات تشغل صواريخ مضادة للطائرات، هدفها دعم قوات سورية الديمقراطية - التي تجمع تنظيمات من معارضي نظام الأسد، ويشكل الأكراد المكوّن المركزي فيها.
  • الأكراد، بدعم أميركي، منعوا سيطرة النظام السوري على هذه المنطقة، وفي الوقت نفسه لجموا صعود قوة داعش من جديد. في مخيم النازحين، الهول، الذي بقي تحت إشراف كردي ضعيف يوجد نحو 70 ألف شخص كانوا في الماضي يسكنون في مناطق واقعة تحت سيطرة داعش. وعدد كبير من سكان المخيم هم أبناء عائلات لأفراد انتموا إلى تنظيمات إرهابية جهادية، ويُعتبر المكان مرتعاً للتطرف الأيديولوجي العنيف. سيطرة تركيا على المنطقة يمكن أن توزع هؤلاء النازحين في كافة الاتجاهات، وأن تزيد من خطر الجيل المقبل لداعش.
  • لكن بالنسبة إلى أردوغان، الأكراد هم الإرهابيون الحقيقيون. وهو منذ وقت طويل يصرّح عن رغبته في السيطرة على منطقة أمنية يقع الجزء الأكبر منها تحت سيطرتهم على طول الحدود داخل الأراضي السورية (يبلغ طولها 450 كيلومتراً وعرضها نحو 30 كيلومتراً). وأعلن أردوغان أيضاً أنه ينوي إسكان نحو مليون نازح سوري في هذه المنطقة من الذين يعيشون في السنوات الأخيرة في تركيا. ولمّح إلى أن البديل هو فتح الباب أمام اللاجئين للانتقال إلى الدول الموجودة خلفه؛ جيرانه الأوروبيون ليسوا متحمسين أبداً لهذا الاحتمال.
  • إعلان البيت الأبيض إخراج الجنود المنتشرين أول أمس في الساعة الحادية عشرة ليلاً، بتوقيت واشنطن، وُضع في البداية في ظل الأزمة السياسية بشأن محاولة إزاحة ترامب من منصبه بسبب القضية الأوكرانية. لكن بسرعة بدأت تظهر تسريبات لمعلقين وخبراء مستقلين تعكس معارضة مشابهة في البنتاغون، وإلى حد ما في وزارة الخارجية. إذا اجتاح الأتراك المنطقة فإن الأكراد من المحتمل أن يحاولوا خوض حرب عصابات ضدهم، وسيبحثون لاحقاً عن أصدقاء جدد لهم بدلاً من الأميركيين. ولدى الحكام في الأنظمة الموالية للأميركيين في شتى أنحاء الشرق الأوسط، من المتوقع أن يُطرح السؤال إلى أي مدى يمكن الاعتماد على ترامب.
  • يشكل هذا، على ما يبدو، درساً أيضاً للزعامة الإسرائيلية. فقط قبل بضعة أشهر اصطف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزراؤه في حفل إطراء محرج للرئيس الأميركي الذي أطلقوا اسمه على مستوطنة وهمية في هضبة الجولان. منذ ذلك الحين نُسيت وتلاشت الوعود بتوقيع حلف دفاعي بين الدولتين التي أُطلقت عشية الانتخابات الثانية. مرة أُخرى يُطرح السؤال عمّا إذا كان الاعتماد على ترامب مبالغاً فيه، الذي كلّف أيضاً ابتعاداً واضحاً لنتنياهو عن الحزب الديمقراطي، وزعزعة التأييد التقليدي للحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن لإسرائيل.