كل اللعب بالأرقام لا يغيّر واقع أنه لا يوجد فائز في الانتخابات
تاريخ المقال
المصدر
- يعالج هذا المقال الأرقام المتعلقة بالانتخابات. وأبدأ بقصة قصيرة عن "لعبة الأرقام". فقد أظهر بحث كتبه في حينه باحث شاب في الاستخبارات الأميركية أن الجيش الأميركي الذي قاتل في جنوب فيتنام ضد الفيتكونغ (المدعوم من شمال فيتنام) ضيّع وقته في إعداد التقارير عن الخسائر التي أوقعها في صفوف الفيتكونغ، وأن الحرب توشك على الانتهاء بانتصار أميركي. في 30 كانون الثاني/يناير 1968 شنّ ما لا يقل عن 80 ألف جندي من الفيتكونغ هجوماً فجائياً واسعاً على القوات الأميركية. في واشنطن أُصيبوا بالذهول من هول المفاجأة: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ألم نقتل في السنة الماضية كل جنودهم تقريباً؟
- الآن أعود إلى الحديث عن ثلاث نقاط عن الأرقام عندنا وما وراءها: قرأت مقالات وسمعت تعليقات بأن الليكود خسر مئات آلاف الأصوات مقارنة بانتخابات نيسان/أبريل، وبلغت خسارته عشرة مقاعد تقريباً. أصابني الدوار من كثرة التفسيرات التي تبرر كيف حدث ذلك، وكيف أن كل أصوات كحلون التي ذهبت ظاهرياً إلى الليكود، كان يجب أن تعود إليه، لكنها لم تعد. بحسب النتائج الرسمية للانتخابات، الليكود خسر 27 ألف ناخب، وخسر ثلاثة مقاعد، وأزرق أبيض زاد بـ26 ألف ناخب وخسر مقعدين. وهنا تكمن المأساة الكبرى لنتائج الانتخابات. ليس هناك فائز. وكل لعب بالأرقام لا يمكنه أن يغيّر هذا الواقع القاتم من الناحية الوطنية.
- النقطة الثانية لها علاقة بالتصويت في القطاع العربي. وسائل الإعلام لدينا تحدثت عن أعجوبة نسبة التصويت المرتفعة في القطاع العربي. تعالوا لنتعمق في الأرقام. صحيح أن نسبة الاقتراع في القطاع العربي ارتفعت في انتخابات أيلول/سبتمبر بنحو 10% مقارنة بانتخابات نيسان/أبريل. وفي المقابل ارتفع تمثيل الأحزاب العربية التي تؤلف القائمة المشتركة من 10 نواب (عندما خاضت الانتخابات منفردة) إلى 13 عندما خاضتها ضمن قائمة موحدة، وهذا الارتفاع جرى التعبير عنه بزيادة 134 ألف صوت.
- لكن انتبهوا إلى ما حدث في الأحزاب اليهودية الصهيونية: في انتخابات نيسان/أبريل، حصلت الأحزاب اليهودية على 29% تقريباً من أصوات العرب والدروز، بينما بذلت ميرتس كل ما في وسعها، وحصلت في القطاع العربي على 24% من مجموع الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات. بينما في الانتخابات الأخيرة حصلت الأحزاب اليهودية فقط على 20% من أصوات العرب والدروز. بينما ميرتس (هذه المرة تحت اسم المعسكر الديمقراطي) خسرت نحو ثلثي الأصوات التي صوتت لها في انتخابات نيسان/أبريل. بكلمات آخر: الارتفاع الكبير في نسبة تصويت العرب استفادت منه فقط القائمة المشتركة، ولم يؤد إلى مزيد من الاندماج في أحزاب يهودية، وعلى رأسها ميرتس. عموماً من المثير للاهتمام عدم وجود عضو كنيست عربي حالياً في أي حزب يهودي. ولا يمكن عدم الإشارة إلى أزرق أبيض الذي نال معظم أصوات القطاع الدرزي، من دون شك بسبب وعوده بتغيير قانون القومية.
نقطة ثالثة تتعلق بالموضوع العربي. أظهر استطلاع معمق أجراه مؤخراً معهد الديمقراطية نتيجتين مدهشتين: من جهة، 85% من العرب في إسرائيل يقولون إن إسرائيل مكان جيد للعيش فيه، و65% فخورون بكونهم إسرائيليين (!). وفي الوقت عينه 77% منهم يعتقدون أنه لا يحق لإسرائيل أن تعتبر نفسها دولة قومية للشعب اليهودي. هنا يكمن جوهر مشكلة السكان العرب (الفلسطينيين) في دولة إسرائيل؛ مشكلة قومية أكثر مما هي مجرد مشكلة مساواة في المواطنة.